ظهر فن الجداريات كظاهرة فنية تشكيلية للمرة الأولى في بلاد الرافدين وفي مصر نحو 3,000 سنة ق.م قبل أن ينتقل إلى أوروبا ويجير لصالحها. فالآثار العراقية المنقولة إلى أوروبا بدءا من بوابة عشتار والثيران المجنحة كانت قد نقلت إلى الأوروبيين تفاصيل هذا الفن وإن اختلفت الأساليب وتعددت المعالجات واستخدام الخامات، وذلك التأثير بدا واضحا في أعمال فنانين مرموقين أمثال: جيوتو، وأوسيلو، ومايكل أنجلو.
وظل الفن الجداري لصيقا بالحضارة العربية واكتسب خصائص وفيرة مع تتابع فصول تلك الحضارة واحتكاكها بالحضارات الأخرى. وكان العصر الأموي هو الذي سجل لنشوء الفن الإسلامي الخالص الذي جاء كمحصلة للفنون التي كانت سائدة في بلاد الشام من فنون البيزنطيين والسوريين والحضارة الساسانية المسيحية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى قبيل ظهور الإسلام وصولا إلى عناصر الثقافة العباسية ومؤثراتها، إذ تزاوج الخط العربي مع النقش مع صور الأشجار والقصور والحيوانات في نسيج فسيفسائي سجل لأروع جداريات الموزاييك التي عرفها تاريخ فن العمارة. ومن أهم الجداريات مسجد قبة الصخرة في القدس الشريف وكذلك محراب الجامع الكبير في قرطبة والجامع الأموي في دمشق الذي يشتهر بلوحته المعروفة بلوحة بردى وهي لوحة كبيرة موجودة بالركن الجنوبي الغربي من المسجد تمثل منظر نهر بردى وهو يخترق الفوطة الغناء ويدخل دمشق. ويبلغ طول تلك اللوحة الفريدة من الفسيفساء قرابة 38 مترا وارتفاعها 7 أمتار، وهي أكبر مسطح من الفسيفساء كشف عنه حتى اليوم.
وانسحبت الجداريات على مساحة الجغرافية العربية حتى شارفت حركة فنون الحداثة وما بعد الحداثة أيضا، إذ تسجل مدينة أصيلة في المغرب لظاهرة فنية هي سابقة بين مدن الشمال الإفريقي إذ ان الجداريات المنتشرة في أزقتها وفي واجهاتها البحرية تحيل المكان إلى مهرجان دائم للون والحب لا يهون
العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ