في يوم العمال العالمي، أو كما يسميه العمال «عيد» العمال، وخصوصا بعد فرحتهم بإعلان الأول من مايو/ أيار إجازة رسمية، وبعد سنوات من النضالات العمالية التي فجرت أكثر من انتفاضة وحركة احتجاجية ذات أبعاد سياسية كثيرة، كان لـ «منتدى الوسط» وقفة مع طيف متنوع من النقابيين، للإطلالة على ما تحقق للعمال من إنجازات ومكتسبات، فبدا واضحا أن وراءهم بعد كل هذه التضحيات مشاوير طويلة للحصول على الكثير من المكتسبات التي لم تتحقق. وبحسب المنتدين، مازال الأجنبي مفضلا على المواطن، ومازال التشريع ناقصا، يضاف إلى ذلك عدم وعي العمال بحقوقهم وأهمية النقابات، وحداثة تأسيس اتحاد عمال البحرين والخلافات التي رافقت التأسيس.
استضافت «الوسط» مسئول الإعلام والتثقيف في اتحاد عمال البحرين أحمد الخباز، والنقابي بشركة دلمون عبدالهادي ميرزا، فيما مثل نقابة الصيادين ثلاثة من أعضائها، هم: رئيسها عيسى حسن، إضافة إلى عباس الحداق وحسين المغني، وتغيب عن الحضور النقابي المخضرم عبدالله مطيويع لظروف خاصة، الذي كان من المفترض أن يغطي الجانب التاريخي في الحركة العمالية. وفيما يأتي نص الحوار:
مع قرب الأول من مايو/أيار الذي هو عيد العمال، نبارك لكم هذا اليوم. العمال كانوا سببا في نهضة وطنية وسببا في اشتعال حركات احتجاجية أيضا منذ الثلاثينات إلى الآن، وبعد كل هذه التضحيات تشكل جسم للعمال يمكن أن يكون نواة مستقبلية لوضع عمالي أفضل. في ظل تداعيات الوضع الاقتصادي، والرجوع إلى الخصخصة في الكثير من القطاعات والمؤسسات الرسمية تحديدا، كيف تقيمون الوضع العمالي في ظل المعطيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحركة السوق، وكل الأمور المتعلقة بالعمال؟
- أحمد الخباز: بداية أريد أن أشكر صحيفة «الوسط» لاهتمامها المتميز بالجانب العمالي عموما، والجانب النقابي خصوصا، وأعتقد أن السؤال وجيه ومهم جدا، وخصوصا ونحن نعيش هذه الأيام الجميلة في الاحتفال بيوم العمال العالمي، وهي أيام نتمنى لها الاستمرار، فللعام الثاني على التوالي، يمر هذا اليوم وفيه إجازة رسمية لجميع العمال.
لو أردنا الحديث عن الوضع العمالي عموما والنقابي خصوصا، نجد أن هناك الكثير من الأمور التي يجب أن نتطرق إليها، فالوضع العمالي لم يطرأ عليه تغيير كبير في كثير من الأمور، ففي الجانب التشريعي على سبيل المثال، مازلنا نعاني من الفصل التعسفي والقضايا المتعلقة به، والتراجعات التي حصلت في بعض التشريعات العمالية.
في هذه الفترة مررنا بتجربة مهمة، وهي المراجعة لقانون العمل، إذ قدمنا تصوراتنا النهائية بشأنه، وقدمناها إلى وزير العمل، ونأمل أن يكون هناك اهتماما بهذه المقترحات، وتكون هناك لجنة ثلاثية مشكلة من (الحكومة - أصحاب العمل - والعمال) لصوغ القانون، وهناك محاولات للقاءات ثنائية بين وزارة العمل واتحاد العمال من جهة، وبين وزارة العمل وغرفة التجارة من جهة أخرى، فالأصل أن تشكل لجنة ثلاثية وأن تكون هناك لقاءات ثلاثية بين أطراف الإنتاج الثلاثة لمناقشة هذا القانون.
على صعيد البطالة، مازالت هناك مشكلات كثيرة، بل هناك تراجع، فالفصل التعسفي مازال موجودا، كما أن الآثار الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي في البحرين، مع شح العمل والاستثمار، وعدم استقرار الوضع الاقتصادي، فمشكلة البطالة هم يقلق الجميع، ومازالت الحلول غير مجدية لمعالجة هذه المشكلة.
لو أخذنا حصيلة العمل النقابي من مايو/ أيار 2003 إلى مايو 2004، نجد أن هناك حدثا مهما وقع، هو تأسيس الاتحاد العام لعمال البحرين، وفي المقابل، مازال الوعي العمالي في الكثير من مواقع العمل غير مدرك لأهمية وجود الاتحاد، فالطبقة العاملة في المملكة مازالت تعيش حالا من عدم الاهتمام والاكتراث في قضية حياتية مهمة جدا، فالتصور عن العمل النقابي عند البعض، هو أنني أنتمي إلى مؤسسة نقابية معينة، قد تخدمني في ظرف ما، ولكن لو أدرك هؤلاء المخاطر الحقيقية التي تواجه العمال، لأدركوا أهمية دور النقابات، فعلى مدى عام كامل من المحاولات الجادة للاهتمام بالعمال وزيادة عدد المنتسبين للنقابات وتوعيتهم بأهمية العمل النقابي، مازلنا نحس أننا في بداية الطريق، وأن حجم الاستجابة مازال ضعيفا.
دعني أشير أيضا إلى الوضع الاقتصادي العالمي، فنحن مقبلون على العام 2005، وستطبق منظمة التجارة العالمية اتفاق «الجات»، وهذا سيضع الوضع الاقتصادي في البحرين في تحد أكبر، وخصوصا بالنسبة إلى العمال.
- حسين المغني: بالنسبة لنا كبحارة، الوضع سيئ، والحياة المعيشية تزداد سوءا، الأجانب مازالوا يفضلون على البحريني، مع أن القانون المعني يثبت حق البحريني، إلا أنه لا يطبق، ومازال البحار ينتقل من سيئ إلى أسوأ، فيتحول من بحار إلى جزاف إلى حمال وأخيرا إلى عاطل عن العمل، ومع دفاعنا المستميت من أجل تغيير الوضع، ولكن من دون فائدة، فوزارة العمل لا تعتبرك نقابة شرعية، مع أن القانون يؤكد أنه بمجرد أن تقدم وصل إيداع النقابة إلى وزارة العمل، فأنت طرف معترف به قانونا، في حين أننا قدمنا بدلا من الوصل اثنين، ولكن مازالت المعوقات أمام قيام النقابة أكثر مما تتصور.
ماذا تقصد بنقابة غير شرعية؟ من الذي يعتبرها كذلك؟ وهل ذلك قانوني؟
- وزارة العمل من يعتبرنا كذلك، مع أننا حينما أعطيناهم وصل إيداع أعطونا إثره وصل قيد لتأكيد وجودنا باعتبارنا نقابة، وأعطونا مدة سنة كاملة بين وصل الإيداع ووصل القيد، وأعتقد أن السبب الرئيسي وراء تعطيل النقابة وعدم الاعتراف بها هو بحرنة هذا القطاع الذي سعينا له بقوة.
- عبدالهادي ميرزا: أعتقد أن فترة التسعينات، والتداعيات التي جاءت بعدها، ومنها ميثاق العمل الوطني، والإجماع الشعبي عليه، أسست إلى عدم الفصل بين الوضع العمالي والاتجاهات الرسمية التي تنتهجها مؤسسات الدولة، فحركة النواب في مجلس النواب مثلا، ومساحة الحرية التي يتحركون فيها، وحراك الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، والهيئات المنتخبة في البلد، كل ذلك ينطبق على الاتحاد العام لعمال البحرين، فالاتحاد فيه نوع من الرتابة والتقييد، ومساحة الحرية التي يمكن أن يتحرك فيها للمطالبة بالحقوق والمكتسبات العمالية محدودة، طبقا لما هو موجود في واقع البلد نفسه، فلا يمكن أن تقول أن لدى اتحاد العمال كامل الصلاحيات والتشريع، وله الحق في المشاركة مع أطراف الإنتاج الثلاثة في ظل وضع متذبذب.
وهنا أريد طرح إثارة أجدها مهمة، إذا كان أعضاء الأمانة العامة للاتحاد الذين عقدوا مجلسا تأسيسيا، وانتخبوا أعضاء أمانة عامة مكونة من 13 عضوا، مازالوا لا يملكون رسالة للتفرغ من وزارة العمل، كما أن بعض الشركات تطالب أعضاء الأمانة العامة من أعلى القيادات أن يأتوا لها برسالة تفرغ من وزارة العمل، فإذا كانت هناك صعوبات لتفرغ أعضاء اتحاد عمال البحرين، فما بالك بالوضع العمالي عموما.
في ملف التأمينات التي هي حق من حقوق العمال، إذ إن أموال التأمينات أموال العمال أنفسهم، نجد أن هذا الملف يتم فتحه في مجلس النواب، ويتم تداوله في الصحافة والعمال بعيدون عنه، وبالتالي فالوضع العمالي الحالي لا يفرق عن الوضع السابق شيئا، وإنما انتقل الحال من لجان عامة للعمال إلى نقابات، ونتمنى أن نستغل كل المساحة الموجودة لتفعيلها في المستقبل.
- عباس الحداق: مازالت معاناة العمال، سواء كانت في الشركات أو معاناة البحارة فإنها تزداد يوما بعد يوم، وبشأن البحارة، فإنهم يعيشون تهميشا، وهناك محاولات لتذويب شخص اسمه بحار، مع أن البحار شخص وطني، يحافظ على الثروة البحرية التي هي ثروة وطنية.
أما عن اتحاد عمال البحرين، فإنني أدعو الإخوة في الاتحاد أن يتجهوا إلى الإخلاص الشديد في العمل النقابي، والالتفات إلى المعاناة التي يعيشها البحار وغيره من العمال، والنزول إلى الساحة الميدانية للتعرف على مشكلاتهم الحقيقية والدفاع عنهم، والابتعاد عن الحساسيات والتسييس للعمل النقابي، لأنها لن تخدم العمل النقابي، وكلما ابتعدنا عن هذه الحساسيات وعمليات التسييس، كلما زدنا إخلاصا في خدمة القضية العمالية.
الجهات الرسمية كوزارة العمل يجب أن تعي لمعاناة البحارة ومحاولات تهميشهم، ومنها الاعتراف بنقابة الصيادين، إذ إن بعض الأطراف تحاول توجيه اتهامات للنقابة بخروجها عن القانون، وإعطائها صفة الطائفية، وهذه أمور نرفضها، لأن نقابة الصيادين تمثل شريحة كبيرة من البحارة.
- عيسى حسن: الانقسامات الحاصلة في النقابات أمر يضر بالوضع العمالي، ومع اننا لم ندخل العمل النقابي إلا حديثا، إلا أن ما نراه أن هناك انقساما بشأن تأييد الاتحاد من عدمه، فهناك قسم مؤيد، وهناك قسم معارض، وهذه أمور لا تخدم العمال، وهذه دعوة للجميع للوقوف صفا واحدا لتوحيد العمل النقابي والعمالي.
الواضح أن وزارة العمل حسمت الموقف من الاتحاد، فأكدت أنه شرعي وقانوني، وهذا ليس مورد نقاشنا حاليا، لكن دعني أسأل عن أسباب عدم تقدم الوضع العمالي مع وجود كيان يمثله؟ منكم من يلقي اللوم على العمال، لكونهم لا يتحركون بشكل صحيح، ومنكم من يلقي اللوم على وزارة العمل، فأين مكمن الخلل؟ لنصل إلى مجموعة نتائج، ما الذي ينقص العامل مع وجود هذه المناخات للوصول إلى حقوقه؟ ألا تجدون مثلا أن النقابات أعطيت حملا لا تستطيع حمله وأن تداعيات الوضع العمالي أكبر من النقابات؟
- الخباز: قبل هذه النقطة، هناك إشارات وردت من الإخوة تدعو الاتحاد للقيام بدوره، وفي تصوري أن الفترة القصيرة التي مر بها تأسيس الاتحاد من شهر يناير إلى الآن، لا نستطيع من خلال تقييم نهائي أن نقول إن الاتحاد نزل إلى الميدان أم لا، وفي اعتقادي أن المشكلات التي عالجها الاتحاد كفيلة بأن تحكم بأنه موجود في الساحة أم لا، فمشكلة الفصل التعسفي الذي حصل لموظفي السيف وبعض الشركات، والتحديات التي دخلنا فيها، والمتعلقة بالقانون نفسه، وإنشاء النقابات على رغم النزاعات الموجودة فيها، كلها دليل إنجاز، وهي حال طبيعية لا تمثل إرباكا لعمل الاتحاد، وعلى الاتحاد أن يتحمل هذه المسئولية.
من جهة أخرى، هناك كثير من القضايا على الساحة يمكن للنقابات أن تعالجها، وهي أكبر تحد للنقابات، فالنقابات لم تأتِ لتكون مجرد اسم، أو لتضع لها برامج ترفيهية، أو بعض الجوانب المتعلقة بالشأن الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، فالنقابات هي طرف من أطراف الإنتاج الموجودة في العمل، وعليها أن تتحمل مسئوليتها، وأمام هذه النقابات هذه التحديات التي ذكرتها في سؤالك، وبالتالي مدى جدية العمل النقابي والنقابيين داخل هذه المؤسسات هو الكفيل بعلاج هذه المشكلات.
مشكلة البطالة مثلا لا تعاني منها البحرين، كما تعاني من مشكلة تدني الأجور التي تعاني منها البحرين، والكثير من الدول، إضافة إلى الوضع المتعلق بالصحة والسلامة المهنية، والفصل التعسفي، والمتغيرات الاقتصادية، كلها سترمي بثقلها على الوضع العمالي والنقابي، وفي تصوري أن على النقابات أمام هذا التحدي أن تضع استراتيجية واضحة للتصدي لهذه المشكلات، فالنقابات لم تتشكل إلا من أجل علاج هذه المشكلات.
لم تجب على السؤال إلى الآن، فهذا التحدي تحد ذاتي، ولكن وفقا للإمكانات والمعوقات، هل تجدون أن تحديات الوضع العمالي والكثير من التعسف ضدهم، والبطالة المستشرية، أكبر من تحمل النقابات، أم أنها قادرة على معالجتها؟
- الخباز: إذا كان هناك تماسك ووعي نقابي صحيح، يمكن مواجهة هذه المشكلات بكل تحدياتها، ففي فترة من الفترات، مرت الحركة العمالية بظروف قاسية جدا مع وجود قانون أمن الدولة، ولجان مشتركة محدودة الصلاحيات بصفتها لجانا استشارية، ومع ذلك استطاعت أن تحقق بعض المكاسب، فكلما كبرت الإرادة العمالية في مواجهة هذه التحديات، باستخدام كل الوسائل المشروعة سواء التي أجازها القانون، أو من خلال الاستعانة بالمنظمات الدولية، أعتقد أن النقابات يمكنها مواجهة هذه التحديات.
قانون النقابات مازالت تنقصه بعض الأمور، وخصوصا المادة 21 منه المتعلقة بالإضراب، إذ إن فيها الكثير من الثغرات التي عملت على تقييد حركة الاحتجاج العمالية، إذ إن أية نقابة تريد مواجهة هذه المواقف، فإنها تصطدم بمعوقات في الجانب التشريعي، وبالتالي فالمادة 21 تحتاج إلى إعادة نظر، وإلى بلورة أخرى لموضوع الإضراب، وإعادة التشريع، والمشاركة الثلاثية، والتمثيل الثلاثي، والوجود الواقعي على الساحة، فالتحديات هي المحك الأول لفاعلية النقابات.
- المغني: للأسف لا يوجد نقابي عند العمال، ونتيجة للظلم الذي عانوه سنين، فإنهم مع قيام النقابات يعتقدون بأن الحل السحري لديها، فإذا ما انتظروا مدة معينة، ولم يروا شيئا من النقابات، تجدهم ينسحبون من النقابات واحدا بعد واحد، وفي الواقع الحالي، توجد لدينا 40 نقابة، والمفترض أن تكون لدينا أكثر من مئة نقابة، لأن هناك شركات كثيرة لا توجد بها نقابات عمالية، وهذا دليل عدم وعي العمال بأهمية النقابات، ولو كان الوعي موجودا، فأي تحد قادم يمكن مواجهته، ففي ظل غياب الوعي، حتى لو كانت الأمانة العامة تمتلك قوة التشريع، فلا فائدة مع عدم تفاعل العمال.
لو كان هناك وعي، وكان هناك حماس في تشكيل النقابات كما تفضلت لاختلف الوضع، ولكن هذا الوعي غير موجود، لكن ألا تعتقد أن عمل النقابات وأداءها هو الذي يثبت للعمال مدى أهميتها وفاعليتها، وتحقيقها لمكاسب وحقوق العمال؟
- المغني: نعم، هذا كلام صحيح، وتوجهنا في نقابة الصيادين هو التوعية أولا قبل كل شيء، إذ إننا نحاول توعية كل المنضمين لنقابتنا بأن لهم حقوقا يجب أن يدافعون عنها، وألا يتنازلون عنها، كما أن النقابة إذا لم تمثل جميع الشرائح الموجودة في مجال عملها، لا أعتقد أنها تستطيع الدفاع عن حقوق العمال.
- ميرزا: الوعي من يتحمل مسئوليته؟ هل هو النقابي أم العامل؟ وفي اعتقادي أن الوعي مسئولية النقابي إذا كان واعيا من الأساس، ويعرف أين هدفه تحديدا، وماذا يريد أن يصل إليه، عندها، ومن خلال نشاطه وحركته، يمكن أن يضم معه مجموعة معينة، ويوسع قاعدة العمل النقابي أكثر فأكثر، وبالدرجة الأولى، فإن من يتحمل مسئولية الوعي العام بالحقوق هو النقابي بنسبة 80 في المئة.
إذا تكلمنا عن النقابات في الشركات، فإنها تختلف في تعاملها مع النقابات والعمال عموما بين شركة وأخرى، وبسبب تجربتنا في شركة دلمون مثلا، فإن لدينا مساحة كبيرة للمشاركة مع إدارة الشركة حتى في صوغ اللوائح الداخلية الأساسية، إذ إن تعديل هذه اللوائح يجري في الشركة حاليا، واتفقنا مع إدارة الشركة على عدم إقرار هذه اللوائح إلا بعد اطلاعنا عليها، إضافة إلى ذلك، فإن مبدأ التقييم والتقويم تم عرضه علينا، ووضعنا ملاحظاتنا ومرئياتنا عليه، ووجدنا الاستجابة كبيرة من مجلس الإدارة نفسه، وهذا يعتمد على كيف يوصل النقابي مثل هذه التحركات التي يقوم بها للعمال من دون تعقيد العلاقة بينه وبين العمال وأرباب العمل.
هناك شركات تتعاطى بشيء من التعسف، وبالتالي لا يجب اعتماد آلية واحدة في التعاطي مع الشركات، فظروفي في العمل تكيف أسلوبي في التعاطي مع إدارة الشركة، ولكن هناك شركات دائما ما تضغط على النقابات، ومع ذلك توجد ثغرات يمكن الدخول من خلالها لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والحقوق للعمال، وفرض مبدأ المشاركة عليها.
أما عن الاتحاد، فتوجد به مشكلات كثيرة، ولكن الاتحاد أقر من خلال مؤتمر تأسيسي، وواضح في الأنظمة التي أقرها المؤتمر التأسيسي مثل المادة 66، أنه إذا وجد خلاف في الاتحاد، يتم اللجوء إلى هياكل الاتحاد، ولا يلجأ إلى استحداث هياكل أخرى، وهناك خلافات موجودة حاليا، فلم لا يتم اللجوء إلى المجلس المركزي، ونطالب بانعقاده ليبت في هذه الأمور باعتباره السلطة الرقابية على الأمانة العامة؟ وبالتالي فهناك حاجة إلى تدعيم هياكل الاتحاد بدلا من استحداث هياكل أخرى، لأنها ستؤثر على الصف العمالي.
من جهة أخرى، فإن مبدأ المشاركة في العمل أمر ضروري بثه في الأوساط العمالية، فمتى ما استطعت السيطرة على مجموعة من العمال، وليكونوا 20 أو 30 عاملا في الشركة، أعتقد أنه بعد سنة أو سنتين يمكن أن تحصل على قاعدة تتفاعل معك، ولكن هذا يبدأ من النقابي أولا.
أما تعامل الاتحاد مع قانون العمل، فهناك صدود من وزارة العمل، وهو يمثل تحديا للأمانة العامة في الاتحاد عن كيفية التعاطي مع هذا القانون، كما أنه لا يمكن الصبر لمدة طويلة على الوضع القائم في التأمينات، وعلى الأمانة العامة أن تبرز قوتها ووجودها كممثلة عن العمال، وتبرز إمكاناتها، لأن إدارة التأمينات تتطلب إمكانات إدارية واقتصادية، فكيف يمكن للأمانة العامة أن تستغل هذه الإمكانات وتدخل بوصفها طرفا من أطراف الإنتاج الثلاثة، وكان يجب أن يكون لها بعد تشكيل الاتحاد التأسيسي مباشرة 4 ممثلين على الأقل في هيئة التأمينات، وللآن لا يوجد لدينا ممثل، وعلى اتحاد العمال أن يبرز خلال هياكله قوته في مواجهة هذا الاتحاد فيوصل ممثلين له في هيئة التأمينات، لأن ذلك سيعطيه صدقية أكبر.
- الحداق: بعض النقابات تهتم بالكم وتترك الكيف، وبالتالي يجب أن يكون هناك برنامجا عمليا سواء من الاتحاد أو النقابات نفسها لتوعية المنتمين إليها بالعمل النقابي، والقضايا والمشكلات التي يواجهها العمل وكيفية حلها وإدارتها، فالعامل قد يعيش مشكلة معينة، ولكنه لا يعي الأسلوب الأمثل للتخلص منها، كما يجب أن نخلق الثقة بين الاتحاد وإدارة النقابات العمالية، فإذا استطعنا أن نقوم بهذا الدور، يمكننا الدفاع عن حقوق العمال.
- حسن: لابد من إيجاد آلية لدفع العمل النقابي بقوة إلى الأمام، كالندوات التوعوية، فالوضع العمالي منذ سنوات فاقد للمحرك الذي يحركه، والنقابات عمرها مازال قصيرا، فالنقابات ليست مصباحا سحريا كما ذكر المغني، بل تحتاج الوقت لكي يجني العمال ثمارها، ونطلب من الإخوة الصبر والمثابرة لكي يحصلوا على حقوقهم.
- الحداق: أنا أدعو إلى الاستفادة من الخبرات الوطنية الموجودة في البلد، وخصوصا النقابيين القدامى الذين عانوا وقدموا التضحيات الكثيرة، علينا أن نأخذ باستشاراتهم، لأنهم سيفيدون الاتحاد بالشيء الكثير، وما أجده أن أمثال هؤلاء بعيدون كل البعد عن العمل النقابي والعمالي، ولا أدري هل ذلك نابع منهم، أم هناك تهميش لهم؟
بعد سنوات من التضحية والنضال من أجل تحصيل الحقوق العمالية، مازالت المؤشرات عن الوضع العمالي تؤكد وجود اختناقات داخل الجسم العمالي، تعطل مسيرة مطالبته بحقوقه، وربما يكون تكريس الأول من مايو/ أيار يوما عالميا للاحتفال بالعمال، وإعلان البحرين هذا اليوم عطلة رسمية، بداية لرسم الطريق من جديد، وتنظيم القوى العمالية، وتنفيسها لكل احتقاناتها السابقة واللاحقة عبر حركة احتجاجية منظمة.
إذا كان المرء يتذكر أن انتفاضات قامت في البحرين سببها الأوضاع الاقتصادية السيئة للعمال والعاطلين عن العمل، فإنه يرى الآن أن هناك جسما عماليا مازال يتعملق وينمو على رغم كل الخلافات والعراقيل المصطنعة التي توضع أمامه، سواء من أطراف متنفذة رسمية، أو شبه متنفذة من الأطراف الأهلية، ألا وهو الاتحاد العام لعمال البحرين.
وأمام قصور التشريع العمالي وعجز المجلس النيابي عن سن القوانين التي تحمي العمال، أو تعديل القوانين التي تحول دون مطالبتهم بحقهم، فضلا عن إضاعته حقوقهم في ملف التأمينات تحديدا، عبر إقراره التعديلات التي قدمتها الحكومة له من دون مراجعة، مع كونها تتضمن هيمنة واضحة للحكومة على الهيئة التي هي قسمة صرفة بين العمال وأرباب العمل، أمام كل ذلك، يمكن لاتحاد عمال البحرين أن يشكل واجهة صد فعلية لكل الخروقات والتجاوزات ضد العمال، وينظم حركة الاحتجاج ويطورها، بما يخدم نفوذ المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني في قبال نفوذ الدولة، إذا ما حرك القاعدة العريضة من العاملين باتجاه التوحد مع الكيان العمالي وتوسيعه.
سؤال طرح على المنتدين فيما إذا كان الوضع المعقد للعمال أكبر من تحمل الكيان العمالي الممثل في اتحاد عمال البحرين، فكان الجواب أن الاتحاد قادر على مواجهة التحديات، وفي سياق الإجابة وردت التماعات من بعض المنتدين تحتاج إلى بحث وتأمل، ومنها أن كبار النقابيين في الأمانة العامة لاتحاد عمال البحرين لا يحصلون على شهادة تفرغ من وزارة العمل لممارسة دورهم النقابي الصرف، وهذه الخطوة تقع في دائرة المعوق الرسمي المبرمج كما هي القوانين المعوقة والإجراءات التعسفية لتطور النقابات.
في اتجاه آخر، أكد أحد المنتدين أن النقابات الحالية لا تتعدى 40 نقابة، وكان المفترض أن تصل إلى 100 نقابة على الأقل، وهذا يسلط الضوء على الشق المتعلق بوعي العمال لطبيعة المرحلة الحالية، وآلية التعاطي مع الحقوق والمكتسبات من خلالها، وفي كلتا الحالتين، حالة تنكر الحكومة للدور النقابي، وعدم وعي قطاع كبير من العمال للدور الحالي للمكتسبات، على الاتحاد تحديدا أن يتجاوز التشريعات المعوقة، وكل الهياكل التي تنتج التشريعات، وهي غير قادرة على إعطاء العمال حقوقهم، من خلال بلورة اتحاد عمال البحرين لدوره كممثل صرف للعمال، واعتماده على هذا الدور بصفته المكسب الذي يجب تنميته من خلال مكوناته الذاتية، الزاخرة بالحيوية والنبض، في ظل افتقاد الكثير من الهياكل والمؤسسات الرسمية والأهلية للمكونات التي تحقق الإنجازات والمكاسب.
إن كل المعطيات تؤكد أن الكيان العمالي يجب أن يبحث عن مكاسبه من خلال بناء ذاته، فالخصخصة والسوق المفتوحة وحركة الاقتصاد العالمية، والتكنولوجيا التي لا تعترف بالتمييز ولا الإقصاء، وإنما تعترف بالإبداع - أيا كان انتماؤه ومذهبه - كل هذه المعطيات تحث على بناء المكونات الذاتية للحركة العمالية بعيدا عن ضغوط الجهات الرسمية التي لا تنتهي ولن تنتهي.
ختاما، بين بدايات النضال العمالي، والحركات والانتفاضات الشعبية التي فجرها العمال، وبين تأسيس كيان عمالي قادر عن الدفاع عن حقوق العمال، تقف الهياكل الحالية أمام مفترق طرق، فإما أن تواصل الدفاع عن حقوق العمال بروح النضال القديمة من خلال الهياكل الجديدة، منعا للابتزاز والتسييس للحركة العمالية، تمهيدا لضربها وإسقاطها، أو أن تصبح هياكل شكلية لا قيمة لها، سوى أنها جزء من المؤسسات الأهلية التي تشكلت حديثا، وأصبحت أمام اختبار الإرادة أمام المعوقات الرسمية المتمثلة في القوانين والإجراءات الإدارية التعسفية ضد أي شكل من أشكال التعددية ولا مركزية الدولة.
سلمان عبدالحسين
العدد 603 - الجمعة 30 أبريل 2004م الموافق 10 ربيع الاول 1425هـ