العدد 2357 - الثلثاء 17 فبراير 2009م الموافق 21 صفر 1430هـ

الماء من صلب حقوق الإنسان

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحصر الكثير من، نحن العرب، حقوق الإنسان في جوانبها السياسية المحضة فحسب، وفي حالات نادرة يتجاوز نطاق ذلك كي يضيف إليها بعض أبعاد الحقوق الاجتماعية. ولهذا الفهم المحدود ما يبرره. فشحة الحريات السياسية المتاحة للمواطن العربي، ترغمنا على حصر تفكيرنا في الدائرة السياسية، وتحرمنا من تجاوز ذلك الحيط الضيق.

هذا النمط من التفكير يدفع القارئ العربي إلى الاستغراب، وتصيبه بالدهشة، عندما يطالع مقالات تربط بين مواد مثل «الماء» و»حقوق الإنسان»، وهو الموضوع الذي توقف عنده المنتدى الاقتصادي الأخير الذي عقد في دافوس، وأولاه أهمية كبيرة الاجتماع الذي عقد في بروكسل، يومي 12 و13 فبراير/ شباط 2009، في إطار التوصيات التي رفعت لمؤتمر كوبنهاغن العالمي الذي سيعقد في نهاية العام 2009. بل إن عمق العلاقة دعت منظمة مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أن يقرر في العام الماضي، إجراء دراسة تستغرق ثلاث سنوات من أجل توضيح العلاقة بين الحصول علي الماء وحقوق الإنسان الأساسية.

يتناول هذه العلاقة بشيء من التفصيل مقالة كتبها باحثان هما، كمال درويش و تريفور مانويل، واستشهدا خلالها بفقرة وردت في تقرير التنمية البشرية للعام 2006، جاء فيها «إن إمكان الوصول إلى مصدر مياه آمنة رخيصة الكلفة يجب أن تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان. يمكن للحكومات، وينبغي عليها، الإقرار بهذا الحق من خلال ضمان توفير 20 لترا من المياه النظيفة يوميا على الأقل لجميع المواطنين، والتحقق من أن الذين لا يتمكنون من دفع تكلفة المياه يحصلون عليها مجانا».

مثل هذه العلاقة، هي وحدها القادرة على تفسير إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2003، الأعوام من 2005 إلى 2015 بوصفها العقد الدولي للعمل». وقبل هذا التاريخ، وتحديدا في العام 2002، اعتمد «مؤتمر القمة العالمي بجوهانسبيرغ»، هدفين آخرين هما: وضع خطط متكاملة لإدارة الموارد المائية وتحقيق الكفاءة في استخدام المياه بحلول العام 2005، وخفض نسبة السكان الذين لا تتوافر لهم المرافق الصحية الأساسية إلى النصف بحلول العام 2015».

ويورد موقع «العقد العالمي للماء» الكثير من الإحصاءات أتي توضح العلاقة بين «حقوق الإنسان» و»الماء»، من خلال إلقاء المزيد من الأضواء على مدى الهدر الذي تعاني منه مصادر المياه، وسوء الاستخدام الذي تتعرض له، الأمر الذي يحول الحصول على المياه على ركن أساسي من قضايا حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص في البلدان النامية، ووفقا للموقع (http://un.org/arabic/waterforlifedecade/factsheet.html>)، ازداد «استخدام المياه بمقدار ستة أضعاف خلال القرن العشرين، أي أكثر من ضعف معدل النمو السكاني. وفي حين أن استهلاك المياه في البلدان الصناعية يصل حتى 380 لترا للفرد في اليوم في الولايات المتحدة و129 لترا للفرد في اليوم في ألمانيا، فإن ما بين 20 و30 لترا للفرد في اليوم في البلدان النامية يُعتبر كاف لتلبية احتياجات الإنسان الأساسية».

يعزز هذه الأرقام، أرقام آخرى نشرها موقع سويس إنفو تقول إن هناك نحو» 4 مليارات شخص حول العالم لا يتوفرون على ماء صالح للشرب، ومن المتقع أن يرتفع هذا العدد إلى 3 مليار بحلول العام 2025، ولا يحصل 3 مليارات شخص على شبكات الصرف الصحي، وان 80 في المئة من الأمراض المنتشرة في الدول النامية مرتبطة باستعمال المياه الملوثة، وأن هناك 6000 طفل دون سن الخامسة يموتون يوميا بسبب استهلاك مياه غير صالحة للشرب».

وقد أولى المنتدى العالمي الثالث للمياه الذي عقد في مدينة كيوتو اليابانية في الفترة بين 16-23 مارس/ آذار 2003، والذي شاركت فيه وفود 182 دولة، هذه العلاقة، الأهمية التي تستحقها، فجاء في البيان الختامي فقرة واضحة تعتبر «الاستفادة من الماء الصالح للشرب حقا من حقوق الإنسان». وهاجم تحاف منظمات التنمية والمساعدة السويسرية البيان الختامي للمؤتمر بعدما رفض الوزراء إضافة «الحق في الحصول على الماء الصالح للشرب إلى مواثيق حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة».

ولا يقتصر أمر التشديد على أهمية العلاقة بين حق الحصول على الماء، وبين نيل الإنسان لحقوقه على الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها فحسب، إذ نجده واضحا في خطابات بعض المسئولين من مستوى المستشارة الألمانية انغيلا ميركيل التي غالبا ما تشدد خطاباتها على ضرورة «المحافظة على حقوق الإنسان وحمايتها». لكنها، وبعد أن تؤكد أن من بين «الأهداف السامية التي يتضمنها بيان حقوق الإنسان حماية الكرامة الإنسانية وكرامة الحق والقانون وضمان حرية الحركة والتنقل وحماية البشر من الأذى والاعتداءات وضمان حرية التعبير عن الرأي»، تعود كي تلفت النظر إلى «أن حق البشر في الحصول على الماء والمواد الغذائية والمسكن هو أيضا جزء مهم من حقوق الإنسان الأساسية».

الأمر الذي ينبغي أن ندركه، هو أنه من ضمن الأهداف التي ينبغي أن تتحق في نهاية عقد المياه (2015)، هي «تقليص نسبة الناس الذين لا تتوافر لهم مياه نظيفة وآمنة في العالم بحلول العام 2015 إلى النصف». لكن إذا استمرت سياسات إساءة الاستخدام والهدر، فمن المتوقع أن يبقى 234 مليون شخص في العالم، محرومين من «حقوقهم» في الحصول على المياه التي يحتاجونها ويستحقونها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2357 - الثلثاء 17 فبراير 2009م الموافق 21 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً