العدد 545 - الأربعاء 03 مارس 2004م الموافق 11 محرم 1425هـ

الوجوه... إغراء البدايات الأكبر

الفنان جعفر العريبي:

في وجوهه المتعددة وعبر آفاق فنية تتجدد ملامحها مع كل وجه جديد، يحاور الفنان الشاب جعفر العريبي فن «البورتريه»، داخلا معه الى زواياه وغرفه، مكتشفا في كل الزوايا والغرف همّا انسانيا أو حلما طائرا أو حكاية انسانية ألقت بظلالها على فرشاة ألوانه فدخلت في مغامرة لونية مع وجوهه المتعددة. والفنان جعفر العريبي يعتبر أصغر الفنانين سنا الذين تأتى لهم الفوز بجائزة تقديرية من معرض البحرين للفنون التشكيلية الأخير، وهو في هذا اللقاء يحاول الخروج بفكرة فنية انسانية مفادها أن الوجوه صورة لواقع انساني تنطبق أجزاؤه ونواحيه وتتفاعل على ملامحه، فهو لا يجد ضرورة لخروج الوجه بصورة مبتسمة أو حزينة وانما يكتفي بوجه ساكن في اشارة الى أن الصمت قد يتحول الى كلام أو لغة أخرى.

منذ متى والوجوه تشغلك؟

- اشتغالي على الوجوه كان من سن مبكرة، وهو السن الذي كنت أتعلم فيه الرسم بواقعية وهو الاغراء الأكبر لأي مبتدئ في الفن التشكيلي، ومارست رسم هذه الوجوه في شخوص وليس بالطريقة التي ظهرت بها في المعرض الأخير، وهو العمل الفني ضمن لوحة تعرض. إذ عرضت هذه الوجوه باستقلالية عن الجسد وبأسلوب غير الذي كنت أعمل عليه سابقا.

ولكني وجدت في أعمالك أو وجوهك تركيزا أو تحديدا على الملامح؟

- أود الاشارة بداية الى أن رسم الوجوه أو «البورتريه» فن عريق وموغل في القدم، ومعظم الفنانين ان لم يكونوا جميعهم سواء كانوا فنانين عالميين أم هواة رسموا هذه الوجوه، ربما لما يمثله الوجه من مرآة قد تعكس الكثير من خبايا النفس وتخبي الكثير. ولكن رسم الوجه عندي أتى عن طريقة عفوية أو لاشعورية، فحين بادرت برسم أول وجه وهو الموسوم باسم «وجه قديم» لم يكن قصدي رسم وجه ما وانما كنت أنوي رسم جنين في رحم أمه ولكن لا شعوريا تحول عندي هذا الجنين الى وجه، ولطبيعة المادة التي كنت أعمل عليها وهي الحفر على الخشب ولما تتمتع به من تجربة واغراء عملت في هذا الوجه الكثير من الوقت وكنت رسمته أو حفرته أكثر من مرة، الأمر الذي أغراني بالتجربة وسبر أغوار هذا الجانب من الفن وهو فن البورتريه.

فهل هو توجه لديك أم تأثير فنان آخر؟

- في اعتقادي أنه لا يستطيع أي فنان أن يزعم أنه استنفذ وجها معينا أو الوجه بشكل عام فالوجه في الفن تكوين ومجموعة من الخطوط والخامات المختلفة التي تشكل أبجدية الفنان. مثله مثل حروف اللغة العربية التي لا يستطيع كاتب أو شاعر أيا كان أن يقول انه استنفد حرفا من حروفها بفعل كتابة رواية أو ديوان شعر، فلا يستطيع غيره كتابة الجديد. وأنا أستغرب حقيقة من أولائك الفنانين أو الناس بشكل عام، الذين لا يحبذون تطور الأفكار والاستفادة من تجارب الآخرين، وهم بهذه الصورة يضعون أنفسهم في موضع الاستهزاء فنحن الفنانون الشباب لدينا أعين أيضا ونستطيع ان نرى بها الكثير، وأجد أنه من الضروري هنا أن أسجل اعجابي الكبير بفان جوخ وبيكاسو ورنوار ومونيه وغيرهم من الفنانين الذي استهوتهم الوجوه.

فكيف تقرأ وجوهك؟

- لا ازعم أني قادر على قراءة هذه الوجوه بالمعنى اللغوي أو الكتابي الذي يمثل لدى التشكيليين مجموعة من الأحاسيس التي يستطيعون ترجمتها كتابيا، ولكن ومن خلال هذه الوجوه حاولت التسليط على بعض الجوانب الانسانية، وأتصور أني تأثرت بشكل أكبر في رسم هذه الوجوه بالواقع الذي يعيشه الناس على هذه الأرض وتحديدا الانسان العربي وما يمر به من معاناة واضطهاد. ولا يخفى على أحد حجم الوجوه التي تطاردنا على صفحات الصحف وعلى شاشات التلفزيون والتي تطاردنا في أحلامنا ويقظتنا وفي قلوبنا ومع أنفسنا حتى، والتي كان لها الدور الأول في رسمي لهذه الوجوه، ولكني لا أعتقد أني سأستمر على المنوال نفسه، فالحياة من طبيعتها التغير، ومن هنا أتصور أن هذه الوجوه ستتحول ربما الى شيء آخر.

ولكن هذه الوجوه مطبوعة بالسكون، فكيف تستطيع التعبير بها؟

- أتصور أننا نعيش في عصر تكاد تتلاقى فيه الأضداد ويكاد أن يختلط الخير فيه بالشر والأبيض بالأسود، ما يجعل الفرد منا في حيرة حقيقية مع نفسه. وفي أحيان كثيرة يريد هذا الانسان أن يتكلم ولكنه لا يستطيع، وبذلك يكون الصمت أحيانا كلاما أو لغة أخرى. وبالذات في الوجوه الانسانية وكما قلت آنفا فانها قراءة تعكس الكثير ويحتجب الكثير عن الظهور فيها وقد يكون الانسان في مفارقة كبيرة لا يعرف مكنونات نفسه أيضا.

وهل نستطيع القول ان في هذه الوجوه ظلالا من مساحة مكانية او زمانية بحرينية تحديدا؟

- عندما رسمت هذه الوجوه لم اكن أقصد رسم أو طبع انسان أسود أو ابيض ، وانما كان قصدي أن أرسم أو أبحث في الانسانية بشكل عام، فلا يوجد اختلاف في المشاعر بين انسان وآخر، أو بين انسان يعيش في الغابة وآخر يعيش في قاع بئر، فكل له همومه المشتركة، ولكن للأسف يتم النظر اليها أحيانا من زوايا مختلفة ولكنها في الواقع مشتركة بين الناس جميعا الا من تلوثت انسانيته وفطرته بأشياء أخرى قلبت عنده الموازين.

أنت تغني هذه الوجوه دائما بتلوينات ربما وصفت بالجرأة، فبماذا تفسرها؟

- اللون نفسه وباختلاف التراكيب اللونية في عمل فني معين يغير العمل برمته، ولذلك فهي تحتاج الى الكثير من التجربة والاختيار من بين الكثير من العلاقات اللونية الممكنة في عمل معين، كمثال استبدال اللون الأحمر بالأخضر يسبب اشكالية كبيرة في العمل الفني من ناحية العلاقات بين الألوان كالأضداد والمترادفات اللونية وكأنك لا تستطيع تبديل كلمة الخير بالشر، ما يعني أنك تتحدث عن موضوع أو رؤية أخرى.

فهل تبحث عن خامات جديدة أو مختلفة مع كل عمل جديد؟

- البحث يشكل عندي هاجسا كبيرا جدا، فهو يشكل اضافة إلى العمل الفني وليس انتقاصا، فهو يساعد المشتغل بالشكل على الامساك بالكثير من الخيوط التي يستطيع استخدامها في مكانها المناسب، ولكني أجد من الضرورة بمكان أن يرتبط البحث بعدم العشوائية وانما البحث عما هو أصيل قدر المستطاع، وهذا مرتبط في نظري بشكل كبير بمشاهدة الفن في العالم قدر المستطاع ، حتى لا يسقط الفنان في عشوائية لا تمت الى الفن بصلة.

وكيف يتعاطى جعفر العريبي مع الانتاج العالمي بهذا الخصوص؟

- يجب النظر إلى هذه المسألة بحذر كبير، فهناك قسم كبير من فنانين استحقوا ما وصلوا اليه، ولكن هناك مجموعة أخرى قامت دولهم بالترويج الى أعمالهم. ولكنني أقول ان لدينا الكثير الكثير من الفنون الشرقية الأصيلة كالفن الذي أنتجه الفراعنة أو الذي نشأ في بلاد ما بين النهرين، كما أن لدينا الزخرفة الاسلامية والخط العربي، ولكن ليس هناك من اعلام قادر على تنبيه العالم الى ما في هذه الفنون العربية والاسلامية من كنوز حضارية وانسانية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً