العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ

السيميوطيقا ونهاية الشيخ حسين العصفور

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليس للسيميوطيقا ارتباطٌ بنهاية الشيخ حسين العصفور الفاجعة، وإنّما كانا موضوع الجلسة الصباحية في اليوم الأخير (الثلثاء) من مؤتمر علامة البحرين الكبير.

في الورقة الأولى تناول الشيخ النجفي علي كاظم جواد «السيميوطيقا في لغة الفقهاء»، مقرّرا أن الفقيه يمارس دور الناقد الأدبي في النص الفقهي، من حيث كونه وسيطا بين النص والمتلقي. والسيميوطيقا هو علمٌ حديثٌ يبحث في دلالة الألفاظ كما فهمناه من العرض المختزل للباحث. ففي الحوزة العلمية شخصياتٌ تتابع آخر ما ينتجه الفكر البشري المعاصر، وتقرأ ما تنتجه الجامعات الغربية وتتملاه دون عقدة نقصٍ أو انبهار. والأهم أنها تقدّم إنتاجها وإبداعها الخاص بكل ثقةٍ واعتداد بالذات، فهي وريثة جامعةٍ عريقةٍ تمتد لأكثر من ألف عام؛ وذات جذورٍ حضاريةٍ صلبةٍ، فلا تقف مبهورة أمام المنتَج الفكري الغربي، كما يحدث مع أنصار الحداثوية والتابعين لهم بإحسان.

الورقة الثانية للكاتب والمؤرخ والناقد البحريني محمد حميد السلمان، الذي كان واضحا أنه يخبّئ مفاجأة تحت إهابه، فمن الدقيقة الأولى نزل من المنصة ليشارك الجمهور معه في عملية بحثٍ جنائي عن قاتل الشيخ العصفور، باستخدام جهازٍ للعرض، ليستعرض التواريخ والروايات. واعتذر مقدّما للحضور (وأغلبهم من المشايخ)، بأنه ليس محقّقا دينيا ولا شأن له بالفقه، وإنّما لديه أسئلةٌ ومعلوماتٌ يريد أن يطرحها، وروايات متضاربة يريد أن ينقّحها، ليصل الجمهور بنفسه إلى النتيجة التي توصل إليها من قبل.

كان السؤال الكبير: كيف انتهت حياة الشيخ العصفور؟ ومَن؟ ولماذا؟ فالحدث حصل في فترةٍ مضطربةٍ سياسيا، إذ وقعت البلاد بحكم موقعها الجغرافي إلى بؤرة للتنافس بين القوى الاقليمية، وكانت الضغوط تأتيها من الشمال (فارس)، والشرق (عُمان)، والغرب (نجد)، وغير بعيدٍ عنهم العثمانيون في العراق.

في تلك الفترة العاصفة، كانت القوة الشمالية انحسرت عن الجزيرة، والشرقية انسحبت، وخلت الساحة من القوة المحلية، ودانت للقوة الباقية لأكثر من عقدٍ من الزمان. فهي قوةٌ ناشئةٌ، أخذت تتمدّد نحو المراكز الحضرية، بحثا عن مجال نفوذ سياسي واقتصادي أوسع. وفي مثل هذه الأوضاع تسعى القوة لإزاحة أية زعامةٍ يمكن أن تقف في طريقها، فكيف بشخصٍ انتهت إليه الزعامة الدينية، التي كانت ومازالت تملك تأثيرا كبيرا على الشارع، حتى لو كانت بعيدة عن دوائر السلطة والقرار... وفي هذا السياق يمكن أن تُفهم حادثة الاغتيال.

الروايات المحلية متضاربةٌ، والمصادر التاريخية تتجاوز ذكر التفاصيل، ولذلك ظلّت ستائر الغموض مسدلة على الحادثة ليطويها النسيان. وجاء السلمان ليجمع الخيوط، ويضرب بين الروايات، ويحقّق في قضيةٍ جنائيةٍ كما قال. فالشيخ حسين العلامة طُعن في ظاهر قدمه، ولما سأل ثلاثة أطباء اختصاصيين: هل يمكن أن يفضي ذلك للموت؟ أجابوا بإجماع: «لا... إلا أن تكون طعنة مسمومة».

تذكّرت وهو يسرد التفاصيل، قصة الشاعر دعبل الخزاعي، الذي قُتل بطعنةِ رمحٍ أيضا في ظاهر قدمه، وكانت الطعنة مسمومة. الفرق أن الخزاعي مات من يومه وهو في سن الثامنة والتسعين، بينما مات الشيخ وهو في منتصف خمسينياته، وفي عزّ عطائه الفكري.

في نهاية الجلسة، تقدّمت من السلمان، حيّيته على جميل عرضه ودقة استنتاجه، الذي وافقه عليه المؤرخ سالم النويدري. إنها السياسة مرة أخرى... حيث تدفع الشعوب الصغيرة الآمنة ضريبة مطامع الكبار. ولله الأسرار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 2:11 م

      تقى البتول

      الله يخليك ياسيد فانت عظم في بلعوم المنافقين فليحميك الله من كل شر

    • زائر 12 | 10:07 ص

      14 نور

      كما قال آل بيت الرسول:: القتل لنا عادة و كرامتنا من الله الشهادة:: وينطبق هذا على علماء ديننا الكرام فالإمام الصاد (ع) يقول شيعتنا من خلقوا من فاضل طينتنا, فلذلك نرى أيادي الغدر تستهدف من يتكلم بالحق ومن يوقظ الناس كما هو الحال بالشيخ أحمد ياسين من حركة حماس و كما هم آل الحكيم و آل الصدر وغيرهم من المكرمين ولكنهم هم من فازوا ورب الكعبة.

    • زائر 11 | 5:06 ص

      شكرا وبارك الله فيك يا سيد ويا جريدة الوسط

      بصراحة موضوع في غاية الروعة
      وانتهز الفرصة لنشكر كل القائمين على المؤتمر وعلى المشاركين من داخل وخارج البحرين
      والشكر موصول لعائلة العصفور الذين اجتمعوا على حب هذا الرمز العلمائي الكبير
      وانشاء الله نرى رابطة ال عصفور كما طلب سماحة الشيخ الكوراني

    • زائر 10 | 1:53 ص

      الحقائق والإعلام

      الشكر الجزيل لكم سيدنا، والمؤتمر فكرة وتنظيم واعداد وابحاث كان جداً موفق، ولا شك في أن الإعلام القوي والمميز للمؤتمر كشف قوة الرسالة الإعلامية.. الرسالة والموقف، ولم تقصر الصحافة المحلية وخصوصاً طبعاً الوسط على هذا الجهد، ولولا الإعلام القوي والتواصل مع الجمهور من خلال رسائلكم الإعلامية لما انتشر المؤتمر بهذه المساحة.
      اخوكم
      جعفر العصفور

    • زائر 9 | 1:44 ص

      مقال جاد

      انا في البداية ومن العنوان قلت ما هو الرابط بين السيميونطيقا ونهاية الشيخ حسين العصفور، وظنيت انه سيعلق على بعض الحداثويين خصوصا المعمم الابستمولوجي المعروف. لكن بعدما واصلت المقال اكتشفت ما يرمي إليه الكاتب، فالمقال في غاية الجد ويتناول قضية تاريخية مهمة، حتى ان الكثيرين كانوا يفكرون ان العمانيين جاءوا غزاة ونكتشف انهم جاءوا باستدعاء الاهالي الذين تعرضوا للقتل والسبي والكير من المظالم التي تشيب لها الولدان..

    • زائر 8 | 1:20 ص

      حقائق التاريخ

      المتتبع للتاريخ سيكتشف الكثير من الحقائق، فالقوة العمانية لم تكن غازية وانما جاءت بطلب واستنجاد من الأهالي الذين تعرضوا للقتل والسبي. وذلك ما يفند اتهامهم بقتل الشيخ حسين، كما ان مقتله حدث بعد رحليهم بسنوات، وأثناء تواجد القوة النجدية.قراءة الدكتور السلمان تثبت قوة استنتاجه. تحية له وللكاتب العزيز.

    • زائر 7 | 1:11 ص

      إستمرارية الظلم على الشعب الأصلي الطيب

      كما أصاب الظلمُ الأجدادَ يستمرُ ليصيب الأحفادَ..

    • زائر 6 | 12:33 ص

      لعن الله قاتليه الظلام

      وكانت الضغوط تأتيها من الشمال (فارس)، والشرق (عُمان)، والغرب (نجد)، وغير بعيدٍ عنهم العثمانيون في العراق. في تلك الفترة العاصفة، كانت القوة الشمالية انحسرت عن الجزيرة، والشرقية انسحبت، وخلت الساحة من القوة المحلية، ودانت للقوة الباقية لأكثر من عقدٍ من الزمان. فهي قوةٌ ناشئةٌ، أخذت تتمدّد نحو المراكز الحضرية، بحثا عن مجال نفوذ سياسي واقتصادي أوسع. وفي مثل هذه الأوضاع تسعى القوة لإزاحة أية زعامةٍ يمكن أن تقف في طريقها، فكيف بشخصٍ انتهت إليه الزعامة الدينية، التي تملك تأثيرا كبيرا على الشارع.

    • زائر 5 | 11:56 م

      الى متى

      لكم نشعر بالحزن والأسى ونحن نسمع عن رواد هذا البلد العريق من علماء أفاضل وناس متحضرين مثقفين من أصول عربية كريمة ونقارن بحالنا اليوم بعد أن قضى التجنيس على هوية البلد العربية وتاريخه وحضارته وبعد أن أصبح مواطنيه خليط من الأفاقين المرتزقة الأجلاف الذين جاءوا بهم من بيئات متخلفة جاهلة واغرقوا البلد بهم

    • زائر 4 | 11:48 م

      وماذا بعد المؤتمر ؟؟؟؟

      وماذا بعد المؤتمر هل ستغمد السيوف وترمى الاقلام والورق ويبقى الحال كما هو ام نعتبر المؤتمر نقطة البداية ومنها ننطلق بحثا ودراسة واذا لم يكن ذلك فما وفينا الرجل حقه وظلمنا انفسنا فلا هذا ولا ذاك وهذا ما نحذر منه ونخاف الامل كبير في تلك السواعد التي عملت فاحسنت وفكرت فابدعت والى مزيد من الاهتمام برجال الفكر في هذا البلد المعطاء ..

    • زائر 3 | 11:43 م

      القوة الغربية

      انا كنت حاضر والذي فهمته ان القوة النجدية التي سماها الكاتب الغربية، هي التي اغتالت الشيخ ليخلو لها الجو وتزيح الشخصية الدينية التي قد تقف في طريقها، خصوصا انه بدأ يقود المقاومة في المنطقة الشمالية ضد الاحتلال.رحم الله الشيخ الشهيد.

    • زائر 2 | 11:37 م

      يجب ان نعطي هؤلاء الرجال كما اعطونا ونزيد .ز

      هؤلاء الرجال الافذاذ اعطونا فلا بد ان نعطيهم و نزيد والا اصبحنا جاحدين لهم وعطاؤنا لهم في اقله دراسة نتاجهم واحيائه وهو نتاج لا بد ان نفخر ونفتخر به وقلما يجود الزمان بمثل هؤلاء الرجال ويكفي انه يعيش بيننا اطول مما عاش في هذه الدنيا وكأنه مات يوم أمس أو لم يمت بعد لكن مع الاسف قصرنا في حقه وحق امثاله فكتبهم ومؤلفاتهم منها من ضاع مع الاحداث التي حلت بالبحرين , ومنها من لم يزل ينتظر من يحققها ويقوم بطباعته ولا أظن ذلك بكثير علينا فالمال موجود يصرف في غير محله والكفاءات متوفرة فمالعذر .

    • زائر 1 | 11:35 م

      ؟؟؟

      يعني حتى الشيخ حسين العصفور مات مقتولا؟ هذه معلومة اول مرة اسمعها. الله يرحم نفسه الزكية. ويرحم جميع الشهداء.

اقرأ ايضاً