العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ

جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين أميركية بامتياز

فضل الله في خطبتي الجمعة:

ألقى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية.

وجاء في خطبته السياسية: الجريمة الوحشية باغتيال الشهيد المجاهد القائد الشيخ أحمد ياسين لاتزال تتفاعل على مستوى العالم في أكثر من عملية إدانة، لا سيما من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر حركة «حماس» منظمة إرهابية بفعل الضغط الأميركي الهائل، ولكنه يرى في عملية الاغتيال مخالفة للقانون الدولي، في الوقت الذي نرى فيه بعض دوله كبريطانيا تجمّد حسابات بعض قادة الحركة والتي لا وجود لها في مصارفها.

وهكذا، تنبري دول أخرى كروسيا وغيرها واللجنة الدولية لحقوق الإنسان للتعبير عن الإدانة، كما الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن السؤال: هل تحركت كل هذه المواقف للضغط السياسي على الدولة المجرمة «إسرائيل»؟ وهل وقفت في مجلس الأمن لتطالب بقرار قويّ للإدانة؟

إن الجميع يراقبون الموقف الأميركي الذي عبّر بصوت الرئيس «بوش» وإدارته بأن هذا العمل يمثل «دفاع إسرائيل عن النفس»، حتى بهذه الطريقة التي تتنافى مع القانون الدولي الذي لا ترى «إسرائيل» أنها ملزمة به، كما لا ترى أميركا نفسها ملزمة باحترامه، بفعل الذهنية الإمبراطورية الدكتاتورية المفروضة على العالم على الطريقة الأميركية... ثم، تطالب واشنطن الجميع بضبط النفس، والخطاب موجَّه للفلسطينيين في العمق، لأن أميركا لا ترى «إسرائيل» معنية بالامتناع عن حربها الوحشية بالطائرات والصواريخ الأميركية، في قصفها للمدنيين في المدن والقرى والمخيمات، باعتبارها «حربا على الإرهاب»، كما تدّعي.

إن السياسة الأميركية في ذهنية الإدارة ترى في الشعب الفلسطيني الذي وقف موحَّدا خلف الانتفاضة شعبا إرهابيا لابد أن تقوم «إسرائيل» المدعومة منها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بإبادته.. فلـ «إسرائيل» الحق أميركيا أن تغتال القيادات ومَن حولها من المدنيين في شوارع غزة والضفة ومخيماتهما، ومن غير المسموح للفلسطينيين ان يردّوا، لأنه لا حق عندها لمن تصفه بـ «الإرهابي» أن يواجه «الحَمل» اليهودي الوديع حتى لو تحوّل الى ذئب!

إن جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين أميركية بامتياز، وإسرائيلية بالفعل، ومن غير المسموح أميركيا لأيّة دولة او أيّة هيئة دولية كمجلس الأمن معاقبة «إسرائيل»، لأن الفيتو الأميركي بانتظارها، وهو ما أقدمت عليه أميركا في جلسة مجلس الأمن أمام قرار الإدانة لـ «سرائيل» على جريمتها.

لقد سبق لأميركا أن أطلقت التحدي أمام العالم في رفضها لمحاكمة جنودها على جرائم الحرب الصادرة منهم، وهددت كل دولة تقوم بتوقيع قرار المحاكمة... ومن المعروف لدى العالم أن حكم الجيش الإسرائيلي عند أميركا هو حكم الجيش الأميركي في ذلك؟!

وفي هذا الجو، نوجِّه السؤال الى الجامعة العربية بكل دولها: كيف يصبح الغضب العربي سياسة لا مجرد تعبير عاطفي عن المشاعر؟ وكيف يمكن للعرب أن يدرسوا في قمتهم وسيلة الضغط على أميركا وعلى «إسرائيل» ولو لمرة واحدة، في مواجهة قمة التحدي الصهيون أميركي للعرب والعالم كله؟ إنهم عاجزون عن ذلك كله لأنهم طرحوا كل الأوراق على الطاولة الأميركية الإسرائيلية ليلعباها معا... ولايزالون يتحدثون عن السلام وعن قرارات قمة بيروت التي لم تحترمها «إسرائيل» ولا أميركا!

لقد كانت «غولدا مائير» تقول: «ليس هناك شعب فلسطيني»، و«شارون» يقول الآن: «ليس هناك شريك فلسطيني، وإن المفاوضات مع الفلسطينيين مستحيلة»، وهو يدعو العرب والفلسطينيين الى الاقتداء بمصر على أساس شروطه الاستسلامية، لأنه يفهم السلام بمعنى الاستسلام... ولكننا نعرف أن الشعب الفلسطيني قد توحَّد بفضل دماء الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي أعطى كل عمره للقضية، ولن يضعف هذا الشعب، ولن يسقط أمام التهديدات الصهيونية، وإذا كانت الطائرات الأميركية تغتال في كل يوم قائدا، فإن القضية ستصنع قائدا جديدا، وتتحرك في خطة جديدة، ولعل في الموقف الجهادي للفتى الفلسطيني أكثر من دليل على حيوية هذا الشعب الصامد الحر المجاهد حتى النصر...

وعلى القمة العربية المقبلة - الخطبة تمت قبل قرار تأجيل عقد القمة في تونس - أن تتعلّم من الشعب الفلسطيني كيف تقف الموقف الاستراتيجي بالمقاومة وبالدبلوماسية، من أجل إحراج السياسة الأميركية الإسرائيلية التي تواجه العزلة أمام العالم في تنكّرها للقانون الدولي، لتعرف أن القوة لا تصنع السلام ولا تصل بأصحابها الى النصر.

وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تعرف كيف تمارس الضغط على دولها بالوسائل الحكيمة التي تحرج كل حال العجز والفشل المهيمنة عليها... وعلى الجميع الاقتداء بالشعب الفلسطيني الذي سيلقّن العدو درسا لن ينساه، ولن يسمح له بأن يكسر إرادته وأن يخفض سقفه العالي في الحصول على حريته والإمساك بقراره المستقل في صنع مصيره، ولن يمكّنه من صوغ مستقبله كما يشاء.

إن فلسطين تختصر العالم العربي والإسلامي، فعلى كل هذا العالم أن يعرف كيف يحمي نفسه من التحديات الموجَّهة اليه عبر التحديات الموجَّهة الى فلسطين... وعلى العرب والمسلمين ان يفهموا جيدا ما هو معنى أميركا في كل مشروعاتها الاستكبارية، وأن يفتشوا عنها في كل الجرائم الإسرائيلية التي تهددهم وفي كل خططها في مشروع الشرق الأوسط الكبير، لتتوحَّد الكراهة الشاملة لكل سياستها الدكتاتورية ضد الشعوب.

أما في العراق، فإن الوضع لايزال خطيرا جدا على صعيد الأمن، وقلقا بشكل كبير على مستوى الأوضاع العامة، وفي حال اهتزاز وارتباك من خلال انتظار المستقبل، بفعل هيمنة الاحتلال المطلقة المعلنة في هذه المرحلة على أساس أنه يملك الرفض لكل قرار أو قانون يصدر عن العراقيين، ويضيّق عليهم الإمكانات الفاعلة لإدارة البلد من جهة الأمن والخدمات العامة.

أما في المرحلة المقبلة التي يلوّح فيها بمنح السيادة، فإن الاحتلال يبقى وراء الكواليس ويتحرك بما يحقق مصالح الشركات الأميركية الاحتكارية في قضايا الإعمار تحت عنوان المعاهدة بينهم وبين الحكومة العراقية الجديدة، لحاجة اليهم في حفظ الأمن والنظام تماما كما هي المعاهدة بين القويّ الذي يملك كل شيء والضعيف الذي لا يملك شيئا لتشريع الهيمنة بشكل قانوني.

إننا نناشد الشعب العراقي الذي يمتد في تاريخه الى مواقع الحضارات، لاسيما الحضارة الإسلامية التي صنعت له مفاهيمه وشرائعه واتجاهاته ومناهجه، أن يكون واعيا لأصول اللعبة الدولية وأن لا يُلدغ من ألف جحر وجحر مما يصنعه المستكبرون، وأن يحافظ على الوحدة بكل دوائرها، ليكون العراق واحدا لشعب واحد في مستقبل موحَّد

العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً