العدد 2355 - الأحد 15 فبراير 2009م الموافق 19 صفر 1430هـ

أوباما... وحظه العاثر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل مرور شهر على استلام باراك أوباما الإدارة الأميركية من سلفه جورج بوش بدأت تظهر علامات تلك التركة الثقيلة. فالملفات كثيرة والخزانة المالية شبه فارغة والإفلاسات المصرفية متواصلة والمهمات تبدو صعبة وبعضها شبه مستحيل.

حظ أوباما ليس عاثرا في كل الجهات. فهو نجح في جوانب ويحاول استرداد تلك الأوراق القوية التي خسرتها الولايات المتحدة في فترة بوش. ولكن التفاؤل أخذ يتراجع وبرزت عقبات تشير إلى وجود فجوات كبيرة تقلل من نسبة التوقعات.

المشكلات التي تواجه أوباما كثيرة وثقيلة وتحتاج إلى وقت لاحتواء تفاعلاتها وتداعياتها. وأساس الصعوبات تبدأ من معضلة المال (عصب الأعمال). فالخزانة تعاني من عجز متواصل وتدهور مستمر على مستوى القطاعات الثلاثة: البورصة والمصارف، التجارة وميزان المدفوعات، الموازنة ومحصلة الضرائب.

إلى القطاعات المالية (الأسواق والمصارف والتجارة) بدأت تظهر سلبيات على قطاعات الإنتاج والاستهلاك (القوة الشرائية) والعقارات. فالشركات المدنية بدأت تقفل فروعها وأخذت تستغني عن الموظفين والعمال لتخفيف النفقات وخفض الفائض في الإنتاج للمحافظة على استقرار الأسعار.

المصارف التي تعتبر الملجأ الآمن لتجميع الأموال وإعادة توزيعها أخذت تتهاوى (35 في السنة الماضية و13 في مطلع السنة الجارية) ما يرجح احتمال استمرار الركود لفترة طويلة. حتى مؤسسات التصنيع الحربي التي شكلت العمود الإنتاجي في عهد بوش بدأت تستعد لمواجهة مرحلة صعبة اقتصاديا بسبب توقف العمليات العسكرية والبدء في إعادة النظر في حجم موازنة الدفاع.

الصعوبات المالية التي تواجه أوباما فاقت كل التوقعات ويرجح أن خطة النهوض الاقتصادي التي وافق عليها الكونغرس ووقعها الرئيس الأميركي لن تكون كافية لتغطية عجز المؤسسات والشركات وإفلاس المصارف والقطاع العقاري. وخطة النهوض التي بلغت موازنتها 787 مليار دولار لتجديد أو إعادة هيكلة البنى التحتية أو تصحيح المتطلبات التعليمية والعلمية والتكنولوجية أو تلبية حاجات الصحة والطاقة ستكون قاصرة وأقل من السقف الذي ارتفع إلى درجة عالية نتيجة الإهمال في حقبة بوش.

أوباما في أقل من شهر على الحكم بدأ يعاني من مشكلات لم يكن يتوقع أن تكون بهذا الحجم. وهذا العامل الضاغط إذا استمر يرمي بثقله من دون توقف سيؤدي إلى تكبيل حركة الإدارة وسيجمد الكثير من أنشطتها ما سيترك أثره السلبي على الوعود وشعبية أوباما التي فاقت المعدل الطبيعي في أيامه الأولى. فهناك الكثير من المقترعين أعطوا أصواتهم للحزب الديمقراطي تحت ضغط الحاجة وبسبب الظروف المعيشية والخوف من شبح الركود والعطالة وخسارة نمط الحياة الاستهلاكي. ومثل هذا القطاع من المقترعين يشكل نسبة لا بأس بها من الجمهور الانتخابي. وفي حال قرر هذا الجمهور مغادرة صفوف المؤيدين للرئيس الجديد فمعنى ذلك أن أوباما سيخسر بسرعة ذاك الجمع الذي اعتقد أن الحزب الديمقراطي يمتلك أدوات سحرية لتذليل العقبات واحتواء المشكلات.

مخاطر عامل المال لا تقتصر على القاعدة الشعبية للإدارة الأميركية في الداخل وإنما يرجح أن ترمي بثقلها على الأنشطة الخارجية والدفاعية والدبلوماسية وهيبة الولايات المتحدة الدولية. تقليص الإنفاق بقصد خفض العجز في الموازنة والميزان التجاري والمدفوعات سيؤدي لاحقا إلى الضغط على الموقع الأميركي ودفعه للتراجع إلى مرتبة متدنية دوليا قياسا بالاقتصادات المنافسة. والتدني في الموقع الدولي سيكون له تأثيره السلبي على الدور السياسي ومكانة أميركا المعهودة في تصنيع القرارات والسياسات.

معركة السيارات

في الشهر الماضي مثلا احتلت السوق الصينية المرتبة الأولى عالميا في استهلاك السيارات (البيع والشراء والاستيراد والتصدير) وحلت الولايات المتحدة ثانية في التراتب الدولي. وهذه العينة البسيطة (صناعة السيارات وتصريفها في السوق) تعطي فكرة عن جانب من تحولات اخذت ترتسم معالمها في خريطة التوازن الدولي. وصناعة السيارات التي أعطت الاقتصاد الأميركي في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات سمعة حسنة على نمو الإنتاج والقوة الشرائية تعرضت للمنافسة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من أوروبا واليابان ما جعل الولايات المتحدة تتوجه إلى قطاعات تقنية متقدمة عسكريا ومدنيا لتعويض الخسائر والسمعة. ولكن ما حصل في الشهر الماضي يختلف في إشاراته السلبية إذ تفوقت الصين على أميركا بالاستهلاك لا بالإنتاج. وهذا يعني أن الولايات المتحدة خسرت معركة الإنتاج (التنافس في التقنية) في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي في مواجهة أوروبا واليابان وبدأت الآن في العقد الأول من القرن الجاري تخسر معركة الاستهلاك (السوق والقوة الشرائية).

معركة السيارات تعتبر من المؤشرات الدالة على وجود معضلة أميركية بنيوية أخذت تزعزع اقتصاد السوق وآليات الإنتاج وفروعه المتداخلة على أكثر من قطاع يعتمد على تلك الصناعة. فالسيارات رأس جبل الجليد وتحته تمتد سلسلة حلقات وصولا إلى القاع العريض ومرتكزاته المتسعة والمتنوعة في قواعدها وجذورها. وفي حال استمر تقلص هذا الجناح الصناعي فإن هناك أجنحة مختلفة ستصاب بالضرر ما يؤدي لاحقا إلى الإقفال أو البحث عن قطاعات أخرى للتوظيف وحقول جديدة للاستثمار.

ضعف الولايات المتحدة المالي يعني الكثير اقتصاديا لأنه سيؤثر على قوة النقد وموقع الدولار في التداول والتجارة والاحتياط. وهذا الأمر حصل مع بريطانيا في مطلع القرن الماضي حين تدهورت سوقها التجارية فتراجع موقعها الاقتصادي الدولي وتقلص دور الجنيه الإسترليني في المبادلات والاحتياطات ما أدى إلى خفض ثقة المستهلك بقيمة أو قوة النقد الإنجليزي.

حظ أوباما ليس عاثرا في كل الجهات. إلا أن آليات التراجع يمكن أن تضعه في مواجهة مسئوليات كبيرة وثقيلة غير مسئول عنها ولكن انتخابه الكاسح تصادف مع بدء ظهور سلبياتها. وهذا الاحتمال القوي إذا تواصل اقتصاديا وماليا وتجاريا واستهلاكيا سيؤدي إلى إضعاف شعبيته ما سيرفع من قوة الضغط السياسي عليه داخليا وخارجيا.

احتمال انتقال الضعف من الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي خطوة حرجة لأن العلاقات الدولية تحتاج إلى قوة مكلفة ماليا لتغطية نفقاتها حتى لو قرر أوباما وقف «الحروب الدائمة» وتجميد «الضربات الاستباقية» والإقلاع عن سياسة ملاحقة «شبكات الإرهاب» واستراتيجية التقويض. فالتجميد يخفف من موازنة الدفاع وتغطية نفقات الحروب في البداية ولكنه ليس كافيا لإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الركود. وخطة النهوض التي قررها الكونغرس ووافق عليها الرئيس بسرعة قد تنجح في وقف التدهور مؤقتا، لكن مشروع النهوض يحتاج إلى سياسة مختلفة تعتمد آليات تساعد على إعادة الهيكلة وبرمجة الأولويات القطاعية والإنتاجية لتعزيز الثقة الدولية بالموقع الأميركي ودور الولايات المتحدة في صوغ العلاقات الدبلوماسية وتوازن المصالح.

أوباما يواجه فعلا تركة ثقيلة خلفها سلفه بوش. فهناك ملفات ساخنة غير المال والاقتصاد وتدهور القوة الشرائية وفراغ الخزانة، والملفات الأخرى تتطلب من إدارة واشنطن الكثير من الوقت لاستيعاب سلبياتها. كذلك الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي لاسترداد تلك الأوراق القوية (أوروبا وآسيا وروسيا) التي خسرتها الولايات المتحدة تحتاج إلى تراجعات سياسية وتنازلات قاسية للتفاوض مجددا بشأنها مع القوى المضادة والمنافسة حتى تستطيع إعادة ضبطها تحت سقف الاستقرار الدولي. وهذه المهمة تبدو صعبة في الأمد المنظور

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2355 - الأحد 15 فبراير 2009م الموافق 19 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً