العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ

لاروش: علينا طلب مساعدة دول المنطقة للانسحاب الفوري من العراق

مداخلات أميركية لحلحلة الوضع في العراق وفلسطين

لقد فرض الوضع المتفجر في العراق - المتمثل في تصاعد حدة المواجهة العسكرية بين تحالف قوات الاحتلال وأطراف المقاومة العراقية المختلفة وارتفاع عدد القتلى والجرحى بين صفوف الأميركيين من ناحية وظهور صور التعذيب الذي يلقاه العراقيون سواء في السجون على يد الجلادين الجدد (على وزن المحافظين الجدد) أو في حياتهم اليومية من قتل عشوائي وحرمان - واقعا جديدا على الشارع السياسي الأميركي.

تقول بعض التحليلات إن هنالك حال تذمر شديدة في المؤسسة العسكرية الأميركية دفعت أجنحة معينة إلى تسريب صور توابيت الجنود الأميركيين وصور التعذيب الوحشي في سجن أبوغريب إلى وسائل الإعلام لفرض نقاش علني على الإدارة الأميركية. جزء من هذا الواقع الجديد برز في صيغة تحركات متحدية لسياسة الإدارة الأميركية في المنطقة مثل الرسالة المفتوحة التي وجهها عدد كبير من الدبلوماسيين الأميركيين السابقين وهاجموا فيها سياسة الإدارة الأميركية في فلسطين، وكذلك في صيغة أفكار ومقترحات لحل الورطة التي أدخلت الولايات المتحدة نفسها فيها في العراق.

جاء ذلك في صيغة مقترحات لخطة انسحاب أو إعادة ترتيب وضع القوات الأميركية في المنطقة والسياسة الخارجية الأميركية عموما ونشرت في وسائل الإعلام الأميركية المختلفة. وتشير بعض المصادر الأميركية إلى أن الفوضى والتشويش اللذين رافقا تسليم الفلوجة للواء حماية الفلوجة العراقي تحت إمرة ضابط سابق في الجيش العراقي كان مصدرهما أن أطرافا ما في المؤسسة العسكرية الأميركية تجاوزت الحاكم المدني بريمر ومجلس الحكم وربما حتى قائد القوات مارك كيميت لعقد صفقة مع أهالي الفلوجة لفرض واقع جديد على القيادة الأميركية.

أكثر الاقتراحات الآتية من أميركا لفتت النظر بسبب راديكالية ما يطرحه الاقتراح الذي قدمه عالم الاقتصاد الأميركي والمرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة ليندون لاروش. هذه الاقتراحات لا تبدو مجرد تعديل في السياسة الأميركية، بل انقلاب في مفاهيم السياسة الخارجية وإعادة تعريف لمعنى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وعلى رغم أن لاروش ليس جزءا من المؤسسة السياسية الحاكمة بل هو معارض لها فإنه يعرض هذه الأفكار كطوق نجاة للمجتمع الأميركي عسى أن يستفيق الشعب والإدارة من الورطة التي وضعهم فيها صقور الحرب والمحافظون الجدد.

ينص اقتراح لاروش على النقاط الأساسية الآتية:

سحب القوات الأميركية بسرعة وبنجاح من العراق «لعدم وجود أي سبب أخلاقي أو عسكري لإبقائها في العراق» على حد قوله. تشمل هذه النقطة إعادة بناء المؤسسات العراقية الأساسية الموجودة قبل الغزو وبالذات الجيش والمؤسسات الاقتصادية والخدمية لتحل محل قوة الاحتلال والإدارة المؤقتة.

خلق إطار استراتيجي أوسع يمكن من خلاله إيجاد حل قابل للتطبيق، ويتمثل ذلك في إشراك دول ما يسميه جنوب غرب آسيا وعلى رأسها إيران وتركيا وسورية ومصر كقوى إقليمية أساسية لعقد اتفاق أمني تكون الولايات المتحدة مجرد راع أو شريك فيها وأن تكون هذه الدول موافقة بحرية على نصوصه.

عدم إمكان نجاح هذه المبادرة من دون تغيير الولايات المتحدة لسياساتها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال قيامها «باتخاذ أشجع وأجرأ الإجراءات لتحقيق التزام أميركي غير مشروط لمفاوضات مباشرة لاتفاق سلام يضمن قيام دولتين على الأسس المحددة سلفا»، كما يقول لاروش. أهمية هذه النقطة هي أن أي شخص في المنطقة لن يصدق كلمة واحدة مما تطرحه الولايات المتحدة ما لم تقم بالضغط على «إسرائيل» لوقف احتلالها، وهذه القضية هي سبب فقدان الولايات المتحدة لكل صدقيتها في نظر شعوب المنطقة والعالم الإسلامي.

النقطة الأخرى التي يعتبرها لاروش مركزية لأي اتفاق أمني أو سلمي هي جانب التعاون الاقتصادي والتنمية الاقتصادية بين دول وشعوب المنطقة. ويقول: «إن أهم مسألتين اقتصاديتين في المنطقة هما المياه والطاقة. ففي المنطقة التي تقع فيها «إسرائيل» وفلسطين المحتلة، على سبيل المثال، ليس هناك ما يكفي من المياه من المصادر المتوافرة الآن لتمكين عدد السكان المتزايد هناك من العيش بسلام... وعلى الولايات المتحدة الاعتراف بأهمية استقرار منطقة جنوب غرب آسيا كجانب أساسي لاحتمال الانتعاش الاقتصادي عن طريق التنمية في جميع أرجاء القارة الأوراسيوية والمناطق القريبة منها ككل. ومن أهم مصالح الولايات المتحدة تنمية هذه المنطقة وتطورها بأشكال ترفع الظروف المعيشية وعلاقات التعاون بين شعوب تلك القارة، مؤدية بذلك إلى خلق نظام للتعاون من أجل التقدم».

وتشمل فكرة لاروش الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها دول المنطقة والعراق من موارد طاقة ومعادن وقدرات بشرية لتتحول إلى منطقة إنتاج صناعي زراعي مزدهرة، وأيضا كونها جسرا طبيعيا وتقاطع طرق للتجارة والنقل بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا، ما سيزيد من احتمالات بناء وتطوير شبكات البنية التحتية للنقل والمياه والطاقة في المنطقة بشكل أسهل وأقل كلفة.

ويعتبر لاروش أن الأولوية لإدارة بوش والمؤسسات العسكرية والاقتصادية الأميركية هي إعادة بناء الاقتصاد الأميركي في الداخل والذي يصفه بالمنهار والمفلس: «لا يمكن فصل قضايا السلام والأمن اليوم عن قضية إعادة بناء الاقتصاد وإعادة الولايات المتحدة دورها السابق باعتبارها الأمة المنتجة الأولى في العالم، وهو دور ينعكس في مستويات جديدة من التقدم العلمي والتكنولوجيا. وهذا يتطلب إعادة بناء جمهوريتنا بحيث يتم تمكين المؤسسات الملتزمة بتراثنا العسكري للدفاع الاستراتيجي لتتبوأ موقعها الدستوري التقليدي» على حد قوله. ويشير لاروش إلى حقيقة أن «إعادة إعمار الاقتصاد الأميركي المفلس حاليا لن يمكن إنجازها من دون استثمارات هائلة طويلة الأمد لاعتمادات حكومية لإعادة بناء وتطوير البنية التحتية الاقتصادية الأساسية تساوي ما مقداره 6 ترليونات دولار تستثمر خلال الأعوام الأربعة المقبلة».

لكن الكثير من المحللين يشكك في إمكان تحول سياسة الإدارة الأميركية بهذا الشكل الراديكالي، وخصوصا مع عدم وجود معارضة سياسية حقيقية، إذ يحاول المرشح الديمقراطي الأبرز جون كيري في الانتخابات المقبلة تقليد سياسات وتصريحات بوش تجاه العراق وفلسطين حتى لا يخسر أصوات اللوبي اليهودي والمؤسسة العسكرية الصناعية، ولكن التطورات على أرض الواقع في العراق من الناحية العسكرية والانسانية واحتمال حدوث هزات كبيرة في الاقتصاد الأميركي في الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تؤدي إلى خلق ظروف مختلفة وحال تذمر في الشارع الأميركي تتحول فيه مثل هذه الأفكار من مجرد آراء غير واقعية إلى حلول مطلوبة

العدد 609 - الخميس 06 مايو 2004م الموافق 16 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً