العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ

الديانات السماوية ذكرت السامريين في كتبها المقدسة

كاهن الطائفة السامرية في فلسطين في حوار مع «الوسط»

تعتبر السامرية من اقدم الطوائف في المشرق العربي ويعود تاريخها إلى 3625 سنة. وحين نزول الدعوة الاسلامية في الجزيرة العربية ارسل السامريون مندوبا يدعى صرمصا إلى المدينة واتصل بالرسول (ص) كما تقول كتب السامريين. وامر النبي (ص) علي بن ابي طالب (ع) بكتابة عهد أمان للسامريين وعاد به صرمصا إلى قومه في فلسطين.

وفي العام 1997 أقيم على قمة جبل جرزيم أول متحف في تاريخ الطائفة السامرية، ليروي قصة كفاح طائفة جار عليها الزمن بنكباته وملاحمه، وليسجل لها التاريخ كسلالة شعب قاسى أكثر من أي شعب آخر، موثقين ضمن المخطوطات الدينية، التحف الأثرية، الكتب العبرية، والانغام السامرية والصور المعبرة.

«الوسط» التقت مدير متحف جرزيم وكاهن الطائفة السامرية في فلسطين الكاهن حسني واصف واجرت معه حوارا عن الطائفة (تعدادها 655 نسمة فقط) محاولة التعرف على اصولها وتاريخها وتقاليدها واختلافها عن اليهودية وعلاقاتها القديمة بالمنطقة والاسلام. وهنا الحوار.

قال: إن السامريين هم السلالة الحقيقية لشعب «بني اسرائيل»، وهم غصن الشجرة التي جار عليها الزمن بملاحمه ونكباته، مؤلفين بتاريخهم ملحمة من أقسى الملاحم التي عرفها التاريخ، فهم اشعاع القدماء الذين لم يغادروا الأراضي المقدسة منذ قدومهم الى أرض فلسطين، أي منذ ثلاثة آلاف سنة ونيف. وعلى رغم أهمية هذه الطائفة دينيا، تاريخيا، واجتماعيا، وعراقة عاداتها وتقاليدها وثقافتها، الى جانب الحضارات القديمة والمتتابعة على الأراضي المقدسة، الا أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الكُتاب، والباحثين، والمستشرقين، علماء التاريخ والآثار الا في مطلع القرن الحالي.

وذكر واصف «أن السامريين هم بقايا شعب قديم، ينحدرون من «مملكة اسرائيل الشمالية»، وعلى رغم مرور السنين والعصور، الا أنهم لم يفقدوا هويتهم كشعب قائم بحد ذاته وتمثلهم الآن أصغر وأقدم وأعرق طائفة موجودة في العالم، عاشت ومازالت تعيش على أرض فلسطين. وحسب الكاهن واصف «يرجع تاريخهم إلى عهد الملك سليمان (923 ق.م) الذي بنى هيكله المقدس في مدينة القدس مخالفا لتعاليم التوراة، وبعد وفاته تولى ولده رحبعام الملك، ولما رفض هذا الملك رفع الضرائب أو تخفيفها عن أهل الشمال، التي فرضها عليهم والده أثناء بنائه هيكله، تجزأت الدولة العبرية الى مملكتين - الجنوبية مملكة يهودا متخذة عاصمتها القدس. والشمالية مملكة اسرائيل (المملكة السامرية) وعاصمتها سبسطيه. وأصبحت المملكتان متنافستين، وأحيانا متعاديتين، وكان لكل منهما أيام ازدهار وانحطاط، وميزان القوى يميل تارة لمصلحة «اسرائيل»، وطورا الى جانب «يهودا».

وينتسب السامريون الى ثلاثة أسباط من الأسباط الاثني عشر أولاد سيدنا يعقوب، هم سبط لاوي الذي تنتمي اليه عائلة الكهنة، وسبطا أبناء سيدنا يوسف، (افرايم ومنشي) الذي تنتمي اليه بقية العائلات الأربع الأخرى: دنفي، صدقه، مفرج، وسراوي.

ويضيف الكاهن:

عندما انقسمت الدولة العبرية الى مملكتين، كان عدد سكان المملكة السامرية (مملكة الشمال) يعد بالملايين، وتضاءل العدد حتى وصل في القرنين الرابع والخامس للميلاد إلى المليون و200 ألف نسمة، كانوا يسكنون في مدن وقرى كثيرة في أرض فلسطين، من جنوب سورية وحتى شمال مصر. إلا أن الأحكام التي مورست ضدهم، وما حل بهم من مذابح وملاحقات واكراه للتخلي عن دينهم، أدت الى تقليص عددهم حتى وصل العام 1917 الى 146 نسمة، أما الآن فيبلغ عددهم 655 نسمة نصفهم يسكن في الجبل الجنوبي من مدينة نابلس (جرزيم) والقسم الآخر في مدينة حولون قرب تل أبيب.

واضاف:

ترتكز عقيدة السامريين على خمسة أركان أساسية: الوحدانية: (الله رب العالمين، اله واحد)، النبوة: (موسى بن عمران، رسول الله وكليمه)، الشريعة المقدسة: (التوراة، خمسة أسفار سيدنا موسى وتعرف بالعهد القديم) الجبل المقدس: (جبل جرزيم، قبلة السامريين)، اليوم الآخر: (يوم الحساب والعقاب).

وأكد الكاهن «أن كل سامري لا يؤمن بالأركان الخمسة هذه، ايمانا أكيدا ثابتا وراسخا غير قابل للشك، لا يعتبر سامريا».

وعن اعيادهم قال:

يحتفل السامريون في كل عام بالأعياد الدينية فقط، التي نصت عليها الشريعة المقدسة، وعددها سبعة أعياد وهي:

1- عيد الفسح: يصادف في الرابع عشر من الشهر الأول للسنة العبرية، يقدمون فيه قرابينهم على جبل جرزيم، شكرا وعرفانا للمولى، على خلاصهم من عبودية فرعون مصر.

2- عيد الفطير: هو ذكرى خروج شعب «بني اسرائيل» من مصر، إذ خبزوا عجينهم وأكلوه عويصا ومدته سبعة أيام.

3- عيد الحصاد: وهو ذكرى نزول التوراة، ويعرف بعيد السبعة أسابيع.

4- عيد رأس السنة العبرية: يصادف في الأول من الشهر السابع للسنة العبرية.

5- عيد الصوم: يصادف في العاشر من الشهر السابع، يعرف بيوم الغفران، إذ تمتنع كل نفس عن تناول الطعام والشراب، والاعتكاف فيه الى الصلاة والعبادة.

6- عيد العرش: هو ذكرى للتيه الاسرائيلي الذي استمر أربعين عاما يعرف بعيد المظال، ومدته سبعة أيام.

7- عيد فرحة التوراة: ويأتي ثامن يوم من عيد المظال، ودلالة على ختام الأعياد.

وبحسب الكاهن «تعتمد الديانة السامرية على الطهارة، وهي ركن الدين وأساسه، والمرأة السامرية لا يجوز لها أن تلمس أي شيء من حاجة البيت أثناء الحيض (العادة الشهرية) والتي تستمر سبعة أيام، منزوية في فراشها الخاص. واذا ولدت ذكرا فانها تبتعد 14 يوما، واذا ولدت انثى فتبتعد 80 يوما. يحق لها فقط الاعتناء بولدها الرضيع، وأنه يجب على السامري الاغتسال فورا بعد عملية الجماع، واذا أحدث (استحلم) الرجل أثناء نومه، واذا لمس الحيوانات المحرم، أكلها، ولمس الميت».

اما الزواج عند السامريين فهو كما قال الكاهن:

«الزواج هو رباط مقدس عند السامريين، يمر بثلاث مراحل، خطبة، عقد قران، وزفاف. ولا يحق للسامري الزواج من العمة والخالة وزوجة الأخ وابنة الأخ أو ابنة الأخت والربيبة وابنة الزنا. ويتم الزواج بعقد وشهود، ويجري باحتفال يرأسه الكاهن الأكبر أو من ينوب عنه، وأما حالات الطلاق فهي نادرة وتحت شروط».

وعن طعام السامريين قال:

«لا يجمع السامريون في طعامهم، روحين على مائدة واحدة، كاللحم واللبن، كما لا يجوز أكل اللحوم المذبوحة على غير طريقة السامريين، لأن الذبيح له شروط دينية، أهمها أن يكون الذابح سامريا، ملما بتعاليم التوراة، يعرف المحللات والمحرمات، وأن يستعمل سكينا حادا لا يقل طوله عن 25 سم، حتى يستطيع الذبح بجرة واحدة، ويعرف موقع السكين من رقبة الحيوان، وأن يتوجه أثناء الذبح الى جبل جرزيم، وأن يطمر الدم بعد الذبح. هذا ويأكل السامريون من الطير ذوات الحوصلة وغير مشبكة الأصابع، ومن الحيوانات البحرية من كان له زعانف وحراشيف، أما الحيوانات البرية ما كانت مجترة ومشقوقة الظلف، ويحرم عليهم ذبح الحبالى من اناث الحيوان».

وعن الختانة عند السامريين أوضح الكاهن:

«الختانة عند السامريين عهد قطعه رب العالمين مع سيدنا ابراهيم عليه السلام، ومنذ ذلك الوقت والسامريون يحافظون على هذا العهد، إذ يختنون المولود الجديد في اليوم الثامن من ولادته، ولا يجوز تأخيرها لأي سبب من الأسباب».

اما الميراث فهو: «يوزع الارث عند السامريين بين الورثة بالتساوي، وتكون حصة البكر الضعف، والبنت لا ترث في حال الأموال غير المنقولة، أما إذا توفي شخص، وترك بنات فقط، فانهن يرثن بشرط أن يتزوجن من أبناء عمومتهن، كي لا يختل توازن تقسيم الأرض المقدسة على أسباط بني اسرائيل».

واضاف: «يملك السامريون حسابا فلكيا يعرف بـ «حساب الحق»، وهو حساب فلكي قمري منقول عن سيدنا آدم الى يومنا هذا وهو متوارث في عائلة الكهنة فقط. والسنة العبرية مكونة من اثني عشر شهرا قمريا، لكن هناك سبع سنوات كبيسة (ثلاثة عشر شهرا) تقع كل تسعة عشر سنة. أما ابتداء التاريخ السامري فكان منذ دخول «بني اسرائيل» الأراضي المقدسة أي قبل 3638 سنة خلت».

وعن الشريعة المقدسة التي تؤمن بها هذه الطائفة قال: «السامريون يؤمنون بخمسة أسفار سيدنا موسى، وهي التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية. ويملكون أقدم نسخة خطية موجودة في العالم للتوراة، ويعود تاريخها الى ما قبل 3625 سنة، وكان كاتبها الحفيد الرابع لسيدنا هارون، أبيشع بن فينحاس بن العازر بن هارون شقيق سيدنا موسى، وكتبت بعد دخول شعب «بني اسرائيل» الى الأراضي المقدسة بثلاث عشرة سنة ومكتوبة باللغة العبرية القديمة، وعدد أحرف اللغة اثنان وعشرون حرفا، تكتب من اليمين الى اليسار، وحتى مطلع القرن الأول للميلاد كان اليهود يكتبونها ويتكلمون بها.

والتوراة السامرية تختلف عن التوراة النسخة اليهودية بسبعة آلاف فرق، بين كلمة وآية، أما كلمة التوراة فتعني التورية إذ يجد فيها الانسان كل ما يحتاجه في هذا الوجود في أي زمان ومكان.

وشرح الكاهن معنى جبل جرزيم فقال:

«هو جبل الفرائض إذ اختاره رب العالمين لتقديم القرابين عليه وهي العشور، والأضاحي، وهو أحد الأركان الخمسة التي يرتكز عليها المذهب السامري، وهو قبلتهم ومهوى أفئدتهم. وأراد سيدنا ابراهيم تقريب ولده اسحق عليه، ورأى سيدنا يعقوب أثناء حلمه عليه الملائكة صاعدة الى السماء، وبنى يوشع بن نون هيكل سيدنا موسى عليه، عند دخوله الأراضي المقدسة، خصه المولى بثلاثة عشر اسما مميزا في الشريعة، لكن القدس لم تذكرها التوراة ولا مرة واحدة».

وعن علاقة الطائفة السامرية بالديانات الأخرى، قال الكاهن حسني واصف:

«ذكرت كل الديانات في كتبها السماوية السامريين، لذلك هناك اهتمام من قبلها بهذه الطائفة، وتذكر الكتب السامرية أنه لدى انتشار الاسلام في الجزيرة العربية توجه وفد سامري برئاسة أحد حكمائها ويدعى (صرمصا) الى النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) من أجل الحصول على كتاب خطي، لأمن السامريين وحمايتهم، فكان لهم ما أرادوا، إذ أمر الرسول محمد (ص) علي بن أبي طالب (ع) بأن يكتب عهدا للسامريين جاء فيه «أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب أمرت أن يكتب للسامرة أمانا وذماما على أنفسهم وديارهم وأموالهم وبيوت عباداتهم وأوقافهم في كل بلادهم وأن يسري فيهم وفي ذمم أهل فلسطين بالسيرة الحسنة».

أما المسيحيون فيطلقون على معظم مؤسساتهم الخيرية (السامري الصالح) تيمنا بالسامريين الذين ساعدوا المسيحي الذي أنقذوه من الموت قرب أريحا، والسامرية التي أسقت المسيح في بئر يعقوب قرب نابلس.

أما اليهود فيعود اهتمامهم بالسامريين كونهم يملكون أقدم نسخة خطية موجودة في العالم للتوراة، التي يرجع تاريخها الى 3625، وكذلك العادات والتقاليد العبرية القديمة.

أما الشعوب الأخرى فتهتم بالسامريين لرغبتها بالتعرف على أقدم وأصغر وأعرق طائفة موجودة في العالم، التي على رغم الأحكام التي مورست ضدها وما حل بهم من مذابح وملاحقات واكراه للتخلي عن دينهم الا أنهم ما زالوا يحتفظون بأعرق التقاليد لأقدم العادات

العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:55 ص

      تصويبات

      ظ،) وقع خطأ طباعي فالمقصود ظ¤ظ، يوما وليس ظ،ظ¤ يوما، فترة نجاسة والدة الأنثى.
      ظ¢) من المعروف أن السامريين يفتخرون بهذه النسخة القديسمة من توراتهم ويدعون أن حفيد هارون شقيق النبي موسى هو الذي نسخها، وهذا يعني أن هذا كان قد جرى قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة وهذا بالطبع غير معقول أن تبقى مخطوطة حتى يومنا هذا. الحقيقة أن المخطوط المذكور يعود إلى القرون الوسطى.
      ظ£) لفظة التوراة عبرية الأصل وتعني التعاليم وهي مشتقة من فعل بمعني علّم وليس كما ورد في المقالة أي تورية.
      بإخلاص
      حسيب شحادة
      جامعة هلسنكي

اقرأ ايضاً