العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ

الأوقاف... هل بدأت عجلة الإصلاح بالدوران؟

بعد الاستقالات والإقالات وانتفاض المنابر:

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بعد طول انتظار، وشدة طرقٍ على هذا الصفيح البارد، بدأ ملف الأوقاف يلقى بعض التجاوب. الملف كما هو معروف بدأ إنزاله من على الرف قبل أكثر من عام، ومرّ بمحطات عدة، لعل أبرزها القنبلة التي فجرها مدير الأوقاف السابق الحداد والتي انتهت بمثوله أمام المحكمة بتهمة القذف والتشهير! ولكي لا نغمط الناس المخلصين حقهم نقول إنه كانت هناك محاولات إصلاحية من الداخل. بعض علماء الدين دخلوا الأوقاف، فلما رأوا ما رأوا بأم أعينهم، ورأوا أنهم لا يستطيعون التغيير فضّلوا أن يهربوا بدينهم فاستقالوا وهم مرتاحو الضمير.

انتفاضة المنابر

إلا أن الهروب لم يكن حلا، خصوصا بعد أن تناول السيدضياء الموسوي للملف على جبهتين: المنبر الحسيني طوال عشرة محرم، والمنبر الصحافي عبر أكثر من 25 مقالا، لم يترك لأحد بعده مقالا ولا حجة للسكوت أو الركون إلى الصمت. الحملة اثمرت يوم الجمعة الماضي، بعد أن بادر الموسوي بلقاء اثنين من كبار علماء الدين الذين يعوّل عليهما الشارع البحريني كثيرا في إيصال الملف إلى بر الإصلاح: الشيخ عيسى أحمد قاسم والسيد عبدالله الغريفي، ووضع أمامهما الأوراق على الأرض، فكلما فتحا ورقة كانت أكبر من أختها. وكان اللقاء مشجعا ومثمرا بحسب السيد.

أول البشائر الإيجابية المباشرة لهذا اللقاء أن تصدّر الملف خطبة الجمعة، فوضع الشيخ عيسى النقاط على الحروف. طرحُ الموضوع على منبر الجمعة خطوة متقدمة ومهمة جدا، ولكنها أصارحكم، من الناحية العملية، مازالت خطوة أولى على طريق طويل. فالآثار العملية لتصحيح وضع الأوقاف بالغة الاهمية، دينيا واجتماعيا وثقافيا وتاريخيا.

النقطة الأولى في حديث الشيخ عيسى قاسم هي تأكيده استقلالية الوقف، وتركيزه على أن تكون إدارته من المؤسسات الأهلية الخالصة، وهو يعكس في ذلك رغبة وإجماع الشارع البحريني بحق. وفي ذلك ضمان أكبر لحسن سير العمل فيه مستقبلا، استفادة من دروس الماضي المريرة، إذ تسلّل إلى الإدارة بعض من لا يحظى بتزكية الاهالي وثقتهم. وهو أمرٌ ينبغي وضع الآليات العملية لضمان تحقيقه.

البعض يحاول تبسيط المسألة فيطرح قضية الانتخابات، استرشادا بالتجارب التي عايشوها في المؤسسات الدينية، ومع اتفاقنا التام على أهمية الانتخابات إلا أن الوضع في المؤسستين مختلف جدا. فالمأتم مؤسسة دينية «صغيرة» تقتصر على روّادها من أبناء الحي والمنطقة، وقليلا ما تستقطب أبناء مناطق أخرى، وموازناتها محدودة، وأنشطتها معروفة سلفا في الغالب. أما في الوقف، فأنت أمام موازنة بالملايين، وأمام مبانٍ وعقارات وأراضٍ في البر والبحر، وأمام استثمارات محدودة حاليا يفكر العقلاء بتوسعة نطاقها تماشيا مع العصر ورغبة في تحقيق مردود اقتصادي أفضل. وهو أمرٌ يفرض أن يتمتع المرشحون للإدارة بمستوى موثوق علميا وعمليا، فضلا عن ناحية الالتزام الديني والخوف من الله و«الحياء من الناس» أيضا، بحيث لا يتبجح أحد الأعضاء بالقول إنه علماني ويفتخر بأنه ليس ملتزما دينيا! وهو ما يصطدم بحقيقة جوهرية أكدها الشيخ بقوله إن الأوقاف مسألة تحدّدها الأحكام الشرعية وتتكفل بمعالجتها صرفا واستثمارا وبيعا وإيجارا وتجارة، ما يتطلب توافر تلك الكوادر الموثوقة التي يمكنها إنقاذ الوضع المتردي للأوقاف.

الشيخ بحسه الفطري ألمح في خطبته إلى قلقه أيضا من مسألة خطيرة تهدّد مستقبل الوقف حين قال: «إن أية إساءة في استعمال الوقف ستؤثر بدرجة كبيرة في توجّه المؤمنين إلى وقوفات جديدة»، وهو ما حصل فعلا. ونحن ننقل عن بعض المتابعين، أن فأس «الإساءات» وقعت في الرأس عمليا، فقد سجّل تراجع كبير منذ مطلع التسعينات في حركة الوقوفات الجديدة. فنحن في بلد صغير، حركة تداول الأخبار فيه أسرع من الفضائيات. والتجاوزات والتلاعبات وقصص الاختلاسات في مختلف المؤسسات العامة والخاصة معروفة للناس، يتداولونها في مجالسهم. وحتى لو امتنعت وسائل الإعلام عن التطرق إليها خوفا على ما يسمى «العادات والتقاليد الاجتماعية» والقيم الخاطئة التي تفضّل استمرار الأخطاء والسرقات على تصحيح الاوضاع الشاذة ومحاربة الفساد كما هي الحال في المجتمعات المتحضرة التي تعيش تحت الشمس. ومن هذا الباب انتقد البعض تناول هذا الملف باعتباره نشرا للغسيل الخاص، وهو مفهوم خاطئ جدا ينبغي تصحيحه أيضا في سياق هذه المراجعات العامة. والحمد لله أن من دلائل صحوة مجتمعنا الناهض أنه يتبرأ بفطرته السليمة من الانحرافات كافة، فالمقصر والمخطئ والمتجاوز والسارق والمفسد، كلهم لا يحظون باحترام الناس حتى لو وجدوا لهم كتائب من المدافعين والمتمصلحين.

خطبة الجمعة الماضية وضعت النقاط على الحروف، ولكنها ومع كل احترامنا وتقديرنا للشيخين الجليلين وحرصهما على مصلحة الدين والوطن، خطوة على طريق طويل، وخصوصا حين نعرف أن الوقف لا يقتصر دوره على تصليح المرافق الصحية في المساجد أو شراء القهوة والشاي للمآتم في أيام رمضان وعاشوراء والأربعين، وإنما من شأنه أن يلعب دورا كبيرا في تقويم مسيرة الحوزة العلمية والنهوض بحال طلابها الأفاضل، الذين سيصعق الكثيرون منكم حين يعرفون أن بعضهم لا يتسلمون أكثر من 20 دينارا في الشهر، ليدبروا حال معيشتهم ويطعمون أطفالهم منها ويملأون بها خزانات سياراتهم بالبترول

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً