العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ

«عُمرت البلدان بحب الأوطان»

تقي الزيرة comments [at] alwasatnews.com

قبـل انطلاقــة الانتخابــات النيابيـــة في العــام 2002 دار حـديث قصيــر بينــي وبين أحـــد الرمــوز السياسيــــة البــــارزة. قلت لــه «المقاطعة، بحسب رأي الكثير من الفعاليات التجارية والمهنيـة والمستقلة، هي خيار استراتيجــي خاطئ أو أقل حظا وتماسكا من خيار المشاركة. ومعظم الآراء والخبرات العربية أكدت لنا ذلك بما فيها شخصيات وطنية ودينية ملتزمة من الكويت ولبنان وايران والعراق. وأتصور أن الجهات الرسمية البحرينية ستعمل جهدها لإنجاح خيار المشاركة لإثبات صحة رؤيتها وتوفير الفرصة لنجاح المشروع الإصلاحي. وأتصور أيضا أنها ستوفر للنواب المكانة الاجتماعيــة والبريق الإعلامــي والقدرة على تفعيل دور السلطة التشريعية، وستعمل على تفعيل الميثاق ومعالجة الملفــات المهمة تدريجيا وتلبية حاجــات المواطنين ما أمكن، لكي تثبت أيضا: ان خيار المقاطعة لم يكن موفقا، وان دستور 2002 قادر على توفير الحلول المناسبة، وإصدار التشريعات، وتطوير نفسه بنفسه من خلال المجلس الوطني».

فرد عليّ قائلا: «هذا كل ما نتمناه. نحن نريد أصلا أن تحل مشكلات الناس، لا أكثر ولا أقل». بعد عامين من هذا الحديث، التقيت رمزا كبيرا آخر من (رموز المقاطعة) وقلت له «خطابات جلالة الملك واضحة جدا فجلالته مازال عند موقفه: بأن أي تعديل على الدستور يجب أن يتم من تحت قبة البرلمان. وقد كرر ذلك في أكثر من خطاب إلى الشعب. الوضع أصبح صعبا جدا. فقد قال جلالته قبل الانتخابات النيابية إن الانتخابات لن يتم تأجيلها، وقد كان عند كلمته. وقال أيضا إن المشروع الإصلاحي ماض في مساره وسيتطور للأفضل. ونحن نعرف أن الدولة، وخصوصا مع بداية انطلاقة حركتها الإصلاحية، يهمها أن تحافظ على كلمتها وهيبتها وصورتها الجديدة لاسيما في المسرح الدولي».

وتابعت حديثي «نحن نعرف أن الكتل النيابية كلها تخطط وتدبر لطرح التعديلات الدستورية عن قريب، وأن قيادات بارزة في مجلس الشورى أبدت تعاطفها وتأييدها لتعديل الدستور في هذه الدورة الانتخابية. وأتصور لو تمكن النواب وأعضاء مجلس الشورى من الاتفاق على المواد التي سيتم طرحها للتعديل ونجحوا في خلق حال توافق وطني مع الحكومة، وتم فعلا تعديل الدستور، فسيكون الوضع محرجا جدا للتحالف الرباعي وتيــار المقاطعة. وخصوصا إذا علمنا أن التحــالف رفض أي تعــاون أو تنسيق مع النواب أو أعضاء مجلس الشورى». وأردفت قائلا: «إذا تحقق هذا التعديل، فهذا سيعزز الصورة العامة لمجلسي النواب و الشورى والمؤسسات الدستورية وآليات دستور 2002، وفي المقابل قد تهتز الصورة العامة للتحالف الرباعي ورموزه التي نعتز بها، وسيتلألأ نجم الجمعيات السياسية التي شاركت في الانتخابات. من هذا المنطلق، أرى من صالح التحالف الرباعي، أن يقوم بمراجعة هادئة لموقف المقاطعة الذي تبناه، ويدعو إلى مؤتمر لحوار وطني عريض تدعى إليه كل الجمعيات السياسية، بما فيها الكتل النيابية والشخصيات المستقلة، بهدف دراسة الخيارات الاستراتيجية قبل حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة في العام 2006، ومحاولة الاتفاق على رؤية واضحة بشأن مسار القوى الوطنية وموقفها من الحركة الإصلاحية، ودراسة التحديات الكبرى التي تواجهها، والسعي حثيثا نحو خلـق حال توافـق وطنـي جديد، لا يستثني ولا يقصي أي طرف، بغض النظر عن موقفه من مسألة المشاركة والمقاطعة، التي تسببت في تعطيل لغة الحوار مابين القوى الوطنية، وشلـّت قدرتنا على التفكير الهادئ والموضوعي، وأدخلتنا في خلافات داخلية وممارســات ومهاتــرات لاتليق بنا، ولا تعكس تاريخنا الوطني المشرّف».

فرد علي بهدوء قائلا: «أنا لا أرى أية مشكلة في الحوار والاستماع إلى آراء الآخرين». نهاية الحديث.

في الواقع، نحن لانشك في النوايا الوطنية الصادقة لكل الرموز والقوى الوطنية وشخصيات المعارضة التي صمدت وأبلت بلاء حسنا في العقود الماضية. ونعرف أنهــا ضحـّت بالغالـي والرخيــص، حبا في الوطــن ودفاعــا عن حقوق الشعب البحريني، إلا أنها بسبب اختلافها على مسألة المشاركة في الانتخابات النيابية للعام 2002 ابتعدت كثيرا عن الدوائر الكبيرة التي تجمعها وتجمع كل مؤسسات المجتمع المدني، وانقسمت بسبب ذلك فيما بينها مابين مشارك ومقاطع، وانحرفت ممارساتها بصورة سلبية، وتأثرت سيكولوجيتها وأخلاقياتها وآدابها السياسية، فصــــارت تتبادل الاتهـــام والتخوين والتكفير والإقصاء والتسقيط والتشهير ضــد من كل من يخالفهــا في الرأي أو الموقف (وبما أن أكثر قليلا من نصف الناخبين البحرينيين شاركوا في الانتخابات النيابية، فهل هذا يعني أن نصف شعب البحرين خائن ومتزلف وساقط؟).

ومن الواضح هنا أن المعارضة البحرينية تمر بمنعطف خطير. فهناك خطابان في الساحة، المتلقي لهما، غالبيته فئة من الشباب، ثقافته متواضعة، إلا أن عطاءه وحماسه واندفاعه بلا حدود: الخطاب الأول، خطاب معلن وواضح وشفاف يدعو إلى التعقل والحكمة والهدوء وعدم ممارسة العنف. هذا الخطاب صار الآن يتردد بقوة من علماء الدين ورموز المجتمع المدني والجمعيات السياسية والتحالف الرباعي. وخطاب آخر لا نعرف تحديدا مصدره، هو خطاب بعيد كل البعد عن أخلاقيات المعارضة وآدابها، ثقافته محدودة، ولغته بذيئة، وممارساته لاتمتنع عن القيام بـأي عمل، وخصوصا الأعمال التي تلفت أنظار المجتمع وتركض لها عدسات ووكالات الأنباء، أو التي تستثير الشباب وتلهب حماسهم . فكأن هذا (الخطاب المستتر ) هو الخطاب المعبر الحقيقي عن الخط المتشدد، ولا يهمه اتباع الآداب العامة والأعراف السياسية أو ما يسمى بفن السياسة أو آداب المعارضة، ولا يمانع في التستر وراء أسماء وهميّة، واتهام خلق الله وقذفهم بما ليس فيهم، ما أدى إلى ابتعاد عقلاء القوم والمثقفين والمعتدلين، واعتزالهم الساحة السياسية قليلا أو كثيرا. قيل للإمام الصادق جعفر بن محمد (ع): اعتزلت الناس؟ فقال: «فسد الزمان وتغيـّر الأخوان، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد» (البحار ج 47 ص 60).

ويرى بعض المراقبين، أن الوضع الحالي ربما لا يبشر بالخير، وأنه أمسى مشحونا ومتوترا جدا، ومع أننا لا نحب أن نرسم صورة رمادية متشائمة، إلا أنها قطعا ليست وردية متفائلة. لهذا فإن الجميع مدعو إلى تحمل مسئوليته، وتسخير طاقته لمعالجة هذه الحال المتوترة. ولهذا ندعو المعارضة بكل أطيافها ومواقفها (المشاركة والمقاطعة) للاجتماع بصورة عاجلة وفتح القلوب والصدور في مؤتمر وطني، ولحوار عقلاني هادئ (ونبذ واستنكار المشاحنات والاتهامات والمهاترات عبر مواقع الانترنت أو الصحافة أو رسائل الهواتف النقالة) في محاولة من جميع الأطياف لقراءة الحالة السياسية الحالية من جديد، بعد أن اجتزنا عامين أو ثلاثة من انطلاقة الحركة الإصلاحية وعودة الحياة الدستورية. فمن خلال هذا التحرك السلمي الحضاري تكون المعارضة قد أرسلت إشارات وإيماءات إيجابية تعكس للمجتمع وللدولة أنها معارضة مسئولة ومتحضرة، وأن مصلحة الوطن والمواطنين ومستقبل الأجيال القادمة فوق كل المصالح الفئوية والقبلية والحزبية. وبهذا سيكون من الصعب على الجهات الرسمية تجاهل إشاراتها ورغبتها في الحوار ونواياها ووسائلها السلمية في التعبير. وفي الوقت نفسه، ندعو الدولة أيضا إلى إرسال إشارات إيجابية ورصد أية إشارات إيجابية قادمة من ساحة المعارضة. فمن خلال هذه الإشارات المتبادلة والتعابير الحضارية تكبـر القلوب، وتتســع الصدور، وتتفتح البصيرة، ويتوافــر المناخ الصحي لحــوار حقيقي ما بين المعارضة والدولة. أما المكابرة والتحدي والاستفزاز، ومحاولة تجاهل الطرف الآخر، أو استصغاره واحتقاره، وترك الشــارع عرضة للعبث والفوضى وإسالة الدمــاء على أيدي فوضويين أو مندسّين، فلن يستفيد منه أي طرف، بل سيتضرر منه كل طرف... حتى الغالبية الصامتة نفسها.

ويحضرنا ونحن نكتب هذه السطور أحاديث وكلمات نورانية نحن في أشد الحاجة إلى استذكارها وتكرارها. والكلام هنا ليس موجّـها لطرف دون غيره، وإنما هو موجّه للجميع. قال الله جل جلالــه في حديث قدسي «إذا عصانــي من خلقي من يعرفني سلطت عليــه من خلقــي من لا يعرفني» (من لايحضره الفقيه ج 3 ص 289). ويقول النبي (ص): «لاتكونوا إمعّة، تقولون إن أحسن الناس أحسنــّـا، وإن ظلموا ظلمنـا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس تحسنوا، وإن أساؤوا أن لا تظلموا» ويقول (ص) «من فتح له باب الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه». ويقــول أمير المؤمنين علي (ع) «اتهموا عقولكم، فإن من الثقة بها يكون الخطأ». ومن أقواله أيضا (ع): «اضربوا بعض الرأي ببعض، يتولد منه الصواب» و«أعقــل الناس أنظرهــم في العواقـب». وفي رواية عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) قال «وحق السلطان: أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى منك بما جعله الله له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقي بيدك إلى التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء». ويقول الإمام الهادي (ع) «إن الظالم الحالم يكاد أن يُـعفى عن ظلمه بحلمه، وإن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه»

العدد 610 - الجمعة 07 مايو 2004م الموافق 17 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً