العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ

الجامعة... والتطور السلبي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عبرت حكومة «إسرائيل» عن سعادتها من فشل لقاء العرب في تونس. سعادة حكومة «إسرائيل» واضحة في معالمها السياسية، فهي ترى الخلافات العربية بداية تطور. فالخلافات بين الدول العربية تعني المزيد من القوة لـ «اسرائيل» والمزيد من الضعف للعرب.

التعليق الاسرائيلي على تأجيل قمة تونس ليس ذكيا ولكنه يعكس فرحة مباشرة ورغبة دفينة تبتهج لكل موقف يضر بالعرب. واعتبرت حكومة «إسرائيل» ان الخلافات العربية بداية تطور، فالتطور عندها يعني التخلف والفوضى وعدم الاتفاق. والتخلف يعني عندها عدم الاستقرار ومنع التفاهم على حد ادنى مشترك. فمن طبيعة التطور ان تكون كل دورة عربية افضل من السابقة، وان الدورة التالية لابد ان تكون احسن من التي سبقتها. هذا هو التطور. وهو يعني بداهة ان لا يعاد تكرار وإعادة انتاج ما اتفق عليه سابقا. فما يتفق عليه ويوقع على اوراقه وبياناته يجب ان ينفذ، وإلا ما فائدة اللقاءات والقمم والبيانات الختامية اذا كان المسئول عن التوقيع لا يحترم توقيعه، ويعتبر ان القرارات مجرد حبر على ورق لا قيمة رمزية او الزامية لها. ولهذا اعتبرت حكومة «اسرائيل» ان اشتداد الخلافات العربية بداية تطور.

المشكلة في غالبية الدول العربية أنها توقع على بيانات واتفاقات وهي تعرف انها غير قادرة على تنفيذها. والمشكلة الأخرى انها لا تقول اولا تعترف بعجزها عن تحقيق ما وعدت بتنفيذه او التزمت انها قادرة على القيام به.

هذا النوع من المشكلات ادى مع توالي السنوات الى تراكم السلبيات ودفع التطور سلبيا نحو الوراء وصولا إلى سلسلة كوارث بدأت بزيارة الرئيس انور السادات إلى «اسرائيل» وتوقيعه لاحقا اتفاقات كامب ديفيد من دون تشاور مع الدول العربية وبالضد من رغبة الجامعة.

بعد هذه الفعلة فتحت الابواب امام الدول الاقل شأنا وبدأ التنافس على الزعامة العربية في وقت خرجت فيه الدولة الكبرى (القائدة) على الاجماع العربي. وتحت وقع هذه الضربة انساقت كل دولة وراء حاجاتها المحليةوظروفها الاقليمية، فحصلت الحرب العراقية - الايرانية وتلتها حرب الخليج الثانية وما تبقى من القصة نعيش الآن تداعيات فصولها المتتالية.

حكومة «إسرائيل» ابتهجت لما حصل في تونس لانها دائما تجد في الخلافات العربية فرصة لها لتمرير مشروعها الخاص الهادف إلى تقويض علاقات المنطقة كشرط للمصالحة معها. فالدولة العبرية تتخوف من التصالح مع منطقة قوية ومتماسكة وموحدة وتتمنى ان تتمزق إلى دويلات طوائف وقبائل حتى تخفف من مخاوفها وتقدم على مصافحة منطقة مبعثرة على اهداف متضاربة.

لاشك في ان ما حصل في تونس يشكل مناسبة سعيدة لحكومة «إسرائيل» لانه يريحها من مهمات صعبة وشاقة في المستقبل القريب. إلا ان ما حصل في تونس يمكن ان يشكل بدوره مناسبة مؤلمة للدول العربية والتعلم من تجارب مضى عليها اكثر من نصف قرن وانتجت تطورا سلبيا في علاقات المنطقة. والتطور السلبي يضغط من دون شك لاعادة انتاج جامعة عصرية تتناسب مع الوقائع العربية وتطورها المتعارض على اكثر من مستوى. وتعارض التطور يدفع نحو التفكير باعادة صوغ النظام الداخلي للجامعة وتحديث ميثاقها ونقله من اطار الخيمة (مجلس للقبائل) إلى هيئة هرمية (مجلس اتحادي).

هناك بعض الاصوات العربية يدعو إلى الغاء الجامعة وهذا يلتقي مع «إسرائيل» في سعادتها وابتهاجها للخلافات بين الدول. الا ان منطق الخلاف يستدعي التطور، والتطور يتطلب تطوير الجامعة ومحاربة فكرة الالغاء.

التطوير له سلسلة شروط تنظيمية (آلية) تقضي بابتكار صيغة للتصويت تعتمد مبدأ الاكثرية والاقلية وتقوم اصلا على فكرة اصلاح نسبة تمثيل كل دولة في الجامعة انطلاقا من نظام يأخذ معايير المساحة الجغرافية، والكثافة السكانية، والثروات الطبيعية، والقوة الاقتصادية، ومعدل دخل الفرد السنوي، ومدى التوظيفات أو الاستثمارات المالية التي تنفقها كل دولة في برامج المساعدات والتنمية العربية.

نظام التراتب بين الدول العربية يضبط العلاقات في سياق دور كل دولة في التوازن الاقليمي (العربي) ويقلل كثيرا من الصيحات ونبرة الكلام والتفخيم والتضخيم.

واحدة من مشكلات الجامعة ان طموحاتها اكبر من قدراتها، وحتى تستقيم الامور لا بد من تعديل الاولويات حتى تنتظم آليات تصريف المهمات وتصبح القدرات اعلى بكثير من الطموحات.

«إسرائيل» ابدت سعادتها من الفشل العربي، فهل تستطيع دول الجامعة الاستفادة من تجاربها وتحويل فشلها إلى نجاح؟ تستطيع. ولكن النجاح بحاجة إلى شروط. وهذا ما يجب توفيره

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً