العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ

الصحة: من أين يبدأ الإصلاح؟

المحاسبة يجب ان تشمل الجميع ...

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نتساءل أمام الحملة التي يقودها البعض ضد وزير الصحة خليل حسن، والتلويح المتكرر بمحاسبته واستجوابه بين شهر وآخر مهددا وكأنه مسك الوزير متلبسا بالجرم المشهود! ووسط هذه الضجة تغيب الكثير من الحقائق عن المواطن العادي الذي يدفع دائما ثمن الأخطاء والابتزازات والتلاعبات، فضلا عمّا يجري حاليا من استغلال «شخصي» و«سياسي» بغيض «تحت الطاولة»، من قبل أطراف القضية الذين يتحدثون باسم «مصلحة المواطن».

مآخذ وأخطاء

الوزير يقول انه يتحدث باسم الإصلاح، في مواجهة قوى متماسكة متكتلة، تدافع عن الاصلاح ايضا (وربما مصالحها طويلة المدى). انه لم يأتِ من جامعة أو مؤسسة أو إدارة حكومية ليدير وزارة لا يعرفها، انما هو ابن هذه الوزارة العتيدة، والمفترض انه يعرف خفاياها جيدا، ويعرف «مراكز القوى» فيها ومشكلاتها وأمراضها، من هنا يفترض المرء ان تكون طريقته في تشخيص أمراضها تشبه طريقة الذين ينافسونه.

منتقدو الوزير لهم عليه مآخذ إن لم نقل أخطاء، من عدم الخبرة الإدارية وترديد شعارات ليس لها أسس واقعية كما يقولون، واتخاذ سلسلة من القرارات الخاطئة أشاعت حالا من عدم الاطمئنان الوظيفي، وينسبون له عبارات تدل على استعصائه وترفعه على النقد، وعدم اهتمامه بـ «الصحافة ولا بطيخ»، مع ان المراقب يلحظ اهتمامه جدا بالعلاقات العامة ونقل قضية خلافه إلى المجالس والمنتديات حيث يلتقي الجمهور.

بعض المتتبعين اعتبر كل هذا الخلاف لا يخرج عن إطار المصالح والخلافات الشخصية، وهو أمرٌ لا يهمنا إلا بمقدار ما ينعكس على الناس، فهم وحدهم الضحية قبل الزوابع وبعدها.

إسعاف واحد لـ 50 ألفا

نسمع ونقرأ كثير من الملاحظات علي الوزير، مثل: لماذا لم يتخذ الوزير قرارا حاسما بشأن عشرات من أطباء الأسنان «المواطنين» من أصحاب العقود المؤقتة الذين مازالوا معلّقين منذ تسع سنوات متعلّلا بضعف الموازنة؟ ولماذا يرفض حتى الآن -وبدعوى الموازنة أيضا- توفير سيارة إسعاف واحدة (واحدة فقط) لمنطقة سترة (50 ألف نسمة على الأقل)، وهي ثالث أكبر جزيرة مأهولة في أرخبيل البحرين وأكثرها ازدحاما بالسكان، خصوصا مع الزحام الشديد على جسر سترة؟ أليس من المنطقي قبل الحديث عن «ترف» السياحة العلاجية التفكير في إنقاذ أرواح المرضى وتوفير وسيلة نقل سريعة ومأمونة إلى مجمع السلمانية الطبي أولا؟!

لنقل باختصار: ان الوزير تحسب له نواياه مهما كانت طيبة، وعليه أخطاؤه حتى لو كانت صغيرة، ولسنا في وارد الدفاع عن أية أخطاء ممن كان، ولكن ما نحذّر منه مبكرا هو أن يتم استغلال هذه القضية الخلافية في وزارة الصحة للاستدراج نحو احتكاك شخصي بغيض. ولنتذكر ان مصلحة المواطن ومستقبله هما اللذان يهماننا أولا وأخيرا.

في الوقت نفسه نشير إلى أن الخطأ الذي ربما وقع فيه البعض في حملتهم على الوزير، هو أنهم أخذوا يحمّلونه أوزارا بعضها متخلف من الفترة السابقة، وبدل أن يحلّلوا الوضع في الوزارة ويشخّصوا الأخطاء التي تحتاج إلى كتيبة من المصلحين الصادقين، نراهم يستخدمون كل طريقة للتحريض ضد الوزير، وإشاعة جو من البلبلة للإيحاء بأنه لا خلاص لقطاع الصحة إلا بإسقاطه، وحينها سيعود «أرباب» الوضع السابق، يعالجون المريض في السلمانية ويتسلمون الأتعاب في العيادة الخاصة.

على أن ما يثير القلق، هو ما يعرض من مسرحيات مشبوهة تتورط فيها أطراف متعددة، ساسة ونواب وصحافيون وحتى جمعيات في الأيام الأخيرة، الكل يتحدث باسم مصلحة المواطن، والمواطن هو أكبر المتضررين من وجود الأخطاء السابقة واللاحقة. وخصوصا مع وجود شعور اليوم بأن هناك محاولة متعمدة للتغطية على ملف آخر، هو ملف التأمينات الذي خسر فيه المواطنون في هذا البلد الملايين من مدخراتهم، وبدل السعي للوصول إلى ما يحفظ حقوق عشرات الآلاف من المتضررين في ملف التأمينات، نرى «تحريك» هذه «الزوبعة» في توقيت يثير الشكوك، لشغل الناس وصرف تفكيرهم عما جرى هناك.

وللحق، نتمنى أن يحرص هذا البعض للوصول إلى حل يعيد الملايين الضائعة إلى أصحابها، قبل أن نسمع ذات صباح بإفلاس الهيئتين!

الامتيازات ملةٌ واحدة!

واستطرادا نقول: كم تمنينا أن نقرأ ردا واحدا على الإشكالات التي أثيرت بشأن الامتيازات التي «اقتطعها» النواب لأنفسهم كبدل سفر، ولكن «لا حس ولا خبر»، فرجل الشارع البسيط لا يرى فرقا جوهريا بين الامتيازات «النيابية» وبين الامتيازات التي كان يحظى بها المتنفذون في الصحة أو التأمينات أو غيرهما. وشعب البحرين بحاجة إلى أن يدافع النواب في البرلمان عن مصالحه الحقيقية، ويعيدوا إليه حقوقه التي تسرّبت في التأمينات والاوقاف، وليس بحاجة إلى حركات بهلوانية واستعراضات دورية في الصحف. ولا اعتراض على استجواب أي وزير مخطئ أو مقصر، كل الناس مع الاستجواب، فليتم تشكيل لجنة تحقيق مستقلة كما تقتضي الأعراف البرلمانية المعروفة، قبل بلبلة الشارع وإشعالها نارا حامية، لن يحترق فيها ويدفع فاتورتها غير المواطن والوطن.

أمنيتي ان ينحّي الجميع المصالح الشخصية والفئوية جانبا، ويضعوا مصلحة 700 ألف مواطن ومقيم هم مجموع المتضررين من الوضع الخاطيء سابقا ولاحقا. المواطن الذي يذهب إلى استشاري في الصباح فيقال له ان الموعد بعد تسعة أشهر، وعندما يذهب إليه في عيادته مساء ويدفع «المقسوم» يحجز له سرير في صباح اليوم التالي. شكلٌ من أشكال الفساد الذي يعاني منه قطاع الصحة في البحرين، لابد من البحث له عن حل معقول، قبل الحديث عن السياحة العلاجية.

وبدل ادعاء البطولة على طريقة الممثل الاميركي سيلفستر ستالون في مطاردة العصافير في أفلامه البهلوانية التي لا يصدقها غير الأطفال، نتمنى أن يثبت النواب بطولتهم في إيقاف الغربان التي طارت بأرزاق المواطنين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً