العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ

غيم الشمال يفسد طقس تونس!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

كان الدبلوماسي المصري سابقا والأمين العام للجامعة العربية حاليا عمرو موسى محقا للغاية عندما قال مازحا في أحد مؤتمراته الصحافية: «يبدو أن السماء لدينا تمطر بالمبادرات!» في معرض تعليقه على كثرة المبادرات الغربية التي تتخذ من منطقتنا سوقا رائجة لها، ومنها بالتأكيد المبادرة الاميركية الجديدة/ القديمة التي تروج لها الولايات المتحدة الاميركية على أعلى المستويات وهي مشروع «الشرق الأوسط الكبير» التي فجرت انعقاد القمة العربية بتونس فتأجلت إلى أجل غير مسمى!

لكن تصريحات هذا الدبلوماسي القدير بأن تأجيل القمة المقرر عقدها الشهر الجاري مرده إلى خلافات بينية عربية سببها الاختلاف على المبادرات الذاتية العربية، ليست صحيحة على الإطلاق، وربما لن تجد هذه الاسطوانة المشروخة من يصغي إليها بعد اليوم في العالم العربي كله؛ لأنها لن تغير من الواقع المرير الذي تحاشى موسى كشفه، وهو الاختلاف على «أم المبادرات» المقدمة من حلفائنا الأميركان، وكل المبادرات العربية الأصغر حجما التي تأتي تباعا هي في الواقع من رحم تلك المبادرة الام.

مضافا إلى ذلك كله أنه ما من شيء حتى الساعة يثبت أن القادة العرب خلال الأيام القليلة المقبلة - وبعد فشل الجهود المضنية التي بذلها الوزراء طيلة أيام بلياليها - سيقرون الرؤى والأفكار المتعددة التي قدمتها دول عربية عدة - تصل إلى ثماني دول - والمتعلقة بالإصلاح العربي، والتي حاول الأمين العام جاهدا لملمتها تحت وثيقة واحدة من المفترض أنها ستقدم للقادة في قمتهم العتيدة.

وحقيقة أخرى هنا لابد أن نضعها في الاعتبار، وهي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجنرال أرييل شارون بجريمته الأخيرة باغتيال زعيم ومؤسس حركة حماس قد نجح والى حد كبير في إحراج القادة العرب أمام شعوبهم، وساهم بفطنة كبيرة بتدني رصيدهم الشعبي الهابط أصلا، وإظهارهم بموقف العاجز الذي لا حول له ولا قوة، وهذا هو السر وراء تعذر عدد من القادة العرب عن حضور القمة في اللحظة الأخيرة. وشارون الذي وعد منذ فترة طويلة بتفجير القمة العربية قد اختار لهذه المهمة التوقيت وأدوات التنفيذ، وها هي العملية فعلا قد آتت أكلها سريعا وبتقدير امتياز.

وحتى لو افترضنا جدلا تجشمهم بالحضور، وتحمل عناء السفر إلى تونس، فإن الجميع يدرك - وقد أعلنها بفصيح العبارة أكثر من مسئول عربي - أن القمة مآلها إلى الفشل، فمع الأسف ليس بوسع قادتنا التغيير من حقيقة الأمر شيئا فيما لو أرادوا ذلك فعلا؛ فقد أصبحوا أمام خيارين أحلاهما مر، أما الذهاب إلى قمة هزيلة واقعة تحت ضغوط ومؤثرات (العم سام) من جهة، والمطالبات الشعبية بالتحرك من جهة أخرى، والخيار الآخر وهو تأجيل القمة وربما شطبها أصلا. وهو وإن عدّ دليلا آخر على عدم القدرة على المواجهة، لكن قادتنا اختاروا الخيار الثاني، وقطعوا دابر الفتنة من أصلها... ومهدوا لنا الطريق لأن نستسيغ هذه المبادرة.

لكن العقبة الكؤود هنا أن الشعوب هي الأخرى لاتزال تنظر بعين الريبة إلى إمكان إصلاح البيت العربي بالاستعانة بالرياح الخارجية، مهما بدا هذا الخيار قصيرا وبراقا في الوقت ذاته، ولهم طبعا ما يبرر نظرتهم التشاؤمية تلك، بل ان السواد الأعظم منهم قد كفروا بهذا الخيار منذ وقت طويل، وبعد الاختبار العراقي المرير لا أظن أن أحدا في المنطقة متشوق لاستعماله مرة أخرى!

ولا يمكننا نحن كشعوب في هذه المنطقة، وخصوصا بعد تجاربنا المرة مع واشنطن على مدار نصف قرن من الصراع العربي الإسرائيلي، أن نثق ولو بمقدار جزئي بهذه المبادرة التي يعاد الترويج لها الآن، وأقول يعاد لأنني - وربما يخالفني الكثيرون - لا أعتقد انها مبادرة جديدة البتة، وليست فرصة سانحة يجب اقتناصها كما يتوهم البعض، وإنما هي في الواقع نسخة أكثر سوءا من «الشرق أوسطية» التي نظّر لها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في كتابه الذي أثار الزوبعة ذاتها التي تثار ضد هذه المبادرة الآن، وأمام هذا المشهد المتناقض يبقى السؤال مرة أخرى: ماذا عسى قادتنا فاعلون؟

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً