العدد 586 - الثلثاء 13 أبريل 2004م الموافق 22 صفر 1425هـ

مستندات سبتمبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد نشر مذكرة 6 أغسطس/ آب 2001 ارتفعت تكهنات كثيرة عن معنى نشرها الآن، وهل هي فعلا المستند الوحيد الذي تملكه إدارة البيت الأبيض لاتهام تنظيم «القاعدة» بأنه وراء هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

المذكرة المنشورة لا تقول ذلك ولكنها تخلط مجموعة معلومات مشوشة تشير إلى احتمال قيام هجمات ولكنها لم تحدد مكانها ولا زمانها. وهذا يعني أن المذكرة ناقصة في أخبارها ولا يمكن الاعتماد عليها كدليل حسي يقطع أو يبرر اتخاذ إجراءات قاسية داخليا لمنع هجوم لا يُعرف مكانه أو زمانه.

المذكرة في معلوماتها ضعيفة وهشة، كذلك ربطها للحوادث جاء في سياق غير واضح وأحيانا مرتبك. الأمر الذي يثير فعلا أسئلة عن الأسباب التي دفعت الإدارة الأميركية إلى التكتم عليها ومنع تداولها وكأنها سر مقدس يكشف ما لا يعرف. المذكرة مخابراتيا عادية جدا، فهي مثلا تتحدث عن احتمال استخدام خلايا محلية، أو أشخاص يتمتعون بحق التحرك داخل الولايات المتحدة، أو مجموعة من «القاعدة» تقيم في أميركا وتسافر إليها منذ سنوات، أو عن صلات مع مواطنين أميركيين يقيمون في كاليفورنيا منذ التسعينات، أو عن معلومات جاءت من «مصدر سري» في 1998 تشير إلى أن خلية في نيويورك تجند أميركيين مسلمين لخطف طائرة ومبادلة أسرى، أو عن مراقبة مبان فيدرالية في نيويورك، أو عن تحقيقات ميدانية مع 70 فردا يشتبه في اتصالات لهم مع بن لادن، وأخيرا تشير إلى ذاك الاتصال الهاتفي (العجيب الغريب) بالسفارة الأميركية في الإمارات العربية في مايو/ أيار 2001 يحذر من هجمات في الولايات المتحدة.

كل هذه المعلومات لا قيمة استخبارية لها، كذلك لا تحدد مكان وزمان الضربة المحتملة... وبالتالي لا يمكن اعتمادها كمستند قانوني لشن الحرب على أفغانستان بذريعة منع «القاعدة» من توجيه ضربة محتملة ضد أميركا. ففي ذاك الوقت لم تكن واشنطن اعتمدت استراتيجية «الحروب الدائمة» وتكتيكات «الضربات الاستباقية» وكان من الصعب عليها إقناع العالم بحربها قبل حصول الضربة. فالضربة كانت ضرورية وكان لابد من حصولها حتى تتحرك الآلة العسكرية خارج حدود الولايات المتحدة.

كان على واشنطن أن تنتظر الضربة حتى تجد المبرر الكافي أمام العالم للقيام بما قامت به. هذا منطق الأمور. أما المفاجأة التي لم تتوقعها إدارة جورج بوش فهي أن تكون الضربة بهذا الحجم وبهذه الضخامة وضد وزارة الدفاع (البنتاغون) التي يفترض أنها تراقب العالم وإذا بها تتلقى ضربة على رأسها. هذه هي المفاجأة التي لم تكن واشنطن تتوقع أن تتم بتلك الطريقة التي حصلت.

المشكلة إذا لم تكن في القرار وإنما في ضعف المذكرة وذاك الخلل البنيوي في أجهزة الرصد والمراقبة ووسائل التنسيق بين دوائر المخابرات. المشكلة كانت في فقر المعلومات وعدم وضوح الزمان والمكان والمناسبة والوسائل. فالمذكرة تتحدث عن احتمال خطف طائرة للمبادلة ببعض الأسرى ولم تجزم بتحويل أدوات الخطف إلى وسائل هجومية ضد أهداف محددة.

نشر المذكرة إذا وفي هذا الوقت جاء لمصلحة بوش الذي ضخم أهمية الوثيقة ليكشفها لاحقا حتى يؤكد أن إدارته لم تقصر في إدراك الأمر بل الأجهزة هي التي قصرت وقللت من خطورة ما سيحصل. وما حصل كان مفاجأة للأجهزة وليس للإدارة.

هذه النقاط لاشك في أنها تصب في مصلحة حملة بوش الانتخابية. ولكن هناك أيضا مجموعة أسئلة تصب في مصلحة منافسه الديمقراطي على منصب الرئاسة، ويمكن إيجازها في الآتي:

أولا، المذكرة لا تتحدث عن العراق ولا تشير لا من قريب أو بعيد إلى دور ما للنظام السابق... إذا لماذا وسعت الإدارة الأميركية دائرة الحرب ونقلتها من أفغانستان إلى العراق.

ثانيا، لماذا سكتت الإدارة طوال هذا الوقت على نشر مثل هذه الوثيقة العادية جدا في معلوماتها.

ثالثا، كيف يمكن أن تعلن دولة كبرى حربها الخاصة ضد دولة أخرى من دون أن تنشر الوثائق (المبررات) المتعلقة بها.

رابعا، هل من المعقول أن تكون المذكرة (وثيقة باهتة في معلوماتها) هي المستند الوحيد الذي تملكه إدارة البيت الأبيض؟... فإذا كان الأمر كذلك فيعني أن الطرف الذي أرسلها قبل شهر من الضربة أراد ذَرّ «الرماد في العيون» وتوجيه التحقيق وقطع الطريق على طاقم بوش للتفكير في احتمالات أخرى غير «القاعدة» وأفغانستان.

لابد إذا من وجود وثائق ومستندات أخرى غير هذه التي نُشرت. وإذا كانت موجودة فلماذا لا تُنشر وإذا لم يكن لدى الإدارة سوى هذه المذكرة فمعنى ذلك أن واشنطن تورطت في حرب كبرى استنادا إلى وثيقة ضعيفة وتافهة في معلوماتها. وهذه قصة مختلفة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 586 - الثلثاء 13 أبريل 2004م الموافق 22 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً