العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ

عبدالله حماد شاعر الأمل والألم بامتياز

في ذكرى أربعينيته بمركز كانو الثقافي

برحيل شاعر الذهاب عميقا في اللغة والحياة عبدالله حمّاد باتت القصيدة الشعبية تعيش فراغا لا يسده الاستعراض الأسبوعي من النصوص التي جلها فارغ ولا يحمل مدلول حياة وحيوية. كان شاعر المفارقات والوحشة والأمل والألم بامتياز.

في لمسة وفاء ولفتة من أصدقاء الشاعر الشعبي الراحل عبدالله حماد أقام مركز كانو الثقافي أمسية تأبين للشاعر حماد وذلك بمشاركة نخبة من الشعراء منهم علي عبد الله خليفة، وبدر الدوسري، وجعفر الجمري، ومحمد الصيادي ومحمد الجلواح، وأمير هلال، وإبراهيم المقابي وفيصل المريسي، وجعفر المرخي واسماعيل عبدعلي. حضر الأمسية مجموعة من الأصدقاء والمهتمين والمثقفين وجمهور المركز.

في البداية ألقى الشاعر علي عبد الله خليفة كلمة بالنيابة عن مركز كانو الثقافي بيّن فيها تميز الشاعر حماد ومكانته وفداحة خسرانه مؤكدا أن روح الشاعر هي التي تبقى؛ إذ تظل الروح هي الشعلة التي يوقدها الله في خلقه لذلك تبقى ترفرف على الأماكن التي أحبها كفراشة تمر بالمكان وكأنها كما في الوجدان الشعبي «رويحة الجنة « كبشرى للكائن الحي ورسالة لأهل الفقيد.

وأضاف علي خليفة «يبقى الفقد والموت سرا من أسرار الله (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الموت والروح مصطلحان كبيران يقف الإنسان أمامهما حائرا ماثلا لمشيئة الله منتقلا لحياة أخرى غير حياتنا الدنيا نكتشف فيها ذواتنا بشكل آخر».

وتابع علي خليفة «وأمامنا سيرة شاعر ورجل بسيط ولكنه كان كبيرا في معناه وأخلاقه هذا الشاعر يعتبر فقده خسارة وطنية لأنه من الرجال الكرام مع النفس مترفع عن الصغائر.. يتحلى بروح وطنية، وسيرة عطرة».

وعن معرفته بحماد أضاف خليفة «في البداية تعرفت عليه دون أن أعرفه شخصيا إذ كان عمله من بين ثلاثة أعمال شعرية كنت أحكمها فقرأت الأشعار وهزتني الدواوين ولكن أحدها شغفني لأن أعرف من صاحب هذا الديوان وكاتبه فمن النص يبدو أنه شاعر كرامة تعلو على ما في الأرض، قوي التعبير متميز عن أقرانه مغاير لما هو سائد وتجري في كتابته للشعر أضواء ومصابيح ورؤى قوية فما كان إلا أن اتصلت به وتعرفت عليه وشكرته وقلت له قرأت أشعارك وفرحت بها وبمعرفتك، فكان جم التواضع».

وختم علي خليفة عندما نقول حماد الشاعر رحل فإن نجما قد أفل ولكن تبقى روحه بيننا وما إصرار أصدقاؤه لأن يكون له أكثر من تأبين إلا لروحه الجميلة التي ستبقى ترفرف بينهم، ونحن هنا لا نؤبن شاعرا بقدر ما نحيي رجلا، فتحية للشاعر حماد ولروحه الجميلة.

وبالنيابة عن أسرة حماد ألقى شقيق الشاعر جليل حماد كلمة عبر فيها عن شكر عائلة الشاعر لهذه المواساة المستمرة وهذا الموقف المشرف من قبل من أصدقاء الشاعر ومحبيه مع أسرة الشاعر في هذا المصاب الجلل.

وتابع لا يخدمني القلم في نظم ما بداخلي لكي استحضره... ولا الكلمات تستطيع أن تجد لها مخرجا لكي تصف ما أشجاني..دموعي هي بوحي وهي متنفسي وبها مازلت أعاني...فله حن قلبي و كثرة الحنين قد أضناني... والعين كفت أدمعها واضطجعت لعلها تراه في العالم الثاني.

وتابع جليل حماد «رحل حماد بروحه الطيبة التي يشهد لها الصغير قبل الكبير وترك فراغا كبيرا فمازال الجميع يتذكرونه بحرقه فقد كان دائما حاضرا معهم و يواصلهم باستمرار ويتابع أحوالهم... كان خدوما ومحبوبا عند الكل ووصولا لهذا فإن فقده أحزن الكل والجميع».

وأضاف «رحل حماد بحسه العالي في الشعر وشعوره العميق الذي نثر به أبياتا أعجب بها من قرأها ولفت بها الكثيرين منفردا بأسلوبه الذي ميزه بين الشعراء».

وتابع حماد «رحل الإنسان والشاعر والأب والأخ والصديق ... فهو الإنسان بحسن أخلاقه... وهو الشاعر بقصائده... وهو الأب لأربعة عصافير وباقة... رحل بصمت لكي لا يبكي من حوله رغم المرض الذي نحل جسده وضعف قوته إلا أن كلمة «الحمد لله» كانت تتردد على لسانه. رحل رجل الكلمة ورفيق الحرف و ساحر الأبيات وعنيد القافية ومبدع القصيدة...هكذا علمتنا قصائده وحسه العالي ومغزاه الغزير في كل قصيده نثرها...

وفي كلمته أشار الشاعر بدر الدوسري أن الشاعر لا يموت، مبتدئا بسلام يمتد من مدينة الشعراء دار كليب بن وائل التغلبي إلى كل بقعة لامستها حروف الشاعر عبدالله حمّاد وقصائده.

وأضاف الدوسري «منذ اللحظات الأولى لنبأ رحيله ولا أقول موته لان الشاعر لا يموت وإنما يرحل من مدن الحبر والكتابة إلى مدن قلوب أحبته قبل الرحيل وبعده، شاعر شغلته هموم وطنه لا يموت، شاعر انشغل بقضايا الإنسان الصغيرة منها والكبيرة لا يموت، شاعر عشقت الناس قصائده لا يموت، شاعر عاش كوتر على أهبة الحب والغناء لا يموت، شاعر تفّرد منذ قصيدة الأولى لا يموت، شاعر يزرع الجفاف بالعشب والحب لا يموت، شاعر ظل مخلصا لحريته لا يموت».

وتابع الدوسري «حين يرحل شاعر بحجم عبدالله حمّاد ينقص الجمال في الحياة، حين يرحل شاعر المسافات تخف كثافة الليل في الشعر والحياة، حين يرحل شاعر مثلث الروتين تصيبنا الوحشة بنصال الرماة، وحين يرحل لا نملك إلا الدعاء له حتى آخر دمعة وآخر صلاة، حين يرحل شاعر تحبه اللغة تقل المعاني وتفقد الكلمات دروبها إلى النقاء، حين يرحل أجمل وأنقى الأصدقاء ... ينضج دمع تربى بالبكاء».

وأضاف الدوسري «لا نستطيع أن نعرّف الشعر ولكننا نستطيع أن نتعرف عليه، وكان الشاعر عبدالله حمّاد لا يجعلنا أن نتعرف على الشعر فحسب ولكنه كان يدّلنا عليه ، كان كبيرا حين يكتب لكأننا في كل قصيدة نسمع نبض قلبه ونصائح يديه، رغم التزامه بالوزن والقافية إلا أنك لا تشك لحظة واحدة أنك أمام شاعر حر يحلق في السماء، حر بالصور الشعرية المدهشة، حر بالفلسفة الجميلة، حر بصوت الشعر أمام الجميع، لم يكن يسمعني الكثير من قصائده ولكننا كنا نتحدث طويلا عن قضايا الشعر في حوارات كانت لها رائحة الجنة، أحببته قبل أن أعرفه وأحببته أكثر بعد أن عرفته، وأكثر ما يحزنني أن دواويني الأخيرة لن تحظى بقراءة هذا الشاعر الجميل، يخطئ من يريد تذوق قصائده عبر السماع ... إنها جداريات باذخة الجمال تحتاج إلى ما يفوق قدرة الحواس المألوفة ... إنها أشبه بالأيائل الهاربة التي تركض نحو الحلم والتـأمل والجمال، الشاعر الجميل عبدالله حمّاد لم يرحل إلا ليبقى وأكثر، لم يرحل إلا وأوصى الشعر على أحلامنا وأكثر، لم يرحل إلا ليبقى العشب كما يحب وأخضر، لم يرحل إلا وقُبلته في كل قلب وأكثر».

وقال الدوسري مناجيا حماد «أيها الصديق الجميل... أيها الشاعر الأصيل، ما عساي أن أقول بعد الرحيل؟ ما عساه أن يكون الطريق بعدك، وماذا سأقول لحزن الرفاق والأهل والنخيل ؟ لقد كنت منا وصرنا منك ولكل ما كتبت، نضج البكاء لفرط فقدك، كل شعر وأنت قصيدتنا الأجمل، كل فراق وأنت انتظارنا الأطول، كل غياب وأنت حضورنا الأبهج والأمثل، كل حب وأنت له الوفاء، كل نهار وأنت له زرقة السماء، كل عشق وأنت له الماء والهواء، كل درب وأنت له الأهل والظل والأصدقاء، سنفتقدك من الرأس حتى أخمص القدمين، سنفتقدك من حنجرة الوقت حتى رائحة الياسمين، من ألف الشعر حتى ياء الحنين.

أما الشاعر محمد الجلواح فقد عبر في كلمته عن صدمته بوفاة الشاعر حماد وأنه حتى اللحظة الأخير مازال يقاوم الاقتناع بهذا النبأ فقد ظل منذ اللحظة الأولى لخبر الرحيل يحاول الاتصال بالشاعر المرة بعد الأخرى، وقد ظلت تلك المكالمة التي حملت إليه وفاة الشاعر ظلت تؤرقه، فقد كان لقائي بها ليس بعيدا كان قويا رغم الآلام ربما لهذا مازالت النفس تنكر الرحيل.

وأضاف الجلواح كان حماد من أعز الناس شعريا وإنسانيا، من يقرأ له يعتقد أنه صعب المراس لكنك تتفاجأ من حجم البساطة الجميلة والتلقائية حين تلقاه وجها لوجه، فقد كان الإنسان الكبير في أخلاقه.

وأضاف الجلواح «لقد عشت معه أفضل فترات سيرتي الشعرية وكان أن اكتسبت رضاه على مستوى الذائقة الشعرية وكان هذا الرضا بالنسبة لي وساما أحمله وأعتز به».

وفي نهاية كلمته عبر الجلواح عن أن حماد ما نال من الاهتمام ما يستحقه ودعا الجلواح إلى الاهتمام بنتاج حماد وتوثيق شعره وقصائده في ديوان، وكل ما كتب كشهادة حية مستمرة تقديرا لهذا الشاعر وتخليدا له.

العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً