في قصة تتداخل فيها إساءة معاملة الأطفال والفقر وسوء المعاملة الإنسانية، تبرز أمامنا قضية الخادمة «سيرنا نبتي درسونا» البالغة من العمر 14 وجلبت من إندونيسيا للعمل لدى إحدى الأسر البحرينية بعدما تم تزوير تاريخ ميلادها.
بدأت القصة في إحدى القرى في جنوب إندونيسيا عندما قام عم سيرنا بأخذها من أسرتها إلى العاصمة «جاكرتا» كي تصبح بين يوم وليلة العائل الأساسي لهذه الأسرة الفقيرة المكونة من سبعة أفراد. وأجبرت الفتاة على العمل في جاكرتا لمدة أربعة أشهر بعدها قام العم بعرض أوراقها الرسمية على إحدى وكالات تشغيل الأيدي العاملة بعد تزوير الأوراق الثبوتية وقفز سنها الحقيقي من 14 إلى 20 عاما.
تقول سيرنا: «حضرت إلى البحرين في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي (2003) وعملت لدى أسرة بحرينية في منطقة سترة. كانت الأسرة مكونة من 9 افراد. وتعرضت للضرب بسبب عدم قدرتي على الايفاء بمتطلبات أسرة كبيرة. ففي أحد الايام نسيت ما طلبته مني السيدة التي أعمل لديها فقامت بوضع يدي على الطباخ عقابا على فعلتي». وبدت آثار الحرق واضحة على يد سيرنا.
وتضيف سيرنا: «بعد شهرين من العمل لدى الاسرة أعادوني إلى صاحب وكالة الايدي العاملة في البحرين إذ قام بأخذي إلى بيته للعمل هناك. وتكررت المعاملة نفسها إلى أن هربت من منزله وتبنى مركز البحرين لحقوق الانسان قضيتي».
من جهته، علق مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب على قضية سيرنا بالقول إنها قضية تبرز استغلال الاطفال وسوء معاملتهم وإلحاقهم بسوق العمل من دون إرداتهم.
وأضاف رجب: «بالتأكيد لم تكن راضية عن المجيء للبحرين وتم تغيير تاريخ ميلادها بحسب اتفاق بين عمها ووكالة الايدي العاملة في بلدها الاصلي».
وأشار رجب إلى أن عدم وجود سفارة لاندونيسيا في البحرين يزيد من تعقيد الامور إذ لا توجد أية جهة تمثل هذه الجالية او تقوم برعاية مصالحها.
واختتم رجب بالقول: «نتمنى إيقاف جلب العمالة من الدول التي لا توجد لها أية سفارة أو مكتب تمثيلي في البحرين».
المنامة - تمام أبوصافي
ينطلق صباح اليوم الجمعة ماراثون المشي والجري من فندق كراون بلازا (هوليدي إن سابقا) لمسافة 5 كم بمحاذاة جسر المحرق الجديد تحت إشراف وتنظيم لجنة العمالة الأجنبية في مركز البحرين لحقوق الإنسان، إذ سيخصص ريعه لإقامة ملجأ مؤقت للعاملات الأجنبيات في المنازل واللواتي يتعرضن للإساءة الجسدية.
وقال مدير المركز نبيل رجب لـ «الوسط» ان الهدف من تنظيم هذه الفعالية الخيرية هو بناء ملجأ مؤقت للعاملات الأجنبيات اللواتي لا يجدن مكانا آمنا في معظم الأحيان ما يضطر المركز إلى إيداعهم في بيوت المتطوعين من مجموعة المساعدة التابعة للمركز.
وأشار رجب إلى أن مدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة (هيومن رايتس ووتش) جو ستورك والذي يزور البحرين هذه الأيام بدعوة من المركز سيكون ضيف شرف لهذه الفعالية إذ سيرفع إشارة بدء السباق كما سيقوم بتوزيع الجوائز على الفائزين في نهاية السباق.
عن أهداف إقامة الملجأ وحالات تعرض الخادمات العاملات في البحرين للتعذيب والضرب والمهانة دار هذا الحوار مع مدير مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيـل رجب.
ما الذي جعلكم تتجهون إلى تنظيم هذه الفعالية الخيرية؟
- بلا شك هناك حاجة أساسية إلى بناء ملجأ من هذا النوع. فهناك عاملات أجنبيات يتعرضن للإساءة الجسدية، ولا يوجد مكان مناسب تلجأ إليه الخادمة في هذه الحالة. وفي معظم الأحيان تبقى الخادمة في مركز الشرطة حتى تنتهي اجراءاتها بسبب عدم وجود مكان آمن لها، وهذا الوضع بالتأكيد لم يعد مقبولا في البحرين في ظل عهد الإصلاحات واحترام حقوق الإنسان ووجود مراكز وجمعيات تعمل في المجالات الحقوقية.
كذلك الخادمات اللواتي لديهن قضايا ينظر فيها في المحاكم يمكن إبقاؤهن في هذا الملجأ، ففي غالبية الأحيان نقوم بإيداعهن في بيوت مجموعة المساعدة التابعة للمركز وهذا الوضع ليس بالجيد وخصوصا أن معظمهن يحتجن للرعاية الصحية بعد تعرضهن للضرب أو الإهانة الجسدية والنفسية، ومجموعة المساعدة لا تستطيع تقديم هذا الدور بالشكل المطلوب لذلك نتطلع إلى توفير ملجأ مجهز باشراف أفراد لديهم القدرة على تقديم المساعدة الطبية والنفسية كي يستطيعوا التعامل مع خصوصية الحالات التي تأتي إلى الملجأ.
تزايد الحالات
برأيك هل هناك تزايد في حالات تعرض الخادمات للإساءة الجسدية والنفسية في البحرين؟
- من الصعب التحدث عن زيادة او نقصان الحالات، ولكن يمكن القول لقد أصبح بالامكان الآن رصد الحالات التي تتعرض لأية إساءة جسدية او نفسية. في الماضي لم نكن قادرين على رصد هذه الحالات ولكن الآن في ظل وجود المركز والجمعيات الحقوقية وانشطتها ودورها التوعوي أصبح الامر أكثر سهولة، واعتقد ان ظهور الكثير من التحقيقات الصحافية التي تناولت قضايا الخادمات وما يتعرضن له من اساءة في بعض الاحيان اسهم بصورة كبيرة في تضاؤل هذه الحالات، بلاشك هناك حال من الوعي بدأت تنتشر بين الناس. ولا ننسى ان ما تعانيه بعض العاملات في المنازل لا يمثل شكلا عاما للمجتمع البحريني، فالمجتمع البحريني مجتمع متسامح يرتقي بمعاملة الأجانب والوافدين اليه للعمل ويدرك حقوقهم بشكل أفضل من دول أخرى ولكن يبقى هناك بعض الأفراد الذين لم يدركوا بعد أهمية احترام هذا الجانب الإنساني.
هل هناك أية جهات حكومية ستسهم في دعم هذا المشروع الخيري؟
- الحقيقة هناك وعود كانت قد قدمتها وزارة الخارجية في مؤتمرها الصحافي عن الاتجار بالافراد ونيتها اقامة ملجأ للعمالة الوافدة التي تتعرض لاية انتهاكات حقوقية، وكان الموعد المحدد - كما اشير اليه في الصحف المحلية - في شهر مارس/ اذار الجاري، ولكننا حتى الآن لم نسمع باقامة أي ملجأ او أية بوادر بهذا الصدد. وبالنسبة إلى مشروع المركز الحقيقة فإن وزارة العمل والشئون الاجتماعية قدمت ترخيصا للماراثون الذي سيقام اليوم الجمعة، ونحن نطمح إلى التعاون مع وزارة العمل والشئون الاجتماعية في هذا المجال مستقبلا ولدينا الاستعداد لتقديم أي شكل من اشكال التعاون معها ونتمنى فعلا ان تأخذ الوزارة دورها في هذا المجال المهم.
مشكلات ومعوقات
برأيك ما المعوقات التي تزيد من تعقيد التعامل مع مشكلات العاملات في المنازل؟
- صعوبة ضبط الاجراءات القضائية فيما يخص قضايا العاملات في المنازل، فالقضايا التي تؤخذ الى النيابة العامة والقضاء وتخص هذه الفئة من الناس لا يتم التعامل معها بشكل جدي على رغم ان الجهاز الأمني أصبح أكثر تعاونا معنا في هذا المجال. ولكن الاجراءات القانونية المتبعة هي التي تتحكم بما يفترض ان يتبع في مثل هذه الحالات. فبقاء الخادمة في البلاد لمتابعة قضيتها مرتهن بكفيلها وهو على الاغلب الطرف الذي تنوي العاملة مقاضاته وبالتالي تضطر العاملة إلى التنازل عن قضيتها كي تعود الى وطنها الاصلي. وهناك ايضا بطء في الاجراءات المتبعة بينما الخادمة اصلا لا تملك مكانا للسكن وبالتالي تتنازل عن قضيتها. لهذا السبب لم نر حتى الآن أية قضية تم اخذها الى العدالة لوجود انتهاكات قام بها الكفيل بحق العاملة الاجنبية لديه ولكننا رأينا الكثير من الخادمات اللواتي تم تسفيرهن وهن يحملن بعض العاهات الجسدية أو يعانين من معاناة نفسية جراء الاعتداء عليهن من قبل مخدومهن او لسجنهن نتيجة أي خطأ قمن بارتكابه.
بعد الضرب
قبل اشهر بسيطة تم عرض قضية لخادمة تعرضت لضرب مبرح على يد السيدة التي تعمل لديها بواسطة عصا «حطبة»، ولكن بعد ذلك تنازلت الخادمة وتم تسفيرها وكأن شيئا لم يكن، ما الذي استطاع ان يقدمه المركز في هذه الحالة؟
- للأسف الشديد انتهت القضية كما انتهت الكثير من القضايا التي مرت علينا بسبب عدم وجود قانون صريح يحمي الخادمة، إذ تم إرجاعها الى موطنها الأصلي بعد ان تنازلت عن حقها. لم يكن هناك أي إخفاق من المركز كجهة حقوقية، ولكن هناك خلل في الإجراءات التي تتبع في مثل هذه الحالات وهذا ما يعيدنا إلى إبراز الحاجة إلى وجود قانون ينظم اوضاع العاملات في المنازل، وخير مثال على ذلك ان الكثير من الأفراد الذين قاموا بالاعتداء الجسدي والنفسي على الخادمات وتم تسفيرهن بعدها تقدموا بطلب الى وزارة العمل والشئون الاجتماعية للحصول على خادمة جديدة وفعلا جلبوا خادمة جديدة وتكرر السيناريو نفسه وكأن شيئا لم يكن.
هناك تركيز واضح من قبلكم على الصحف الاجنبية في طرح قضايا العمالة الاجنبية في حين ان المعني بالدرجة الاولى هو الجانب العربي في المجتمع البحريني. ألا تعتبر هذا تقصيرا من قبلكم؟
- من خلال تعاملي مع الصحف العربية اجد ان الكثير منها لا ترى في قضايا الخدم اولوية مهمة بالنسبة لها، على رغم ان هذه الفئة يتم الاساءة اليها من قبل عوائل عربية ومسلمة، وهذا الموضوع حساس جدا. للاسف هناك نظرة سائدة لدى الكثير من الناس بأن نشطاء حقوق الانسان يجب عليهم انتقاد الحكومات وهذا امر غير صحيح على الاطلاق، فلا يمكن ان ننكر ان الاساءة إلى الخادمات تتم على يد افراد من المجتمع وليس حكومات.
مازلنا لا نعي
هل هذا يعني اننا مازلنا لا نملك الوعي بحقوق هذه الفئة من العمالة؟
- بلاشك، ولكن هناك تطور في هذا الوعي بشكل دائم ويكفي انه توجد في البحرين مجموعة تقوم بالدفاع عن حقوق الخدم في حين أن هناك الكثير من الدول العربية تفتقر إلى وجود مثل هذه المجموعات. دعينا ننظر بتفاؤل الى تفاعل المجتمع مع قضايا الخدم. أيضا نحن نأمل من الجمعيات النسائية أن تلعب دورها الطبيعي في مثل هذه الحالات وخصوصا ان العاملات هن نساء أيضا ويتعرضن للإساءة والإهانة وإذا لم يكن بحرينيات او عربيات فهذا لا يعني أن يسقط حقهن بأن يعاملن كنساء.
هل انتم متفائلون بما يمكن ان يحققه هذا الملجأ؟
- لن نقول ان الملجأ سيسد الحاجة بشكل كامل ولكنه بالتأكيد سيكون قادرا على المساعدة من خلال قدرته على استيعاب 20 حالة. حقيقة اننا نريد ان يكون هذا الملجأ نقطة انطلاق كخطوة اولى نحو تصحيح اوضاع العاملات في المنازل اللواتي يتعرض للإساءة فيها. وكذلك نتمنى على الجهات الحكومية ان تأخذ خطوة ايجابية في هذا المجال وان يكون هناك تعاون افضل مستقبلا
العدد 546 - الخميس 04 مارس 2004م الموافق 12 محرم 1425هـ