العدد 597 - السبت 24 أبريل 2004م الموافق 04 ربيع الاول 1425هـ

سينما سنغافورة... البحث عن هوية ضائعة

بعد ركود استمر قرنين متتاليين خلال السبعينات والثمانينات انتعشت سوق إنتاج وصناعة الأفلام في سنغافورة من جديد العام 1991، إذ كانت تعتبر الدولة الوحيدة في جنوب شرق آسيا التي لا تمتلك سوقا محلية لصناعة الأفلام. والسبب في ذلك يعزا إلى عدم اعتبارها كجمهورية مستقلة لمدة طويلة كونها مستعمرة بريطانية حصلت على حق الحكم الذاتي في العام 1959.

وخلال السنوات العشرين التالية، كرست الحكومة جل جهودها لمهمة بناء الجزيرة وتحويلها من دولة نامية إلى دولة صناعية حديثة ومتطورة.

في بداية التسعينات كان واضحا أن هدف تحقيق الرخاء الاقتصادي قد تحقق في سنغافورة وفي الوقت نفسه، أدى السعي وراء الثروة المادية والتركيز بشكل رئيسي على العلوم والتكنولوجيا إلى إهمال جانب الثقافة والفنون. ثم وجد تعبير «الصحراء الثقافية» طريقه في النقاشات الحكومية وسرعان ما اكتشفت الحكومة السنغافورية أن النشاطات الفنية والثقافية تدر الربح الاقتصادي وصمّمت بعدها على تَحويل سنغافورة إلى «مدينة عالمية حيوية للفنون».

وعلى أية حال لم تكن الأفلام في ذلك الوقت تعتبر شكلا من أشكال الفنون إذ اعترف بها كفن رسمي العام 1997 من قبل مجلس الفنون الوطني لتنضم بذلك إلى المجالات الأخرى الأكثر تأسيسا مثل المسرح، الموسيقى، الرقص، الأدب، التصوير الفوتوغرافي والفنون البصرية. في هذه الفترة، أنتجت مجموعة من الأفلام المحلية مثل الدراما النفسية الناجحة Mee Pok Man (1995) لإيريك كوهو إذ اعتبر الفيلم المرحلة الأولية في التجربة السينمائية السنغافورية التي جاءت ببوادر أمل فنية. ثم جاء الفيلم الكوميدي Army Daze (1996) لمخرجه كينغ سينس الذي حقق نجاحا باهرا في شباك التذاكر. بين العام 1991 و1997 أنتج فيلمان فقط هما: فيلم Medium Rare (1991) وفيلم Bugis Street إذ لم ينتجان بجودة الأعمال السابقة.

في العام 1997، صورت ثلاث أفلام أخرى جديدة من بينها كان فيلم The Road Less Traveled لمخرجه ليم سوت ين وفيلم إيريك كوهو 12 Storeysوهو تصوير واقعي للوحدة والعزلة في المساكن الشعبية. حصل الفيلم على الكثير من الاهتمام والشهرة وأصبح أول فيلم من إنتاج سنغافوري يعرض في مهرجان كان.

على رغم أنه كان هناك الكثير من المتحمسين لفكرة إنتاج الأفلام المحلية إلا أنه كانت هناك مشكلة ملحّة تمثلت في قلة التمويل المالي لمنتجي الأفلام الشباب. فالأفلام التي أنتجتْ العام 1997 على سبيل المثال كَانتْ جميعها غير ممولة من قبل الحكومة وتراوحت أسعار إنتاجها من 300,00 دولار إلى 1 مليون دولار.

ثم أدى انطلاق اللجنة السنغافورية للأفلام (إس إف سي) في أبريل/ نيسان 1998الى اهتمام الحكومة أكثر بقطاع إنتاج الأفلام الأمر الذي دل على أن الحكومة كانتْ أكثر جدّية بشأن تَطوير صناعة السينما الوطنية، إذ أصبحت مستعدة لتزويد منتجي الأفلام بالمعونات المالية لمن يستحقها بطريقتها الحذرة والمألوفة. وفي الوقت الجاري فإن الحكومة السنغافورية تقدم التمويل اللازم للأفلام المحتمل نجاحها على هيئة قروض بقيمة 250,000 دولار أميركي و5000 دولار أميركي كهبات للأفلام القصيرة الناجحة.

وفي العام 1998، أنتجت أربعة أفلام ناجحة، كلها أنتجت من دون تمويل حكومي. أحد هذه الأفلام هو Forever Fever الكوميديا الرومانسية لغلين جويز الذي أستلهم قصتها من فيلم السبعينات Saturday Night Fever، وقد وصلت كلفة انتاج الفيلم إلى 5,1 مليون دولار أميركي ثم التقطت شركة ميراماكس مشروع إنتاج الفيلم وأعادت عرضه في الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان That is the Way I Like it ليصبح بذلك الفيلم الأول من نوعه والذي يسوق خارج آسيا. إلا أن النجاح الأكبر الذي تحقق في السنة ذاتها كان من نصيب الفيلم الكوميدي Money No Enough للمخرج تي تك لوك الذي كلفت موازنة إنتاجه 850,000 دولار أميركي. الفيلم ظهر قي الوقت المناسب إذ جاء في ذروة الأزمة الاقتصادية الآسيوية وحقق أرباحا هائلة قدرها 84,5 مليون دولار في أربعة أشهر فقط وتدور حوادث الفيلم حول ثلاثة أصدقاء وقعوا في مأزق مالي. لقد كانت المرة الأولى التي يصور فيها فيلم بإحدى اللهجات السنغافورية المحلية وهي لهجة الهوكين إذ مهدت الطريق لاستعمال اللهجة المحلية (مزيج من الصينية المالاوية والعامية الإنجليزية) في الأفلام.

وكما هو متوقّع، فقد عزز نجاح فيلم Money No Enough في شباك التذاكر ثقة المستثمرين ما أدى إلى ظهور الكثير من الأفلام المحلية الإنتاج في السنة التي تلتها لكن هذه الأفلام لم تكن في مستوى الأفلام السابقة والبعض الآخر منها كان نسخة رديئة من فيلم Money No Enough باستثناء فيلم Eating Air الذي كان يعتبر من أفضل الأفلام التي أنتجت في سنغافورة العام 1999 وكان من الممكن جدا أن يحصل هذا الفيلم على دعم مادي من قبل لجنة الأفلام المحلية إلا أن القائمين على الفيلم كإلفين تونغ أفلام لكل فرد وياسمين ان. جي حصلوا على استثمار خاصّ في مكان آخر. وتدور حوادث الفيلم حول مجموعة من المراهقين الذين يستقلون الدراجات البخارية وتكلف إنتاج الفيلم 800,000 مليون دولار بالإضافة إلى كلفة الدعاية والإعلان لكن الأرباح لم تغط كلفة الإنتاج.

من بين الأفلام الثمانية التي عرضت على الشاشة في تلك الفترة حقق فيلم واحد فقط وهو الفيلم الكوميدي Liang Po Po أرباحا طائلة وصلت إلى 3,03 ملايين دولار ليصبح بذلك من الأفلام المتربعة على عرش القمة. وعلى أية حال فإن نجاح الفيلم راجع إلى الحملة الدعائية الكبيرة له والمخططة بإحكام والتي لم يسبق لها مثيل في الإنتاج السنغافوري. يعتبر فيلم Liang Po Po الانتاج الأول التابع لشركةaintree شركة صنع الأفلام التابعة لشركة تلفزيون سنغافورة وفي الوقت الجاري، فإن الشركة تعتبر من أفضل شركات إنتاج الأفلام في سنغافورة. هدف الشركة هو إنتاج أفلام عالمية ترضي جميع الأذواق لتجذب الأسواق الدولية والآسيوية أيضا ولتحقيق هذا الهدف وضعت استراتيجيات معينة مثل الاستعانة بممثلين إقليميين مشهورين من هونغ كونغ وماليزيا لتصوير الأفلام وإفساح المجال للتعاون الإقليمي، كما هو الحال في الفيلم الثاني الذي أنتجته الشركة Truth about Jane and the Sam (1999) الذي أنتج بالتعاون مع المخرج الهونغ كونغي ديريك الذي كتب وأنتج الفيلم بنفسه. الفيلم عبارة عن قصة رومانسية بين شخصين متناقضين. لعب المغني التايواني بيتر هو دور المراسل السنغافوري بينما لعبت نجمة التلفزيون السنغافورية فان وونغ دور الفتاة المتمردة في هونغ كونغ. حقق الفيلم إيرادات عالية وصلت إلى 1,06 مليون دولار وعرض في ماليزيا وتايوان والصين.

وفي الأفلام التي أنتجت فيما بعد، توجهت شركة اينتري نحو تسويق أفلامها في المحافل الدولية مثل فيلم 2000D الذي أصدر في فبراير/ شباط العام 2000 والمأخوذ من النصّ السينمائي الأصلي للفيلم الأميركي Independence Day. على رغم الحملة الدعائية والإعلانية الضخمة للفيلم فقد جنى أرباحا تقدر بـ 900,000 مليون دولار فقط في سنغافورة. ولحسن الحظ فان المنتجين استطاعوا تسويق الفيلم ليس فقط في البلدان الآسيوية الأخرى وأجزاء من أوروبا لكن أيضا إلى شركة Miramax الأميركية الشهيرة.

هذا الحماس المتوقد للتوجه نحو تسويق الأفلام السنغافورية في الأسواق العالمية جاء بسبب عدد سكان الجزيرة المحدود والذي لا يتعدى الأربعة ملايين نسمة. هذا العدد صغير جدا غير كاف لتشجيع صناعة سينما محلية مربحة وناجحة. على رغم ذلك، فإن الإقبال على الحضور السينمائي في سنغافورة وصل إلى ذروته في فترة السبعينات إذ وصل إلى نحو 19,3 لكل فرد إلا أن هذا الرقم هبط إلى 5,2 بحلول الأزمة المالية العام 1998. أما اليوم فان هذا الرقم انخفض إلى 4 على رغم توافر قاعات سينما جديدة وفاخرة مع التسهيلات في شراء التذاكر.

سبب هذا الركود، كما يعتقد مروجو الأفلام هو مشكلة قرصنة أقراص الفيديو المضغوطة(VCD) في آسيا والتي قطعت نحو 30 في المئة من أرباح شباك التذاكر. بالإضافة إلى ذلك فان ظهور الكثير من وسائل الراحة العصرية الجديدة مثل الإنترنت ومراكز ألعاب الكمبيوتر فضلا عن انتشار المقاهي المتنوعة ساهمت أيضا في تقليل الإقبال السينمائي. العامل الآخر المساهم هو محدودية الخيارات السينمائية بالنسبة إلى المشاهدين على رغم وجود نحو 170 شاشة عرض في الجزيرة فانتشار قرصنة أقراص الفيديو المضغوطة كما يعتقد بعض المسئولين أجبر الموزّعون على عرض أفلامهم الجديدة بسرعة وتزامنا مع مواعيد العرض في أميركا و هذا يعني بأن عدد الأفلام التجارية المعروضة محدود جدا.

واجه منتجو الأفلام الجدد في سنغافورة مشكلات كلفة الإنتاج المتصاعدة ومبيعات التذاكر الهابطة فقاموا بالتحويل إلى التصوير بالفيديو الرقمي وهي طريقة أرخص وأكثر عملية لمنتجي الأفلام والممثلين عديمي الخبرة. أول فيلم صور باستعمال هذه التقنية هو الفيلم الكوميدي Stamford Hall الذي أنتج من قبل مجموعة من طلبة الجامعة. ثم توالت بعد ذلك الأفلام مثل فيلم Stories about Love الذي جاء على ثلاث حلقات وفيلم Return to Pontianak لمخرجه ديجن والذي تكلف انتاجه نحو 180,000 دولار أميركي. الفيلم مستوحى من قصة الخمسينات الشعبية الشهيرة لفيلم Pontianak التي تدور حوادثه المرعبة حول مصاصة دماء ومجموعة من الطلاب الذين يسخرون جهودهم للبحث عن مدينة مالاي الضائعة.

إذا كانت أفلام هوليود وهونغ كونغ تواجه صعوبة في اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين في سنغافورة، فإن الأمر يكون أصعب من ذلك بكثير عندما يتعلق الأمر بالأفلام المحليّةَ التي عادة ما تكون محصورة بالموازنات الضيّقة، والموضوعات والأساليب التكرارية وأداء الممثلين غير المقنع. إن معظم منتجي الأفلام السنغافورية يصنفون في فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات لذلك فإن مواهبهم الفنية تحتاج إلى فترة كافية لكي تصل إلى مرحلة النضج. حتى ذلك اليومِ على أية حال فإن صناعة الأفلام في سنغافورة يجب أن تستمر والأمر المشجع حقا أن معظم منتجي ومستثمري الأفلام المحليين يبدون رغبة كبيرة في التجربة والاستكشاف.

بالإضافة إلى فيلم Return to Pontianak، ظهرت عِدّة إصدارات جديدة العام 2001 من ضمنها فيلمان جديدان من إنتاج شركة Raintree. الفيلم الأول هو The Treeوالذي يدور حول العلاقة بين أم وابنها. يلعب دور البطولة الممثلة السينمائية الشهيرة زوي تاي والممثل الهونغ كونغي فرانسيز ان جي الذي حاز على الكثير من الجوائز السينمائية. الفيلم الثاني هوOne Leg Kicking وهو عمل كوميدي مشترك مع شركة سايبرفليكس أنتج من قبل إيريك كوهو الذي سيقوم بنفسه بإخراج الفيلم.

وهناك إنتاج آخر أكثر دموية في الطريق وهو فيلم Is It Murder? الذي تدور حوادثه حول قصة جريمة مثيرة مقتبسة من كتاب Murder is My Business للأستاذ كايو جنغ. الفيلم ممول من قبل الشركة السينمائية الجديدة ساين أرت وسيلعب دور البطولة الممثل الشهير كين كايو. وأخيرا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون الدفعة الجديدة من الأفلام في سنغافورة جيدة بما فيه الكفاية لإرضاء الجمهور أو العكس تماما؟ نحن لا نستطيع أن نجزم الآن كل ما بوسعنا عمله هو أن ننتظر ونتمنى ونطمح للأفضل





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً