العدد 602 - الخميس 29 أبريل 2004م الموافق 09 ربيع الاول 1425هـ

الرسالة التي تنتظرها نساء العالم

«فلنضع حدا للعنف ضد المرأة»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

منظمة العفو الدولية وضمن حملتها التي تشنها منذ مارس/ آذار 2004، وبغرض وضع حد للعنف ضد المرأة، عممت تقريرها الذي جاء بعنوان «مصائرنا بأيدينا - فلنضع حدا للعنف ضد المرأة». وهي رسالة تورثها المنظمة للعالم، وتقوم فيها بتسليط الضوء على مسئولية الدولة والمجتمع والأفراد لوضع نهاية لهذه الظاهرة، إذ جاء في تقديمها وعلى لسان الأمينة العامة للمنظمة إيرين خان: «مما يزيد من شدة العنف ضد النساء ووطأته أن كثيرا من الحكومات تغض الطرف عن حوادث العنف ضد المرأة وتسمح أن تـُرتكب، وأن يظل الجناة بمنأى عن العقاب والمساءلة». وتضيف قائلة: «وفي كثير من الأحيان، يؤدي تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة والهياكل الاجتماعية إلى تعزيز تسلط الرجل على حياة المرأة وجسدها».

وفي منحى آخر، تؤكد أن العنف ضد المرأة جعل من انتهاك حقوق الإنسان شأنا عالميا، وأن دوامته تعصف بحياة النساء من شتى البلدان والقارات، ومن مختلف الأديان والثقافات والخلفيات الاجتماعية، متعلمات وأميات، ومن طبقات غنية وفقيرة، وممن يعشن في أوار الحرب أو ينعمن بالسلم. وقد شكل هذا الواقع تحديا على صعيد إنجاز المعاهدات الدولية والقوانين والسياسات، ولكن هذه الإنجازات مازالت قاصرة عن تلبية الاحتياجات الحقيقية. ولا يفوتها أن تنوه إلى عدم منفعة هذه المعاهدات ما لم تنفذ على النحو الأكمل.

ويشكل هذا الأمر تحديا للنساء، في كيفية مراقبة تنفيذ بنود اتفاق «سيداو» الذي وقعته الحكومة للحد من ظاهرة التمييز الممارس ضد نساء البحرين وليس فقط في الجهود المبذولة لإعداد تقارير دفترية على رغم أهميتها، بهدف تبييض ملف السيرة الذاتية المقدم للمؤتمرات الدولية!

وطالبت أيرين خان بالتعهد علنا بجعل حقوق الإنسان واقعا ملموسا بالنسبة الى النساء، وإلغاء القوانين التي تنطوي على تمييز ضد المرأة، واعتماد قوانين تجرم الاغتصاب، والاستماع إلى أصواتهن. وكم نحن في ظمأ وحاجة الى هذا الاستماع، وكم الحكومة مطالبة برصد الموازنات وتسخير الطاقات لإنشاء هذه المراكز. بيد أن اللافت المشجع في تصريحها، هو السعي إلى كسب تأييد الرجال وتضامنهم، إذ انه هو الآخر لا يسلم من المعاناة عندما تتعرض المرأة للعنف، فالرجل في نهاية المطاف أب حنون، وزوج حبيب، وأخ صديق، ورفيق عزيز... إلخ. والأهم من ذلك أن حملة المنظمة لا تهدف إلى تقديم المرأة في صورة الضحية والرجل هو الجاني، إنما إلى إدانة أعمال العنف ذاتها، ما يوجب ان يتحمل كل فرد المسئولية بعدم ارتكاب العنف، وألا يسمح للآخرين بارتكابه أو يتسامح معه. والسؤال للرجال الذين إذا شاء سبحانه وتعالى وأنزل الرحمة علينا واستوقفهم عند هذا التقرير، هل يمتلكون الضمانة لهذا التعهد الحضاري؟ مجرد سؤال!

فلنضع حدا للعنف ضد المرأة

تضمن الفصل الأول من التقرير شهادات للكثير من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي من قبل رفيق العمر وتهديداته المستمرة، وأخرى لذات الستة عشر ربيعا وتعرضها لاغتصاب على أيدي ثلاثة جنود في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأطلقوا النار على أمها عندما حاولت حمايتها. كما أورد حقيقة الـ 15 فتاة اللواتي لقين حتفهن جراء حريق شب في مدرستهن بمكة المكرمة في 11 مارس/ آذار 2002 وسببها ذهنية الانغلاق التي تتعامل بتمييز ضد المرأة. وكانت هذه الشهادات أساسا، لتحديد أشكال العنف الأسري، في صورة ضرب واعتداء جنسي وتشويه للأعضاء التناسلية، واعتداء على خدم المنازل من حبس وقسوة وظروف مماثلة للرق، أو العنف المجتمعي من اغتصاب ومضايقة في أماكن العمل أو التعليم وغيرها، والاتجار بالنساء وإرغامهن على البغاء والعمل القسري، إضافة إلى العنف بسبب النوع الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، من جانب عناصر رسمية، أو أفراد شرطة أو حراس سجون ومسئولو الهجرة.

وتختلف أشكال العنف باختلاف البلدان، وتفتقر كثير من الدول إلى أنظمة محكمة للإبلاغ لتحديد مدى تفشي العنف ضد المرأة، وهذا ما يسهل للحكومات والأسرة والمجتمعات تجاهل مسئولياتها. والعنف يعمل على تعزيز التمييز. كما انه من الآليات الاجتماعية التي تفرض واقع تبعية المرأة للرجل. ومن أسباب العنف ضد المرأة العنصر والعرق والثقافة واللغة والهوية الجنسية والفقر والصحة. والتعرض للمزيد من العنف يضعف من احترام المرأة لنفسها، ويحد من قدرتها على الدفاع عن نفسها أو التحرك ضد من يعتدى عليها. كما أن له تأثيرا في إحداث اضطرابات صحية وعقلية، علاوة على أن تعرض الأطفال لمشاهد العنف يجعلهم ضحايا ومرتكبين له في المستقبل.

وتشهد قرائن الحال وشهادات المحاكم على ان كثيرات لا يرغبن بملاحقة الرفقاء الحميمين من خلال الإجراءات القانونية بسبب الارتباط العاطفي والخوف من فقد حضانة الأبناء أو المورد المالي. كما قد يحملهن القضاء المسئولية عن العنف بسبب «التحريض» أو «الحض» النابع من سلوك المرأة نفسها.

هل من إنجازات تحققت؟

طبعا، فمن بينها تحويل مفهوم العنف ضد المرأة من نطاق الحياة الخاصة إلى مسألة تمثل مبعث قلق في الحياة العامة. والعنف ضد المرأة ليس مجرد جريمة، بل هو انتهاك للحقوق الإنسانية، فوصف الاغتصاب على أنه تعد على شرف المرأة أو عفتها غير كاف، بل هو شكل من أشكال التعذيب، ما يعني أن السلطات العامة مطالبة بالتحرك.

ويشير التقرير إلى أن حقوق المرأة لا تحظى بالأولوية على جدول أعمال كثير من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب التي لا تزال تحجم عن الاعتراف بها كحقوق إنسانية. وتضم بعض منظمات المجتمع المدني رجالا من مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة، ما يستوجب التغلب على التحيز ضد اضطلاع المرأة بدور قيادي في المجتمعات التي تعتقد أن دور المرأة يقتصر على المسئوليات العائلية فحسب. فضلا عن تعرض من يجرأون على تحدي التقاليد والأعراف إلى تشكيك في شخصياتهن، فيوصفن بأنهن كارهات للرجال أو عاهرات، أو لا يصلحن للزواج، أو مشاغبات. وكثيرا ما تتهم النسوة اللاتي يمارسن الاحتجاج على القوانين والممارسات التي تتسم بالتمييز بالخروج عن الدين أو التراث أو العداء للدولة.

السلوك الجنسي والعنف والحقوق

وعالج الفصل الثاني «السلوك الجنسي والعنف والحقوق»، التي يستخدم فيها العنف للسيطرة على سلوك المرأة، وضمان العفة وتوارث الممتلكات، والحفاظ على مكانة الأسرة والمجتمع. فمن أجل «حماية» النساء تفرض كثير من المجتمعات قيودا، وكثيرا ما تعاقب من يخرجن عليها. وأكّد حق المرأة في السيطرة على سلوكها الجنسي بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية من دون التعرض للقسر والتمييز والعنف وبما يتطلب علاقات متساوية بين الرجل والمرأة تضمن السلامة والاحترام المتبادل والرضا واقتسام المسئولية عن السلوك الجنسي وعواقبه.

كما أورد مجموعة من التعريفات للحقوق الجنسية التي قد تلتقي مجتمعاتنا المحافظة مع بعضها وتتنافر مع الآخر، من أهمها احترام السلامة الجسدية، واختيار الشريك، والزواج بالتراضي والدعوة الى التعليم الجنسي، واستشهد بإعلان القاهرة الذي نادى باتخاذ القرار بخصوص الإنجاب من قبل الزوجين إذ لكل فرد أن يقرر بحرية ومسئولية عدد مرات إنجاب الأطفال والمدة الفاصلة بين طفل وآخر وتوقيت الإنجاب والحصول على المعلومات والوسائل التي تمكنه من ذلك، والحق قي الحصول على أعلى مستوى من الصحة الجنسية والإنجابية، دون التعرض لتمييز أو إكراه أو عنف.

النوع الاجتماعي

وفي الفصل الثالث «الثقافة والمجتمع والعالمية»، أشار إلى أن مفهوم النوع عنصر أساسي في عدم المساواة. فالأدوار المستندة إلى النوع الاجتماعي للمرأة تضفي عليها عموما قيمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أقل من الرجل. والعنف ضد المرأة لا ينبع من التصورات النمطية السائدة بخصوص النوع، بل ويُستخدم في السيطرة على المرأة في المجال الذي تهيمن عليه المرأة تقليديا وهو البيت.

الفقر والتمييز وصمة عار

وفي الفصل الرابع تناول الفقر والتمييز واعتبرهما وصمة عار، إذ تزيد باطراد معدلات تفشي الفقر بين النساء عنها بين الرجال في شتي أنحاء العالم، وتتعرض النساء للتمييز في فرص العمل والأجور والحق في امتلاك عقارات بأسمائهن. والضرر الذي يلحقه العنف بالمرأة لا يعيق قدرتها على كسب العيش الذي يكفل لها حياة كريمة فحسب، بل ونتيجة للنبذ والاستبعاد يكن عرضة للحرمان من الرعاية الصحية ومن فرصة إعالة أنفسهن. ومن نتائج العولمة هو إجبار أعداد ضخمة من النساء وبسبب الفقر والتهميش على ترك ديارهن بحثا عن عمل، وبذلك يصبحن أكثر عرضة للاستغلال والعنف.

الحروب والصراعات

ويشرح التقرير في الفصل الخامس تأثير الصراعات والحروب وتفشي النزعة العسكرية، وتكفينا إشارته إلى معاناة المرأة الفلسطينية، وخصوصا منذ بدء الانتفاضة في سبتمبر/ أيلول 2000، إذ تحول عمل الجماعات النسائية الفلسطينية للتصدي لعنف الاحتلال والصراع على أيادي القوات الصهيونية، إذ هدمت آلاف المنازل وجرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وقتل ما يزيد على ألفي شخص، وسجن الآلاف من الفلسطينيين وشلت حركة التجوال وعرقلة الوصول إلى أماكن العمل والحصول على التعليم والصحة والاتصال بالأقارب والأصدقاء بسبب الحصار، كما أدى تدمير الاقتصاد الفلسطيني إلى زيادة نسبة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى ما يتجاوز 60 في المئة.

الإفلات من العقاب

وتناول التقرير في الفصل السابع الإفلات من العقاب، ما يعني التقاعس عن تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، ولا يجري التحقيق بتاتا في معظم أعمال العنف ضد المرأة، ويقترف مرتكبوها جرائمهم وهم آمنون لأنهم يعرفون أنهم لن يتعرضوا للاعتقال أو المحاكمة والعقاب. ولا تسعى النساء إلى نيل العدالة لأنهن يعرفن أنهن لن ينلنها.

نظم قضائية موازية

في الفصل الثامن عرض رؤيته في النظم القضائية الموازية، ومن أمثلتها «القضاء العرفي»، الذي يتم من خلاله الجمع بين الضحايا ومرتكبي الجرائم وإتاحة الفرصة للطرفين وبمشاركة ممثلين للمجتمع أحيانا، لمناقشة الجريمة وكيفية إصلاح الضرر. تسوية هذه الصراعات تنبع من تقاليد المجتمع الراسخة، ويعاد صوغها في رحاب المؤسسات الثقافية وبمساعدة واستشارات قانونية، ولكن مثل هذه الأنظمة القضائية البديلة أو «العرفية»، تنطوي على خطر، فهي قد تضعف نظام العدالة الجنائية الرسمي.

المناهضة والتغيير

واختتم التقرير بالبحث عن سبل مناهضة العنف ضد المرأة، ولخص أبرزها إشراك آليات حقوق الإنسان والدعوة إلى توفير المعلومات الدقيقة والموثقة من سجلات الشرطة والمحاكم وأسر الضحايا ما يعزز دور المنظمات النسائية؛ المجاهرة بمعارضة الانتهاكات؛ التوعية وتثقيف النساء بحقوقهن؛ واستنهاض مسئولية المجتمع والخضوع للمحاسبة فردا أو مجتمعا؛ وتفعيل الأشكال المختلفة للعقوبات كوسيلة لمكافحة العنف ضد المرأة؛ والتصدي لجميع المواقف والتصورات النمطية والدينية والاجتماعية والثقافية التي تحد من إنسانية المرأة؛ والنهوض بفرص المرأة في الوصول إلى السلطة السياسية، وعملية صنع القرار والموارد على قدم المساواة مع الرجل.

وناشد تقرير منظمة العفو الدولية المجتمعات للعمل على إيجاد بيئة تدعم المرأة، وتوفر المساعدة لضحايا العنف والتوعية، ودعا الهيئات الدينية والسلطات التقليدية وغير الرسمية إلى إدانة أي عمل يشجع على ممارسة العنف ضد المرأة أو يتغاضى عنه، واتخاذ إجراءات تأديبية للجماعات المسلحة في حال انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ومواجهة الصورة السلبية للمرأة في وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ووضع استراتيجيات محلية لمكافحة العنف ضد المرأة.

ما جاء به التقرير ليس اكتشافا جديدا أو نظرية هبطت علينا كمنقذ من السماء، انما هذه الشهادات تعبر عن حقيقة معاناة النساء من الظلم في شتى بقاع العالم، وقد تكون تجارب مقاومة النساء في بعض المجتمعات متطابقة في الأصل مع مقاومتهن في مجتمعاتنا، وقد تكون مظاهر معاناة أخريات لا شأن لنا بها بتاتا، وبعيدة كل البعد عن نضالاتنا وبيئتنا وتراثنا، لكن تبقى المعاناة ذاتها على رؤوس النساء، ويظل الجانب الإنساني المشرق، والمشترك الذي يجمع هذه الحلقات، هو ما يشكل خط التواصل واحترام الآخر. إن ممارسة العنف ضد المرأة غير إنساني وليس من مبادئ أي من الأديان السماوية، وهو جريمة في حق المرأة، فلماذا لا نباشر في مكافحته ورفضه ومقاومته والأهم الوقاية منه وإسقاطه من ثقافتنا العربية والإسلامية العريقة التي كانت ولا تزال تحض على احترام الإنسان وحقه في العيش بكرامة وأمن وسلام.

كاتبة بحرينية، والتقرير هو تقرير منظمة العفو الدولية الطبعة الأولى مارس 2004

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 602 - الخميس 29 أبريل 2004م الموافق 09 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً