العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ

مقتضب الأثر بين عاملة وهجر والشيخ العاملي

قبل الخوض في غمار دراسة العالم الجليل يجب علينا ان نلقي الضوء على تعريف و لو بشكل مختصر عن تاريخ جبل عامل والبحرين

جبل عامل أو جبل عاملة أو جبال عاملة نسبة إلى عاملة بن سبا أصلهم من اليمن تفرقوا لما أرسل الله عليهم سيل العرم وهي سلسلة الجبال الواقعة في الجزء الجنوبي من لبنان ومتاخمة لفلسطين المحتلة معقل المقاومة الإسلامية التي هزمت العدو الصهيوني في العامين2000 وتموز 2006 م عرفت السواحل اللبنانية، ومنها جبل عامل، الإسلام مع الفتح و في أساس العقيدة الإسلامية ضرورة تعليم الكتاب والسنة والأحاديث وأحكام الشريعة وقد غرست بذور التشيع منذ أواسط القرن الأول على يد الصحابي الجليل أبي ذر (رض) كما نمت هذه البذور و ازداد العامليون تعلقا بالدعوة الشيعية


البحرين أو هجر

أطلق العرب اسم البحرين على الإقليم الممتد على ساحل الخليج العربي بين الصرة وعمان، فهو يشمل ما نعتبره في الوقت الحاضر الكويت والاحساء وقطر وجزر البحرين الحالية المعروفة قديما باسم جزيرة أوال التي الآن تعرف بمملكة البحرين و عاصمتها المنامة.


دخول سكان البحرين الإسلام

و على ضوء رسالة من النبي الأعظم (ص) إلى المنذر بن ساوى والي البحرين فقد اسلم شعبها طوعا بدون حرب وقتال وذلك يعتبرها المسلمون من الأنفال أو الغنيمة، عن حفص البخترى عن أبي عبد الله (ع) الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل ارض خربة و بطون الأودية فهو للرسول الله (ص) و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء « (ج12 ص 471 حدائق البحراني).


قبيلة عبد قيس

بين عبد الرحمن عبد الكريم العاني في كتابه (البحرين في صدر الإسلام) ان عبد قيس جاءت إلى البحرين من تهامة و تغلبت على من كان قد سكن قبلها من إياد و الازد. كما ذكر مؤلف «البحرين درة الخليج محمد بهجت اسنان» ان الرسول الأكرم (ص) أرسل إلى قبيلة عبد قيس في ( البحرين) رسالة» هذا نصها : «من محمد رسول الله إلى الأكبر بن عبد قيس أنهم آمنون بأمان الله و أمان رسوله على ما أحدثوا لي الجاهلية من القحم وعليهم الوفاء بما عاهدوا، و لهم ان لا يحبسوا عن طريق الميرة و لا يمنعون حوب القطر، ولا يحرم حريم الثمار عند بلوغه و العلاء بن الحضرمي أمين رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما خرج منها وأهل البحرين خفراؤه من الضيم، وأعوانه على الظالم و أنصاره في الملاخم عليهم بذلك عهد الله وميثاقه لا يبدلوه قولا ولا يريدوا فرقة و لهم على جند المسلمين الشركة في الفيء والعدل في الحكم والقصد في السيرة حكم لا تبديل له في الفريقين كليهما والله و رسوله يشهد عليهم»، انتهى. و يذكر الخنسارى في روضاته ان البحرين – كما في كتاب « تلخيص الأثر» البحرين ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر، بها مغاص الدرر،ويقول ان أهل البحرين قديمو التشيع متصلبون في أمر الدين، خرج من علمائنا الأبرار جمع غفير و في الأمثال المشهورات : خرب الله بلاد البحرين و عمر أصفهان كي لا يخلو من أهل الأول احد و لا يقع في بلد أهل الثاني ديار، و»خط» قرية باليمامة يقال لها خطر هجر، ينسب إليها الرماح الخطية و»هجر» مدينة كبيرة قاعدة بلاد البحرين، ذات النخل والرمان والاترج والقطن( كما ينسب إليها الصحابي الجليل رشيد الهجري وهو من درجة ميثم التمار، ومن جملة حاملي أسرار الإمام علي (ع).

يعود تشيع أهالي البحرين إلى الرسول الأعظم (ص) كما تذكره كتب الفريقان، يقول بهجت محمود اسنان في كتابه البحرين درة الخليج «و كان انتقال التشيع إلى البحرين عن طريقين الأول بواسطة الولاة الذين كانوا يتشيعون لعلي، كأبان بن سعيد بن العاص الاموى الذي عينه الرسول في السنة التاسعة واليا على البحرين (ديار عبد القيس)» جاء في الطبقات الكبرى لابن سعيد (4 ص 360) ان رسول الله (ص) طلب من أبان حين ولاه البحرين خلفا للعلاء الحضرمي ان يستوصي بعبد القيس خيرا وان يكرم سارتهم و يقول اسنان ان الرسول عين أيضا عمر ابن أم سلمة ربيب رسول الله ومعبد ابن العباس بن عبد المطلب و يتابع قوله وعن طريق الزعماء البحرانيين الذين انحازوا إلى صفوف علي في حروبه الثلاثة التي خاضوها معه اثناء خلافته، ويقول اسنان «من كبار أصحاب علي من أهل البحرين صعصعة بن صوحان العبدى ورشيد الهجري والحارث بن مرة الذي غزا السند في عهد علي (رض) انتهى».

أما أبو طالب فقد وصف البحرين بالعقير في مطلع قصيدة له يمدح الرسول الكريم بقوله:

فلا تحسبونا خاذلين محمدا لذي غربة منا و لا متقرب

ستمنعه منا يد هاشمية مركبها في المجد خير مركب

وينصره الله الذي هو ربه بأهل العقير أو بسكان يثرب

يفسر محمد التو نجي شارح و جامع ديوان أبي طالب (رض) العقير «بلدة بالبحرين و بما تعني هذه الكلمة قرية العكر من قرى جزيرة سترة».

من هذه الشجرة التي غرسها الرسول الأكرم في البحرين (ص) و تعهد بسقيها علي (ع) و أصحابه ثم العلماء قد أخصبت بالعلماء والشعراء والمفكرين فعلى كل ورقة من أغصانها عالم فكر ودين وارشاد وتلك البذرة المباركة التي بذرها أبو ذر الغفاري في جبل عامل أثمرت بالعلماء والشباب المقاتلين الذين ذكروا الإسرائيلين بحرب خيبر و قتل عمر بن ود العامري علي يد إمامهم علي ان الكتابة عن هذا التاريخ يحتاج إلى مجلدات في حين المقال عن العلامة الشيخ حسين بن عبد الصمد وكيف استقر به الحال في البحرين بذكر ان لما ضاقت الأرض بما رحبت على الشيخ العلامة الجبعي، وسبب انتقاله إلى البحرين انه رأى في المنام ان القيامة قد قامت، وجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى، بان ترفع ارض البحرين بما فيها إلى الجنة، فلما رأى هذه الرؤيا، اثر الجوار فيها والموت في أرضها، وكانت البحرين عامرة بالمدارس و الدراسة و فيها عدد كبير من المحدثين والفقهاء وعلى ما جاء في الرؤيا طلب إلى ولده العلامة الشيخ البهائي ان يأتي إليه في البحرين: « فيا ولدى، لو كنت تطلب شيئا لدنياك، فاعمد بلاد الهند، وان حاولت الآخرة فالحق بنا الى هذا المقام ( أي البحرين) وان كنت لا تريد الدنيا ولا آخرة فلازم العجم و لا تبرح و مما كتب له أيضا هذه الأبيات :

خف الفقر ملتمسا للغنى فبلفاقر كم من فقار كسر

و في كل ارض أنخ برهة فإن وافقتك و إلا فسر

فما الأرض محصورة في هرات و لا الرزق في وقفها منحصر

فلم يعش الشيخ حسين طويلا في البحرين، فقد وافته المنية في الثامن من ربيع الأول سنة 984 هجرية 1576 م، و دفن بالمصلى من قرى هجر البحرين فرثاه ابنه الشيخ البهائي بهذه الأبيات المشهورة

قف بالطول و سلها أين سلماها وروِ من جرع الأجفان رياها


إلى أن يقول:

يا ثاويا بالمصلى من قرى هجر كسيت من خلل الرضوان أرضاها

أقمت يا بحر في البحرين فاجتمعت ثلاثة كن أمثالا و أشباها

ثلاثة أنت أسداها و أغزرها جودا وأعذبها طعما وأحلاها

لا غرو إذا أعجب علماء جبل عامل بعلماء البحرين و منهم العلامة الشيخ محمد جواد مغنية عندما زار البحرين في سنة 1966 م وكان في شهر رمضان المبارك والقي عددا من المحاصرات القيمة جدا وعند عودته دون انطباعاته كما يلي:

«ومهما يكن فان الإيمان في البحرين ان هو إلا امتداد لتاريخها، فلقد كان هذا البلد، وما زال المنبت الخصب لكبار العلماء، والمعين الذي لا ينضب من الحس الديني، فلقد اسلم أهله للنبي (ص)، ودعموا الحق طوعا بالمكاتبة، كما أنهم أسبق الناس إلى مذهب التشيع والولاء لأهل البيت (ع) ولو وجد مؤرخ يكشف الطبيعة الدينية في أهله، و يبرزها بتسلسل تاريخي منظم منذ صدر الإسلام، حتى اليوم لجاءت في كتاب ضخم كثير الفوائد و المنافع و يستطرد قائلا والسنة والشيعة في البحرين على وفاق تام، يتعاونون في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية و الثقافية والقضايا العربي» وقال أيضا فإن «في أهل البحرين من صدق و يقظة الضمير، و صحة الإيمان وغيرها من القوى ما لا يعرف قدرها وأهميتها إلا بالتجربة و الاختبار الشخصي الصرف.

العدد 2743 - الأربعاء 10 مارس 2010م الموافق 24 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً