العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

طابت النفوس

استجلاء للحال، ومعرفة للواقع، الذي يعيشه أبوعامر، وما عاناه من شرر. وضرر، جلباه ولدان أحمقان، ربياهما منذ الصغر، وأغدق عليهما من مال حتى الكبر، وتنعما واستويا عودهما حتى بلغ عامر تسعة عشر، وعمار ثمانية عشر، وكانت أمهما تدعى شريفة زوجته الحبيبة عانت من طيشهما وغرورهما الكثير بلا حدود، حتى ضاقت ذرعا، واستبدّ بها اليأس غما لكنها تراجعت اقتداء بصبر زوجها وحسن تدبيره، ومعالجته الأمور بعقل وحكمة، فتمنت هدايتهما لكن اللين لا ينفع مع أولاد هذا الزمن اللعين، وكم هزّتهما مصائب جِسام لكنهما كالطود الأشم وكان عامر وعمار دائما يتذمران، ويتنازعان، وبالأيدي يتضاربان، وقد يؤدي النزاع إلى صراع دموي بينهما، لا يجلسان معا، ولا يأكلان على مائدة واحدة، وإذا تحدث احدهما مع والديه، كذبه الآخر وسخر منه، كأن له التطوُّل عليه وربما لطمه وشتمه حتى ولو كان بحضرة أبويه ملتصقا، دون استحياء أو احترام لهما، ومن أسوأ مظاهر النزاع تمزيق الثياب والرفسات متى وأين ما كان ولو أن الوالدين نيام، فضاق بهما الخناق، وزاد الغليان وتمنيا أن يموتا، ولا يريان الحياة مصائب وزفرات وتنغيص اللذات، وشماتة الأعداء كأنها فرجة للناس، وحديثا يقال، لكنهما سرعان ما يتراجعان، ويطلبان لهما الهداية وأن يتحابّا ويصيران صفاٌ واحدا كالبنيان، فتنعدم الأحقاد وينعم الجميع بالخيرات والمسرات لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

وذات يوم جاء الولدان يطلبان من والدهما قسمة البيت بينهما ليسقتلا، ولا يرى أحدهما الآخر مدى الحياة، وسمعت أمهما هذا الكلام، فجاءت مسرعة وقالت يا أبا عامر (هيهات أن تنيخ ظهرك وتحني هامتك ليركبا كتفك، ويؤول أمرنا إلى الشتات، نقف على قارعة الطريق بدون مأوى كالركبان)، رفض الأب قسمة البيت دون تردد واهتمام وقال (من أنتما حتى تفرضا عليّ هذا الطلب، وأنا في الحياة، لكن إذا متُّ افعلا ما تريدان واقتسما) فجاءت ردة الفعل عنيفة كالطوفان ونشب النزاع بين الأخوين، فتضاربا بالأيدي، وزادت حدة اللكمات واللطمات وسالت الدماء فتدخل الأب ليفصل بينهما، وينهي الاقتتال، فأصابته لكمة خاطئة فشجُّت رأسه وسالت دماؤه، وسقط على الأرض مغشيا عليه من شدة نزف الدماء، وما أن رأى الأخوان ما حدث هربا من البيت إلى البراري خوفا وندما، وجاءت شريفة مسرعة ومزغردة لتنقذ زوجها وتعالجه، لكن أصابها الإرباك والتعب، ولم تحفظ توازنها فسقطت على زوجها حاضنة، ثم تنهدت الصعداء ونهضت متصلة إلى الطبيب متمتمة، طالبة حضوره بسرعة مستعجلة، وحضر الطبيب وداوى المريض، ثم قال (أوصيك بالراحة دون العمل يومين على الأقل، ولا تشغل نفسك بما حصل)، ثم أن شريفة أضجعته على الفراش، وغطته باللحاف لينام ويستريح.

أخذ عامر وعمار يجولان في البراري، ويقطعان الفيافي، وكان يحمل عامر جرة ماء وأحضر عمار كيسا من التمر، وتقرب عامر إلى أخيه عمار، وطلب منه أن يشترك معه في الماء، والتمر، فيأكلا إذا جاعا، ويشربا إذا عطشنا، ولكن عمار رفض، وابتعد عنه وهرب وهو يقول (لا بارك الله فيها من ساعة أن ألتقي مع الأعداء) قال له عامر: (يا شقيقي يا عمار، دعنا ننسى الماضي أنت إنسان وأنا إنسان فلماذا نحن خصمان، أتراها ضاقت بنا الأرض)؟

لكن عمار لم يأبه بكلامه، وظل سائرا حنقا، فأدار عامر برأسه عنه، وسار في دربه، قاطعا الفيافي، لكنه يراقبه، خوفا عليه من خطر يداهمه.

كان الوقت هجيرا، والشمس محرقة، وكلما عطش عامر شرب من الماء الذي يحمله وتقوى بالصبر على الجوع، أما عمار فإنه لما جاع وأكل التمر، وزادت حميته، وجفّ ريقه عطشا ولم يتحمل العطش، وأصابه الدوران في الرأس، وخفّ توازنه فسقط على الأرض فاقدا للوعي، فرآه عامر على بعد وهو يرتمي على الأرض، فأسرع إليه، وفي يده جرة الماء وأخذه ووسده فخذه، ونفض التراب عنه، وغسل وجهه بالماء، وقطر في فمه، وهو يقبله ويذرف دمعه، تنبه عمار من غفوته، وإذا هو في أحضان أخيه، يسقيه الماء وينتحب لمصيبته ويلملمه ويقبله، فقال في نفسه (ما هكذا أكون سدا منيعا لخدمته، وشوقه متعلق بي منذ أن رآني في القفار وحيدا ولا عندي ماء) وجلس من رميته، واحتضنه وقبّله وربت على كتفه وقال (عند الشدائد تعرف الأخوان) ثم صافحه وحدّثه، وصفت النفوس وطابت القلوب وقررا الذهاب إلى والديهما ليعتذرا، وما إن دخلا البيت رأيا الأم، جالسة عند السرير مكسورة الخاطر، تكفكف دموعها المتحادرة، ورأيا الأب، معصب الرأس، شاحب اللون ويتألم خنقتهما العبرة فبكيا، وتقدما إلى والديهما يطلبان الرحمة والغفران على ما فرطا بحقهما وأناخا بظهريهما وأحنيا هامتيهما يقبلان والديهما، فرضيا وغفرا، واطمأنت النفوس وطابت وزال الخوف.

عبدالله محمد الفردان


إلى مربية الأجيال زوجتي «أم خالد» في الذكرى الثالثة لوفاتها

 

زوجتي الغالية: اكتملت السنة الثالثة لرحيلكِ عن وجه البسيطة وما غبتِ عن ناظريَّ يا مؤنسة أوقاتي ومخففة آهاتي ومضيئة حياتي ومبددة ظلماتي، يا زوجتي الغالية، يا أم خالد... تمرُّ علينا هذه الذكرى أنا وأولادك وكل من عرفك واقترب منك صعبة حزينة، تذوقنا كل آلامها وشعرنا بكل أحزانها وآمنا وصبرنا على قضاء الله وقدره. كانت لحظة الفراق والوداع الأخير تقترب، وأنت تجثمين على فراش المرض - وما كنّا نعلم أنه فراش الموت - ونحن واقفون جانبك ونحفُّ سريرك والخوف يعتري محيّانا والأنامل ترتعش رهبة مما هو آتٍ، بدأتْ دقات قلبك المليء بالحب والإيمان والحنان لنا وللناس جميعا تقترب من التوقف ولم تعدْ تجدي كل أجهزة التنفس والإنعاش ودعواتنا المتتالية والمتواصلة إلى الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنك سكرات الموت، وفجأة علت أصوات الأجهزة وتوقف قلبك عن دقات الدفء والحنان التي اعتدنا عليها، وعرجت روحك الطاهرة إلى خالقها أمام ناظرينا في لحظات سريعة وكل الألسنة حولك تلهج بالدعاء، وخيّم الهدوء على الحجرة وحلّ جو من الحزن والسواد، لكن النور المشعّ من وجهك المضيء خفف ظلمتها، وعبقت رائحة طيبة زكية شعرنا بها كلنا، ولاحظتُ النور نفسه وأنا أحمل جثمانك الطاهر إلى القبر ومعي أولادك وجميع محبيك.

لقد وهبتِ حياتكِ لي ولأبنائكِ وذللتِ الصعاب والعقبات لنا حتى نجحنا في حياتنا، واجتمعنا على أمور كثيرة في حياتنا وحب العلم والاهتمام بالتعليم من الأمور التي لم نختلف فيها قط، فأنتِ من حرصتِ على العلم واهتممتِ بأمور التربية والتعليم وقدتِ مدرستكِ إلى هرم مدارس وزارة التربية والتعليم في البحرين وساعدتني في أن أكون ممن يهتمون ويبذلون الجهد للارتقاء بإدارة المدارس على الوجه الذي يرضاه الله، وكنتُ دائما أحقق الفائدة جرّاء تناقشنا سويا في أمور الإدارة والتربية.

قري عينا أم خالد فقد أكمل أبناؤك جميعهم تعليمهم الجامعي ويسعون الآن للحصول على شهادات أعلى في مجال تخصصاتهم المختلفة.

لقد منحكِ الله يا أم خالد قلبا كبيرا مفعما بالحب وسعَ الناس جميعا، فكنتِ بارّة بوالديك وأهلك وزوجك ومحبة لأبنائك تبذلين من أجلنا جميعا الغالي والنفيس، وكنتِ مخلصة في عملك محبوبة لدى جميع مدرسات مدرستك بل كل فرد في وزارة التربية والتعليم يذكركِ بالخير وطيب النفس ويشهد لكِ بالإخلاص والتفاني في عملكِ وأكبر دليل على ذلك أن لحظة مواراة جثمانك الطاهر الثرى قد عجّت المقبرة بالناس وضاقت الأرض بهم، وما هذا إلا عرفان لك بالجميل الذي قدمتِه إلى كثير منهم. فلا أذكر أنك وقفتِ يوما في وجه محتاج أو سائل حاجة بل كنتِ حريصة على عمل الخير وصنع المعروف مع منْ عرفتِ ومنْ لم تعرفي ومنصفة مع الجميع على اختلاف أصولهم أو انتمائهم العرقي أو المذهبي.

ماذا أقول عنكِ بعد يا حبيبتي يا أم خالد، لقد فقدتُ برحيلكِ عني الحبيبة والزوجة والأخت والصديقة، ولقد ترك رحيلك فراغا كبيرا في حياتي وحياة أبنائك ولا توجد أي لذة في الدنيا تسدّ الفجوة التي تركها رحيلك عنّا ولا أقسى من فقد حبيب بمثلِ منزلتكِ وأعزي نفسي بالقول إن الدنيا تنقضي بأفراحها وأحزانها وتنتهي الأعمار على طولها وقصرها ويعود الناس إلى ربهم بعد ما أمضوا فترة الامتحان على ظهر الأرض (كما بدأكم تعودون) يعود الناس إلى ربهم فقراء لا حول لهم ولا قوة، محتاجين إلى دعوات صالحات من محبيهم، فنحن جميعا نحبك أم خالد وندعو الله ليل نهار أن يتغمدك في فسيح جنانه وأن نلقى وجهك أنا وأولادك في جنات النعيم وأن يلهمنا الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

زوجك

إبراهيم جاسم محمد


عيدك يا أمي

 

في عيدك اليوم يا أمي

سأشعل الشمعة بين يدي

وأتمنى أمنية بأن تبقي معي

وأن لا يفرق الموت بينك وبيني

فصباح ساحر يبعد دمعتي

ويحضن دفئك قلبي

ويسهر كل ليلة على مرضي

فليت الأرواح اليوم حاضرة

لتشهد بأن لا قلب مثل قلبك

ولا روح بيضاء مثل روحك

فالسموحة يا أمي

فإنني لن أهديك شيئا في عيدك

لا وردٌ ولا عطرٌ ولا زخرفٌ

فلو كانت أعضائي للبيع لأهديتك

عيني وقلبي ودمعتي

ولكنني أريد الحياة اليوم تحت ظلك

إسراء سيف


عالم الروح

 

رحيل، حزن، مأساة كلمات مشتتة... تكسرت منها الورود، ورحلت بسرور لعالم الروح، المتكسر المجروح، الصامت المبحوح، النائم المردود. لعالم الروح استيقظت بهدوء، ونامت الدموع، فرجعت الأحزان لعالم الروح، زخرفت الأقلام، وانقطعت الأوراق، وتاهت الأحلام، فرحلت عن الدنيا لعالم الروح، لم تهمها الذكرى، ولا الدنيا أو الصديق والقريب، فأصبح الرحيل رحيلا لعالم الروح.

الحزن، الذكرى، الرحيل، تلك نهاية الأسى العالم المنحني، الراحل للردى، المنقطع عن المنى، قفوا وقولوا كفى، وألف كفى نحن سنرحل لعالم الروح، ونحن نائمون، أعيننا تصرخ بدموع راحلة لعالم الروح


مسلسل الإحباط

 

أصبحت ذات صباح جميل وكعادتي أقوم بتصفح الرسائل البريدية الواردة من قبل الإخوة وجهة العمل والأهل، وخلال التصفح السريع لاحظت عدم وجود رسائل من احد أصحابي الذين تعودت منهم أن استلم كل يوم رسائله المتنوعة الجميلة . فقلت في نفسي إن شاء الله خير وبعد توصيل ابنتي للمدرسة وأنا متوجه للعمل قمت بالاتصال به و إذا بهاتفه مغلق، وهنا أخذني الوسواس يمينا ويسارا هل هو راقد في المستشفى أو احد من أهله، هل لديه عزيز قد مات وبالتالي عند وصولي للعمل وقبل كل شيء أردت أن أطمئن على صاحبي و قمت بالاتصال بأحد إخوانه و استفسرت هل أصيب أخوك أو احد من أهلكم بأمر أو هل عندكم حالة وفاة، فقال لا هذه ولا تلك فقلت هل تعرف ما به؟ فقال: لا، فهنا تذكرت بأننا نعيش في عصر أكثر الأهل لا يعلمون عن بعضهم البعض.

وهنا قلت في نفسي ما لها إلا زوجته هي التي ستأتي بالخبر اليقين وكنت أتمنى أن صاحبنا لم يعمل أمرا يدخل في المحظورات الزوجية .المهم توكلت على الله و اتصلت بالأخت وبعد السلام قلت: «شخبار أبو العيال، قالت «ويش» أقول لك أخي أبو العيال مو في حاله من البارحة، الليل اتصل عليه واحد من عمله و خبره ان التعيينات والترقيات غدا ستطلع وان اسم أبوعيالنا مو موجود فيها وان فلانا و فلانا و علانا أسماؤهم موجودة وبعضهم اقل منه خبرة» .

و بعد انتهاء هذه المكالمة أصيب زوجي بحالة إحباط شديدة حاولت أن اخفف عليه و أيضا الأولاد ولكن ما فائدة وحاول أبوه و امه ان يتحدثوا معه الا انه أغلق الهاتف ولم ينم حتى صلاة الفجر، اذ إنه بعد الصلاة جلس يشكو إلى الله و من ثم دخل لحجرة النوم وانا خائفة على صحته .اغلقت الهاتف و انا في حيرة من امري هل يستدعي الامر ذلك مع ما هو معروف عنه من التزامه وتفانيه في العمل وحبه الشديد لعمله حيث انه لم يضيع يوما في اجازة الا في الحالات الشديدة ولم يخرج اجازات وحتى حالات الوفاة يداوم مع ما كنا نقول له واهله ايضا «ارحم حالك وانتبه لصحتك و لكن لا فائدة وخاصة في ظل مسئول لا يقدرك» .


الدنيا عملية حسابية

 

أفتقده ولم أعد أراه في المسجد ولم أعد أرى وجهه البشوش، سألت عنه هل هو مريض أم هو على سفر. فإذا الجواب لا هذا ولا ذاك، وإنما هو مستحٍ أن يري وجهه للناس الذين يطالبونه برد أموالهم. إذ إن أخانا كان ممن يتعاملون مع الأموال، فهو يجمع ويطرح ويحسب سعر الفائدة في العملية الفلانية. وما أكثر هذه الأيام من يتاجر بأموال الناس بحجة أنه سيقوم بمضاعفة المال ولله الحمد هناك كثر من يصدقون مثل هذا الكلام وذلك لأنهم يسعون لرفع معيشتهم لتواكب احتياجات الأسر ومتطلبات الأبناء من دراسة وغيرها. وبالتالي هرول الكثيرون ناحية هؤلاء والبعض صدق مع القوم والبعض مع الأسف وقعوا في احتيال البعض مع العلم بان أكثر هؤلاء الساعين بتحسين مستوى المعيشة قد اقترضوا من البنوك أو وضعوا أموال التقاعد في هذا السوق المتذبذب وذلك لان العرض المقدم يسيل اللعاب إذ إن النسبة ضعف المبلغ!

لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وإذا بالأزمة المالية التي قلبت الطاولة على رؤوسهم وانكشف المستور وإذا بهروب هؤلاء من مواجهتهم الحقيقية والاختفاء عن عيون المساكين. أحبتي علينا أن لا نتسرع بأي عمل نقوم به وخاصة في ظل عدم وجود الضمانة وعلينا ألا نشغل أنفسنا كثيرا بالدنيا، إذ إن الدنيا مسألة حسابية، نأخذ منها عبرة اليوم ومن الغد نكتسب خبرة ومن ثم نطرح منها التعب والشقاء ونجمع فيها الحب والوفاء وأخيرا وأولا نتوكل على رب الأرض والسماء.

مجدي النشيط


العلاقة مع الآخر من التنظير إلى التطبيق

 

قرأت ما تناوله سماحة الشيخ محمد الصفار في مقاله الأخير المعنون بـ ( العلاقة مع الآخر من الثقافة إلى المبادرة ) الذي نشرته صحيفة «الوسط» البحرينية الغراء يوم الإثنين الموافق: 15 مارس/ آذار 2010 والذي تناول فيه مشروع الوحدة والعلاقة مع الآخر، الذي تبناه سماحة الشيخ حسن الصفار ومجموعة من النشطاء والمثقفين في السعودية من أجل بناء المجتمع وتعزيز موقعيته الوطنية، وذلك منذُ أمد ليس بالقصير مع ما شاب هذا المشروع من غمز ولمز واتهام بالتنازل، في ظل النقلة الجميلة التي يعيشها المجتمع السعودي في العمل على تطبيق مفاهيم العلاقة مع الآخر والتأكيد على المبادرة في ذلك.

أشكر الشيخ محمد الصفار على هذهِ اللفتة المهمة التي تناولها في مقاله لما لها من الآثار الطيبة على مستقبل الوحدة والتعايش مع الآخر في المملكة العربية السعودية والعالم العربي بشكل عام.

من المؤكد أن ماكينة التعايش والوحدة مع الآخر خصوصا بين السنة والشيعة تسير ضمن المعطيات المكتسبة التي يتبناها كل طرف، وفقا للأهداف الدينية والوطنية النبيلة التي يجب السعي والنضال في سبيل تحقيقها ونقلها من التنظير إلى التطبيق، وليس من المنطق الوصول إلى التعايش مع الآخر والتأكيد على احترامه في ظل التفرد بالرأي وحتمية الإساءة له ولرموزه أو اتهامه في دينه وانتمائه، كما أشار إلى ذلك المفكر السعودي الأستاذ محمد محفوظ في مقاله الجميل الذي جاء بعنوان «من الحوار المذهبي إلى الوحدة الوطنية «حيث يقول فيما جاء فيه: وإن النواة الأولى لتعميق خيار الوحدة الوطنية في مجتمع إرثه التاريخي متعدد، هو تعميق الوحدة الشعورية لدى أبناء الوطن الواحد. حيث أن وحدة الشعور هي المقدمة الطبيعية للوحدة العملية والاجتماعية. لهذا ينبغي الاهتمام الجاد بمسائل احترام شعور الآخرين، وعدم العمل على استفزازهم والاستهزاء بمشاعرهم. لأن هذا الاستفزاز والاستهزاء هو الذي يؤلب النفوس، ويعمق الأحقاد، ويبني حواجز سميكة تمنع التلاقي والتعايش المشترك.

الخصوصية المذهبية لا تقبل المساومة وهذا ما يؤكد عليه العلماء الوحدويون في كل العصور من السنة والشيعة بل يؤكد عليه الدين الإسلامي نفسه، بحيث كل طرف يبقى على خصوصية مذهبه وحفظ خصوصيته لا تعني إلغاء خصوصيات الآخرين أو الإساءة لهم، وليس من الصحيح التوجس والقلق من الانفتاح على الآخر حفاظا على الخصوصية، لأن هذا التوجه يشير إلى ضعف الثقة بالذات، فالانفتاح لا يعني إضعاف الهوية ولا التنازل عن شيء من الثوابت، بل يستهدف خدمة مصالح المجتمع واحترام خصوصيته. وأذكر في هذا الصدد ما قاله المرجع السيد السيستاني في كلمته المشهورة «لا يجوز أن نساهم حتى بشطر كلمة من شأنها أن تؤدي إلى التفرقة» في التأكيد على توثيق العلاقة مع الآخر والسعي من أجل تحققها وعدم المساهمة في إشعال نار الفتنة والتناحر بين طوائف المسلمين، بالإضافة إلى المقالات التي يؤمن بها عشرات الكتاب في الوطن من السنة والشيعة في التأكيد على مبدأ التعايش والتواصل والتي تم نشرها في الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية.

دائما ما يؤكد الشيخ حسن الصفار في خطاباته وكتاباته التي استعرض جزءا منها الشيخ محمد الصفار في مقاله الأخير من أن الوحدة والانفتاح على الآخر لا تعني التنازل والذوبان في الآخر والمساومة على حساب المذهب والطائفة، وإنما تعني احترام الآخر والتواصل معه وتلاقح الأفكار وبناء الوطن يدا بيد بعيدا عن التعصبات الدينية والمذهبية والقومية، وفي كتاب له بعنوان «الانفتاح بين المصالح والهواجس» أشار الشيخ الصفار فيه بكل وضوح إلى هذه النقطة بقوله: كثيرا ما يثير البعض من أن الدعاة للوحدة يتنازلون عن العقيدة والمبدأ والشعائر لأجل التقرب من الطرف الآخر وكسب ودّه، وهنا يجب أن نقول - بكل وضوح - علينا أن لا نستغفل الناس بالعناوين التي تدغدغ مشاعرهم وعواطفهم، وأن لا نقبل باتهام الآخر في دينه لأنه يختلف معنا في الرأي، فالتشكيك في نيّات الآخرين وأديانهم مرفوض، ومن أيَّ جهة صدر. وفي نص آخر يشير أن: الاجتهاد وشرعية الاختلاف مبدأ متفق عليه، ولا يحق لأحد أن يتهم الرأي الآخر بالخروج والمروق من الدين بسبب ذلك، فهذا خلاف الأخلاق والدين وخلاف المنهج العلمي. كما أشار أيضا سماحة الشيخ الصفار إلى هذه النقطة بالتحديد في لقائه الأخير على قناة «المنار» اللبنانية ضمن حلقات برنامج «الكلمة الطيبة»من خلال تركيز جلّ حديثة على هذا الجانب وتصحيح الرؤيا الموجودة في أذهان البعض من أن الوحدة والانفتاح على الآخر مقاصدها تمييع العقيدة والتنازل عن الثوابت والمعتقدات.

ومن العجيب بمكان أن نسمع كلام يشوبه الشك والاتهام من بعض الشيعة والسنة في جدوى هذا المشروع الذي يتناغم مع المنطلقات الدينية والنصوص الإسلامية، ويؤكد عليه علماء الأمة، في وقت نجزم من خلاله أن من يثير هذا الاتهام لم يطلع على مسارات التغيير والانفتاح على الآخر والمكتسبات التي سيجنيها المجتمع مع تراكمات التواصل والتعايش المشترك مع مرور الوقت، وهذه مشكلة ومعضلة كبيرة يعيشها هؤلاء الأشخاص من خلال فرض العزلة على أنفسهم، إصدار التهم وسوء الظن للآخرين . بيان علماء الشيعة في المملكة العربية السعودية بمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية والذي جاء بمصادقة من خمسين عالما، جاء ليرسم خطوط عريضة لمشروع الوحدة في الوطن ويؤكد على مناخ التعايش والانفتاح المذهبي والاجتماعي والسياسي، بالإضافة إلى الدعوات المنادية حول وثيقة التعايش بين السنة والشيعة التي تكفل حقوق كل طرف وتؤكد على مبدأ المساواة والتعايش المشترك والاحترام المتبادل بين جميع المواطنين.

هذا المناخ الجديد الذي تشهده أجواء السنة والشيعة في الوطن وهذه المبادرات فيما لو كتب لها التطبيق بشكل مباشر ستعزز مسئولية الجميع في انتشال حالات التعصب لذواتنا وآرائنا ويدعونا جميعا للمضي في تمكين مفهوم المواطنة والتعايش مع الآخر من خلال البحث عن المشتركات وتوفير الأجواء المساعدة والمؤاتية من منطلق الآية المباركة (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).

صادق راضي العلي

السعودية


حقوق الإنسان (7 ) مبدأ سيادة القانون

 

لقد تبنت مملكة البحرين مبدأ سيادة القانون بتأسيس ذلك في دستورها وتأصيله في ميثاقها الوطني، باعتباره الضمانة الأكيدة لتحقيق التوازن ببين المصلحة العامة التي تمثلها سلطات الدولة والمصلحة الخاصة المتمثلة في حقوق الأفراد وحرياتهم التي يتم تنظيمها في حدود القانون، وبالتالي فإن مبدأ سيادة القانون يمثل حجر الأساس في البنيان القانوني لمملكة البحرين لترسيخ مفهوم دولة القانون والمؤسسات الذي أكسب للبحرين مظهرا حضاريا يعكس مدى اهتمام القيادة الحكيمة وحرصها على إرساء دعائم الدولة الحديثة القائمة على تعزيز مسيرة الديمقراطية والاهتمام بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

وبعد أن تناولنا في المقال السابق مفهوم مبدأ سيادة القانون سوف نلقي الضوء على المصادر القانونية التي يستمد منها هذا المبدأ وجوده القانوني وبالأخص المصادر المكتوبة ومنها:

1. الدستور البحريني:

الأصل أن الدستور هو الوثيقة التي تتضمن القواعد القانونية الأساسية التي تنظم السلطات العامة للدولة، وبذلك يكون على قمة المصادر المكتوبة وبذلك يعد أعلى التشريعات في المملكة ويسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعا – سيادة القانون – ومن ثم ينبغي أن تلتزم سلطات الدولة جميعا بالتقيد بأحكام الدستور وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة، والإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخالفته في أعمالها وإن تمت مخالفة مبدأ سيادة القانون تتعرض قرارات الإدارة للإلغاء ومن ثم التعويض عن الأضرار.

2. التشريع العادي (القانون):

يراد بالقواعد التشريعية – العادية – مجموعة النصوص القانونية التي تقررها الهيئة أو السلطة المختصة بوظيفة التشريع في الدولة والتي تهدف من وصفها تنظيم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدولة وتأتي القواعد التشريعية في المرتبة الثانية بعد القواعد الدستورية من حيث تدرج القواعد القانونية، وذلك لصدورها من الهيئة أو السلطة الممثلة للشعب مما يجعلها في موقع أعلى أو أسمى من غيرها من الأعمال القانونية الصادرة من السلطات الأخرى.

وفي هذا السياق، فإن على كافة السلطات العامة في الدولة احترام التشريع العادي، ما لم يتم إلغاؤه أو تعديله بالطريقة التي يحددها الدستور.

3. اللوائح (القرارات الإدارية التنظيمية):

ويقصد بها تلك القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة التنفيذية التي تتضمن قواعد عامة مجردة تسري على جميع الأشخاص الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في القاعدة القانونية، وتعتبر اللوائح (القرارات التنظيمية) من حيث طبيعتها وموضوعها أعمالا تشريعية كالقوانين، وذلك لأنها تنشئ قواعد مجردة وغير شخصية، أما من حيث شكلها فهي قرارات إدارية، لأنها تصدر عن السلطة الإدارية. وتأتي اللوائح في سلم التدرج التشريعي في المرتبة الثالثة بعد الدستور والقانون، وبالتالي يجب على السلطة التنفيذية أن تلتزم بالحدود المرسومة في الدستور أو القانون عند إصدارها اللائحة، فإذا خرجت اللائحة عن تلك الحدود أصبحت غير مشروعة لخروجها عن مبدأ المشروعية (سيادة القانون).

وقد تأخذ هذه اللوائح صورا متعددة، فقد تكون اللوائح تنفيذية تتولى وضع التعديلات اللازمة لتنفيذ مهام القانون، وهذه اللوائح يجب أن لا تتعارض مع أحكام القانون التي صدرت استنادا له. وقد تكون هذه اللوائح مستقلة تصدرها السلطة التنفيذية دون الاستناد في إصدارها إلى قانون قائم، وقد تكون لوائح تنظيمية تصدر لغرض تنظيم المرافق العامة، أو أن تكون ضبط تصدر بهدف المحافظة على النظام العام.

وهذا ما أكد عليه دستور مملكة البحرين بضرورة عدم مخالفة اللوائح الإدارية للقوانين وذلك في مادة (39/ أ) من الدستور والتي تنص على أن يضع الملك مراسيم اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما لا يتضمن تعديلا فيها أو تعطيلا لها أو إعفاء من تنفيذها، ويجوز أن يعين القانون أداة أدنى من المرسوم لإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذه.

وزارة الداخلية

العدد 2759 - الجمعة 26 مارس 2010م الموافق 10 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:43 م

      مسلسل الاحباط

      وازيدك من الشعر بيت
      الموظفين حديثا راتبهم اكثر من القدامى

اقرأ ايضاً