العدد 577 - الأحد 04 أبريل 2004م الموافق 13 صفر 1425هـ

أميركا وحدودها الجغراسياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما هي الحدود الجغراسياسية التي يحتمل أن تقف عندها الولايات المتحدة عقب الهجوم الذي دشنته بعد 11 سبتمبر/ أيلول؟ فإدارة واشنطن استفادت كثيرا من الهجمات وحققت عشرات الأهداف بسرعة زمنية قياسية كانت تحتاج إلى سنوات لتنفيذها في الأوقات العادية. فهي نجحت في فرض رقابة داخلية على المجتمع الأميركي وباتت هيئات ومؤسسات المجتمع خاضعة لمجموعة قوانين تتعلق بأمن الدولة. وتحت الذرائع الأمنية ذاتها رتبت واشنطن سلسلة علاقات واتفاقات وانزلت جيوشها في عشرات القواعد العسكرية ووسعت مهمات وجغرافية الحلف الأطلسي (الناتو) وضمت إليه دولا كانت محسوبة قبل أكثر من عشر سنوات على المعسكر السوفياتي.

حتى الآن ترى الإدارة الأميركية انها لم تشف غليلها وهي تعلن يوميا مهمات جديدة تريد التوصل إلى تحقيقها قبل أن تزداد ضغوط الحملة الانتخابية على البيت الأبيض بعد شهر يونيو/ حزيران المقبل.

والسؤال: ما الأهداف التي تشبع نهم الإدارة وتحقق مرادها؟ هل تريد أميركا السيطرة على كل حقول نفط العالم وخطوط أنابيبه وامداداته حتى تسد حاجتها الداخلية وتفرض شروطها على الأسعار والأسواق العالمية وتضغط من خلالها على الدول التي تنافسها اقتصاديا؟

هذا سؤال. السؤال الثاني: هل تريد أميركا أن تستكمل حروبها من دون توقف لتشبع حاجات وجشع مؤسسات التصنيع العسكري التي باتت تحتل الموقع القيادي في أجنحة اقتصاد الولايات المتحدة؟

من الصعب الاجابة عن تلك الأسئلة الافتراضية، إلا أن الأجوبة يمكن قراءة ملامحها من سلوك الادارة وتصريحات المسئولين في «البنتاغون»، وما تتفرع منها من مؤسسات وأجهزة تسلطية على الداخل الأميركي ومساحات واسعة من العالم.

إلى ماذا تشير تلك التصريحات والسلوكيات؟ أخطر ما في تلك الاشارات أن الولايات المتحدة انتقلت في سياستها الخارجية من البراغماتية إلى الأيديولوجيا. فلم تعد السياسة منذ قرابة أربع سنوات مصالح وبالتالي الاستعداد الدائم للتصالح مع الآخر والتفاوض مع الخصوم وإعادة التفاوض للتوصل إلى حل وسط بشكل نقطة توازن بين القوى الدولية.

الولايات المتحدة، وتحديدا بعد 11 سبتمبر، تحولت إلى كتلة أيديولوجية تقودها حفنة من المتعصبين والمهووسين بالحروب وعظمة القوة... وهذا ما جعلها تندفع نحو تقسيم العالم إلى معسكرين: معي أو ضدي.

عسكرة السياسة شكّلت نقطة انطلاق للكتلة الأيديولوجية لفرز العالم بين أعداء وأصدقاء وبالتالي إعادة تشكيل منظومة معرفية جديدة للتحالفات لا صلة لها بتلك التي نسجتها واشنطن خلال مسيرة نصف قرن من العلاقات مع العالم. ولهذه الاعتبارات يمكن فهم الانقسامات الجديدة التي تولّدت في العالم تحت ضغط هذه الحفنة من الأيديولوجيين. فهذه الحفنة أسقطت من حساباتها كل التصنيفات السابقة ووضعت شروطا جديدة للمعادلة. وباسم «الانتقام» قسّمت أوروبا إلى قديمة وجديدة وهدّدت بنقل قواتها وقواعدها من قلبها (ألمانيا مثلا) إلى أطرافها (بلغاريا ورومانيا وإسبانيا ).

الهجوم السياسي على أوروبا أدى إلى انقسام القارة بين موقفين على السياسة الأميركية وانشاطر اتحادها إلى كتلتين غير ثابتتين باعتبار أن إسبانيا تحركت بعد الانتخابات من أوروبا «الجديدة» إلى القديمة. وردت أميركا بتوسيع الحلف الأطلسي شرقا بضم سبع دول مجاورة للحدود الروسية.

نحن الآن أمام خلطة من الانقسامات. فأوروبا في غالبية دولها لديها ملاحظات على المشروع الأميركي، وطرحت ألمانيا وفرنسا وروسيا سلسلة بدائل له. وأميركا أيضا لم تعد تراهن على أوروبا (قبل الحرب الباردة) وأحيانا لا تكترث بالموقف الموحد، فهي تعوّل على الانقسام أكثر من وحدة القارة. فالانقسام يفيدها لأنه يعطيها قوة للضغط ويفسح أمامها مجالات كثيرة للمناورة بين شمال القارة وجنوبها وشرقها وغربها. فأميركا وبسبب هيمنة حفنة الأيديولوجيين صنّفت أوروبا خارج معادلتها الجديدة وباتت ترى في الدول المنضوية حديثا إلى الحلف «حصان طروادة» لانهاك القارة واستنزافها.

المشروع الأميركي كبير وخطير وتداعياته العسكرية التي انطلقت بعد 11 سبتمبر لم تشبع هواجس الأيديولوجيين، لذلك يتوقع في حال جددت فترة ثانية للرئيس جورج بوش ان تستكمل «كتلة الشر» ما وصلت إليه من أهداف سياسية تتجاوز كثيرا حدود العالم العربي - الاسلامي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 577 - الأحد 04 أبريل 2004م الموافق 13 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً