العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ

الولايات المتحدة تدير ظهرها لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان

من انعكاسات قضية المعتقلين في برلين:

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بدأ الهجوم الإعلامي الأميركي المضاد وقد مهدت له مستشارة البيت الأبيض للأمن القومي كوندليزا رايس حين كانت أول عضو في إدارة الرئيس بوش يظهر على شاشة محطة تلفزة عربية في محاولة يائسة لحصر الخسائر الكبيرة التي لحقت بسمعة القوة العظمى بعد نشر الصور السادية التي مازال أثر فضحها يتفاعل ليس داخل العالم العربي الإسلامي فحسب وإنما داخل الولايات المتحدة أيضا.

ويشير محللون هنا إلى أن الظهور المسرحي لبوش على شاشة محطتي «العربية» الممولة من قبل السعودية، ومحطة «الحرة» التي أنشأتها الولايات المتحدة لتكون بوق دعاية لسياستها في المنطقة العربية، يرمي إلى هدفين، أولا: تخفيف حدة موجة العداء للولايات المتحدة، وثانيا: كون صور الممارسات المعروفة لدى المسئولين في وزارة الدفاع الأميركية على الأقل منذ أشهر تشوش على حملته الانتخابية وتهدد شعبيته بغض النظر عن ردود الفعل الخطيرة على مصالح الولايات المتحدة داخل العالم العربي والإسلامي.

السادية الاميركية

من جملة ما قاله الرئيس بوش ان ما حصل في سجن أبوغريب لا يمت بصلة لمبادئ أميركا التي يعرفها، لكن المبادئ التي يعرفها بوش غير التي آمن بها جون كنيدي ومارتن لوثر كينغ. وطبقا لأقوال سياسيين أميركيين معارضين لسياساته إن ما يسمى بالحرب المناهضة للإرهاب ساعدت في تشجيع الكثيرين من العسكريين الأميركيين على تجاهل المبادئ التقليدية، وأطلقوا العنان لإشباع ملاذهم وممارسة الأعمال السادية بحق معتقلين عراقيين. وتخشى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أن تكون ممارسات مماثلة حصلت في معتقل غوانتنامو وفي أفغانستان إذ سبق وأن أثيرت ضجة لوقت قصير عقب الكشف عن مقتل ثلاثمئة من الطالبان داخل حاويات تركوا داخلها وسط الصحراء الحارقة حتى لفظوا أنفاسهم. وقالت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه»: الواضح أن الرسالة التي وجهها بوش وجدت آذانا صماء في العالم العربي الإسلامي وبصورة خاصة في العراق. وكل ما وصل بوضوح مجموعة الصور المروعة للمعتقلين العراقيين وهم في أوضاع مشينة مهينة لكرامة الإنسان.

لا يسمعها غير رجال المخابرات!

وأضافت الصحيفة: «قبل عام أعلن بوش نهاية المعارك الرئيسية للحرب، وبعد نشر الصور الفاضحة يمكن القول إن الحرب مازالت مستمرة. ويحكم المراقبون هنا مسبقا بالفشل على الجهود التي تقوم بها إدارة بوش لكسب قلوب العراقيين وسائر العرب. ويجد أحدهم أن الجبهة الوحيدة التي تجري عليها المنافسة ندا لند بين العرب والولايات المتحدة هي جبهة الإعلام، أما في الميادين الأخرى مثل الدبلوماسية والاقتصاد فإن الغلبة مكتوبة للولايات المتحدة. لكن سلاح الإعلام لا يقل قوة عن سلاح الدبلوماسية، وهذا ما أدركته واشنطن التي سعت في حملتها العسكرية لضم ستمئة صحافي ضمن فرق الجيش لينقلوا مشاهداتهم للرأي العام الأميركي كما يراها الجنود الأميركيون. كما رافق هذه العملية إرسال فريق كبير من الصحافيين الأميركيين الذين يتحدثون اللغة العربية ولأول مرة ممثلين عن وزارة الخارجية من أصل عربي لتحسين سمعة أميركا في المنطقة وحتى اليوم من دون نجاح يذكر. ورأت إدارة بوش ضرورة العمل للفوز بثقة المواطنين في البلدان الإسلامية منذ يوم 12 سبتمبر/أيلول العام 2001 بعد هجوم (القاعدة) على الولايات المتحدة. ولم تكن قد كشفت بعد عن نواياها في شن حملاتها العسكرية على أفغانستان والعراق، كما كانت تخطط لاحقا لغزو سورية وإيران لو لم تنشأ عراقيل في طريق حملتها على العراق. ويلاحظ المراقبون كيف أن الولايات المتحدة موّلت أجهزة إعلام تبث باللغة العربية بملايين الدولارات ثم أنشأت محطة «الحرة»، ولم تزد حصيلة كل تلك الجهود عن الفشل الذي واجهه راديو موسكو إبان الحرب الباردة حين كان يبث برامجه الموجهة إلى الغرب من دون الفوز بمستمعين غير موظفي أجهزة الاستخبارات!

ويقول محرر الشئون الخارجية بصحيفة «زود دويتشه» الليبرالية، شتيفان كورنيليوس إن الملاحظ في ردود الفعل الدولية على الصور المشينة أن الغضب العالمي جاد ويكشف كيف خسرت الولايات المتحدة الكثير من سمعتها ونفوذها خلال أيام قليلة. وأضاف قائلا: «هذه الفضيحة ستضر كثيرا بالسياسة الخارجية لإدارة بوش لأن الأدلة واضحة لا تحتاج إلى التشكيك، كما أنها أبرز دليل على أن الولايات المتحدة تغيرت كثيرا بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر، وأنها بدأت تتخلى عن المبادئ التي يتباهى بها دستورها: الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان». ويجد شتيفان كورنيليوس أن الشكوك في هذا السياق بدأت تظهر عقب التلاعب في العام 2000 بعملية انتخابات الرئاسة إذ وصل بوش إلى السلطة عبر طرق ملتوية. وبعد إعلان الحرب المناهضة للإرهاب سمحت الولايات المتحدة لنفسها استخدام قوتها العسكرية الهائلة وفقا لما ترتئيه ضاربة بعرض الحائط القوانين الدولية. لهذا فإن الذنب لا يتحمله فقط الجنود الساديون.

شرودر يتحفظ وميركل تنتقد

حصل تحول سياسي مهم في برلين عقب نشر الصور المروعة واستفحال الفضيحة، فبعد أن ظلت زعيمة الاتحاد المسيحي المعارض أنجيلا ميركل على رغم اختلاف وجهة نظر حزبها، متمسكة بتأييدها لسياسة بوش في العراق أبلغت الصحيفة الأسبوعية «دي تسايت» عما كانت تأمله بأن يقود الهجوم العسكري الأميركي إلى انتشار الديمقراطية في العراق. ووصفت تقارير تعذيب المعتقلين العراقيين بأنها مؤلمة ومجازفة بصدقية مبادئ الديمقراطية. وهذه أول مرة توحي ميركل بعزمها التنصل من تأييدها لحرب العراق. فيما يتحفظ المستشار الألماني غيرهارد شرودر وأعضاء الحكومة الألمانية على التصريح وانتقاد ممارسات الجنود الأميركيين في سجن أبوغريب التي وصفتها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الأميركية والعالمية بأنها تشكل خرقا واضحا لاتفاق جنيف المتعلق بأسرى الحرب. ويجد وزير الخارجية يوشكا فيشر الذي ينتمي لحزب الخضر، وأحد أبرز معارضي حرب العراق في ألمانيا، أن التطورات الخطيرة في العراق تزيد التوتر القائم في منطقة الشرق الأوسط وتشجع التطرف. وجاءت تصريحات فيشر الأخيرة لتكون الأقوى منذ اندلاع حرب العراق وقال إن الوضع في هذا البلد العربي وصل مرحلة حساسة جدا بحيث يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط برمتها. أضاف فيشر قائلا: «لقد حدث في العراق تحديدا ما خشينا حدوثه خصوصا وأننا خشينا أن تتحول قوات الغزو إلى قوات احتلال وتنامي نفوذ الإسلاميين المتطرفين واستفحال أعمال العنف وهذا ما يجري داخل العراق اليوم».

وكان المستشار شرودر ووزير خارجيته قد عارضا الحرب ورفضا رغبة بوش بمشاركة جنود ألمان، وكانت النتيجة تعرضهما لقطيعة من البيت الأبيض لم تنته حتى وقت قريب حين شعر بوش بحاجة إلى ألمانيا كي تخفف العبء عن قواته في أفغانستان وكذلك تقديم مساعدات في عملية إعادة تعمير العراق. وتعمل ألمانيا حاليا في تدريب أفراد في الشرطة العراقية في قاعدة بدولة الإمارات العربية المتحدة. لكن شرودر وفيشر توقفا منذ وقت عن توجيه انتقادات علنية لسياسة بوش في العراق ويعتقد المراقبون أن هذه المرحلة على وشك النهاية لأن شرودر وفيشر يحتاجان إلى ورقة العراق لاستخدامها في الحملة الانتخابية التي تسبق موعد انتخابات البرلمان الأوروبي إذ يطمعان بفوز حزبيهما ووقف تقدم الاتحاد المسيحي المعارض.

الانفجار الكبير في المنطقة

وتصر ألمانيا اليوم على ضرورة حصول الأمم المتحدة على دور بارز في وضع نظام جديد في العراق وفقا لتصورات المبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي.

وقال فيشر إنه واثق من أنه لو تم تسليم دفة الأمور للأمم المتحدة قبل عام بعد نهاية المعارك الرئيسية لما وصلت الأمور إلى الوضع المعقد القائم حاليا. وأشار إلى أن الأميركيين حين غزوا بغداد وأصبحوا قوة احتلال حملوا أنفسهم عبء النزاعات الإقليمية الموجودة في الشرق الأوسط، وهذا ما حذرنا منه. وناشد فيشر الولايات المتحدة أن تبادر إلى ترك دفة الأمور إلى الأمم المتحدة معبرا عن خشيته من أن ينصهر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مع نزاع العراق ويحصل انفجار كبير في المنطقة.

كما ناشد فيشر دول الاتحاد الأوروبي أن تعمل بسياسة متزنة تجاه النزاعين والقيام بجهود دبلوماسية أكثر فعالية، في الوقت الذي رفض فيه هذا المسئول الألماني بصورة قاطعة إرسال جنود ألمان إلى العراق حتى ضمن وحدة تابعة لحلف شمال الأطلسي وقال إن العراقيين سينظرون إلى جنودنا على أنهم قوة احتلال جديدة وهذا ما ينبغي أخذه في الحسبان

العدد 612 - الأحد 09 مايو 2004م الموافق 19 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً