العدد 553 - الخميس 11 مارس 2004م الموافق 19 محرم 1425هـ

أيُّها التكفيريون: اتركوا الصحوة الإسلامية لأهلها

عبدالله آل سيف comments [at] alwasatnews.com

نكب العالم العربي والإسلامي في زماننا هذا وهو زمان رديء بظاهرة التطرف والغلو من قبل جماعات تؤطرها جمعيات وأحزاب وحركات لبست عباءة الإسلام وانتهجت تكفير المجتمعات التي تنتمى إليها، ما يعني اباحة قتل الإنسان واستباحة عرضه واستلاب ماله من خلال شن حرب مجنونة مدمرة، حدث هذا في مصر وفي الجزائر وفي المغرب وفي السعودية، وفي باكستان والعراق وأفغانستان وغيرها.

وذهب ضحية هذا الفكر المدمر آلاف الابرياء من الأطفال والنساء والرجال الآمنين العزل الذين هم أَضعف حلقات مجتمعاتهم الهشة التي توارثت إدارتها حكومات ودول ظالمة ومستبدة هي الأخرى، فكان هؤلاء الضحايا قد وقعوا بين مطرقة الجهلة المتطرفين التدميريين وبين سندان تلك الحكومات الغشومة.

إن فكر التكفيريين ان كان لهم فكر والذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام وهم بعيدون عنه كبعد الأرض عن جو السماء يقوم على الاعتقاد انهم يمثلون الفرقة الناجية من النار التي تتبع السلف الصالح وتابعي السلف الصالح وباختصار فإنهم يعتقدون بأنهم الحزب المختار ومجتمعاتهم حزب الشيطان. مع انهم في واقع الحال هم الذين يمثلون حزب الشيطان. يحدثنا التاريخ منذ إنشاء الرسول الكريم دولته في المدينة في اليوم الأول لهجرته المباركة إلى يثرب، وحتى عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والدول التي جاءت بعدهم، لم يكن المجتمع الإسلامي في يوم من الايام مثاليا، بل كان له عيوب ومثالب ونواقص وخروج على شرع الله وحاكميته التي ينادي بها التكفيريون نفاقا، بل ان صاحب الدعوة وهو النبي محمد (ص) قد تعرض لمواقف عصيبة ممن كان يعيش بين ظهرانيه، ألم يثب أحدهم ويمسك بجيب ثوب النبي (ص) ويقول له: اعدل يا محمد.

بل ان التاريخ يحدثنا ان الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم وهم السلف الصالح والأقرب إلى تعاليم صاحب الدعوة قد وقعوا في اخطاء أدت بهم إلى مخاصمة بعضهم بعضا بل وقتال بعضهم بعضا، كل ذلك لكونهم بشرا ينتمون إلى مجتمعات إنسانية وليست ملائكية.

وعلى رغم ما حدث فيما بين صحابة رسول الله وهم السلف الصالح المنشود فإننا لم نسمع من أحدهم أو أحد تابعيهم أنهم كفروا مجتمعاتهم أو كفروا بعضهم بعضا، بل عرف عنهم الاستغفار والندم والاعتذار بل والبكاء لما يبدر منهم من خطأ. ولكن التكفيريين المعاصرين الذين نصبوا أنفسهم زورا انهم مسئولون عن المجتمعات العربية والإسلامية وأنهم قادة ورموز الصحوة الإسلامية وهذا على زعم بالتأكيد من دون وجه حق، لأن من يتصدى للصحوة الإسلامية لا ينتهج منهج تكفير المجتمعات التي ينتمى إليها.

إن هذا الفكر التكفيري المعتوه قد رأى أن مجتمعاتنا لا يكفيها النكبات التي سببها الارث الضخم الذي ورثته الأنظمة الاستبدادية الظالمة عبر التاريخ، ولم يكفها ما فعله عسكر هذه المجتمعات في هذا الزمن الرديء، هؤلاء العسكر صنائع المستعمرين الذين سرقوا ثورات شعوبهم ودمروا مجتمعاتهم وأخروها عشرات السنين وبددوا ثروات الاوطان وحرقوا الحرث والنسل وتاجروا بقضايا الإنسان العربي والإنسان المسلم التي منها قضية الإسلام وقضية فلسطين، - العراق وليبيا انموذجين - وكأن هذه المجتمعات العربية والمسلمة لم يكفها ما فعلته بها الصهيونية العالمية في فلسطين ولبنان وبقية العالم العربي وما فعله بها المستعمر الغربي عبر عشرات السنين، فجاء هؤلاء التكفيريون ليجهزوا على ما تبقى لهذه الأمة من بصيص نور.

وما استغربه ان هذا النهج التكفيري المدمر كان بالأمس القريب يمالئ الحكام الطغاة والمستبدين ويبرر ويمرر افعالهم القبيحة بحجة درء الفتن، وكان يتمثل دائما بمقولة: «من اشتدت وطأته وجبت طاعته ويتغنون بقولهم: سلطان غشوم، ولا فتنة تدوم»، ويترنمون بقولهم: السلطان من قتل السلطان وهم الذين يتبنون فتاوى وعاظ السلاطين ومنها: «لا يجوز الخروج على السلطان الجائر، ويجب ان تؤدوا لهم الحقوق، ولو شربوا بها الخمر»، بل كانوا حتى وقت قريب يدينون الانتفاضات الشعبية والثورات ورموزها ويدعمون الطغمة الفاسدة الجائرة على شعبها، ألم يدينوا ثورة الإمام الحسين بن علي سبط رسول الله (ص) وهو سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله وقرة عينه وهو أبو الشهداء، ألم يقولوا عنه: «الحسين خرج عن حده فمات بسيف جده».

لقد كان أصحاب الفكر التكفيري ومازالوا يبجلون الولاة المستبدين في العراق والوليد في الشام وقرة في مصر وعثمان في المدينة وخالد القسرى في مكة، وزياد بن أبيه في الكوفة وسمره بن جندب في البصرة هؤلاء الذين قال عنهم الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبدالعزيز: اللهم قد امتلأت الدنيا جورا وظلما، بل ان الحجاج المبجل لدى التفكيريين هو الذي أراق دماء المسلمين المصونة في وسط الحرم المقدس، كما ابيحت المدينة في هذا القرن لمدة ثلاثة أيام من قبل الجيش الشامي قتلت خلالها الأنفس التي حرم الله قتلها وهتكت أعراض زوجات المهاجرين والانصار، ونهبت دورهم وهدمت على من فيها. وهؤلاء التكفيريون هم الذين ينسبون إلى رسول الله (ص) قوله: صلوا وراء البر والفاجر، والعقل يسأل: نصلي وراء البر شيء مفهوم، ولكن كيف نصلي وراء الفاجر؟، وإذا صلينا وراء الفاجر فهل نزوجه بناتنا لو تقدم لخطبتهن؟ علما ان كلمة الفجور وجمعها فُجُر تعني الزاني والزانية والفسق والتمادي في الفواحش وارتكاب المعاصي.

ونحن نقر أن رسول الله (ص) علمنا: ان من جاء إلى زواج بناتنا ورضينا له دينه وخلقه نوافق عليه، وانه (ص)، كان طوال حياته يحارب الطغاة والطغيان والفجور والفجرة، وأن كتاب الله الذي يحتج به التكفيريون يقول:

«الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله، ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»، (النور:2).

فهل نطيعكم أيها التكفيرون ونصلي وراء الزاني ومن ثم نزوجه بناتنا، أم ننفذ فيه حكم الله ونجلده مئة جلدة، أم نقوم بعملية توفيقية إذ نجلده ثم نصلي وراءه ومن بعد ذلك نخطب وده ونترضاه ونزوجه بناتنا؟!

أيها التكفيريون لقد علمنا التاريخ ان النهج الذي تنتهجونه هو نهج تخريبي لا اصلاحي وقد فشل فشلا ذريعا، حتى لو تمكنتم لا سمح الله من اقامة امارة اشباح هنا أو امارة اشباح مؤقتة هناك.

أين دول بل دويلات اسلافكم من الخوارج الذين ملأوا الدنيا رعبا ودماء وانتهكوا حرمات المسلمين باسم الإسلام ورفعوا شعار حاكمية الله؟ أين دول بل دويلات القرامطة التي اقاموها في سواد العراق واطراف الشام واقليم البحرين الممتد من البصرة شمالا إلى عمان جنوبا؟ بعد ان اسالوا دماء المسلمين أنهرا وتلاعبوا بجماجمهم، كما تلاعب اخوانكم في عدن بعظام العيدروسي ولي الله الصالح بعد ان نبشوا قبره وهدموا المقام الذي كان يضم رفاته خلال انتصار الشمال اليمني على جنوبه.

أين دولة صاحب الزنج الذي اتخذ من المختارة المدينة المنيعة عاصمة له، ولم تعصمه من الغرق، ومصيره المحتوم، بعد ان دمر ما وجده أمامه من حضارة.

اين حسن الصباح زعيم فرقة الحشاشين الذي ملأ الدنيا رعبا وهلعا متخذا من قلعة الموت حصنا منيعا الا أن قلعة الموت لم تحمه من الموت.

كل هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية، التي انتهجت الخراب والدمار كما تفعلون انتم الآن انتهت إلى مزابل التاريخ، وانتم أيضا أيها التكفيريون المعاصرون الذين تحيا عقولكم في عصور الظلام وتعيش اجسامكم في القرن العشرين والذي تلاه سيلحق بكم المصير نفسه إذا لم تعيدوا تقييم تجربتكم وتراجعوا أنفسكم وتعودون إلى رشدكم وتندمون على ما اقترفت أياديكم من جرائم تقشعر لها الابدان والاوطان ولن يبقى بعد ذلك إلا قوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين»، (النحل: 125)، وهذا يعني نبذ العنف وبدء الحوار الحضاري.

وان المجتمعات الإسلامية المتسامحة، المعتدلة، الرحبة هي المجتمعات التي تمثل الإسلام الحقيقي الذي ارتضاه الله ورسوله، أقول قولي هذا واستغفر الله لكم ولي

العدد 553 - الخميس 11 مارس 2004م الموافق 19 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً