العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

نزاع الشيشان ليس مشكلة تخص روسيا وحدها

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لم يتصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تبدأ الولاية الثانية له في السلطة مثل البداية السيئة التي تمت وأعادت النزاع بشأن الشيشان إلى صدارة الحوادث الدولية، إذ بعد يومين فقط على الحفل الاستعراضي الذي جرى في موسكو إيذانا ببدء ولاية ثانية، انفجرت عبوة ناسفة في ملعب رياضي في الشيشان أودت بحياة رجله وحليفه أحمد قديروف وكذلك قائد القوات الروسية في الشيشان خلال الاحتفال بانتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وكان بوتين نفسه جعل قديروف أقوى رجل في الشيشان، ما يعني أن مقتل الأخير ضربة قوية للرئيس الروسي ولسياسته تجاه نزاع الشيشان. سارع بوتين لتعيين خليفة لقديروف مغبة نشوء ثغرة سياسية وأمنية تشجع البعض على الدخول في صراع على النفوذ وعلى رغم أنه لم يختر رمضان قديروف، ابن أحمد قديروف لخلافة والده فإن المراقبين يعتبرونه الرجل القوي الجديد الذي بيده كل شيء في الشيشان، مثل الروس وتحديدا، الرئيس بوتين.

اغتيال قديروف يكشف أن الفصائل الشيشانية مازالت قادرة على أن تفعل ما تشاء على رغم تحول الشيشان إلى ثكنة عسكرية روسية. وأفلحت هذه الفصائل في نقل رحى الصراع الدامي إلى مدن روسية كما جرت محاولات لاختطاف طائرات مدنية روسية في عدد من الدول الآسيوية، لكن يبدو أن الدليل الكبير في هذه العملية أن الطريق الروسي المنفرد لحل نزاع الشيشان بالتصور الذي وضعه بوتين لم يحقق النجاح المطلوب واغتيال أبرز حلفائه في الشيشان سيزيد الأمور سوءا.

كان قديروف حجر الشطرنج الرئيسي بيد بوتين ورقم واحد في تصورات الحل الروسي لنزاع الشيشان، إلى جانب دستور جديد والحصول على حكم ذاتي وبرنامج إعادة التعمير والتمهيد لاحقا ليتم انتخاب رئيس وبرلمان. كان هذا الحل معقولا لو لم يكن فيه خطأ تجميلي. فقد تم التلاعب بالدستور كي يتمكن الجنود الروس في الشيشان المشاركة في الانتخابات إذ بلغت نسبة الناخبين الروس 96 في المئة من مجموع الناخبين. وحين جرت انتخابات الرئاسة في الشيشان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تعرض منافسو قديروف إلى تهديدات وأجبروا على التراجع عن الترشح على رغم أنهم كانوا يتمتعون بشعبية أكبر من شعبية قديروف المكروه من قبل غالبية المواطنين الشيشان الذين كانوا يعتبرونه عميلا لموسكو. وحين تمت عملية الانتخابات كان من المضحك المبكي أن يكون قديروف المرشح الوحيد وفاز بغالبية أصوات الجنود الذين دفعت بهم موسكو إلى الشيشان.

فلاديمير بوتين ليس من صنف الرجال الذين يعترفون بأخطائهم. خطأه الكبير أنه راهن على رجل مكروه غير مؤهل للقيام بمهمات منصبه وليس بوسعه تحقيق الوفاق بين مختلف الأطراف الشيشانية وإعادة الوحدة واللحمة إلى المجتمع الشيشاني، عوضا عن ذلك فإن أسرته حققت الثراء الوفير نتيجة الحرب. أما ولده رمضان فإنه يتخلص من الخصوم السياسيين لوالده ويوسع نفوذه محتميا بالمؤسسة العسكرية الروسية وجيش صغير من الأتباع.

في الشيشان يحدث كل شيء مما لا يتفق مع القوانين الدولية... احتلال وقتل وتعذيب وخطف أشخاص واغتصاب نساء إضافة إلى اختلاس أموال برنامج إعادة التعمير على رغم أنه بالكاد يمكن الإشارة إلى مشروع تحقق في هذا السياق بعد أن حول الروس العاصمة غروزني ومدن أخرى إلى أرض محروقة. الأطراف الضالعة في اختلاس أموال برنامج إعادة التعمير تابعة للبيروقراطية الروسية والمؤسسة العسكرية في الشيشان. كما لا يمكن الحديث عن حكم ذاتي لأن قديروف كان ينفذ الأوامر التي يمليها عليه بوتين ولن يتغير الوضع في عهد خليفته. ولا يفكر بوتين أبدا بالتفاوض مع أصلان مسعودوف الرئيس الشيشاني المنتخب من قبل الشيشان أنفسهم وعلى أية حال فإن تصورات بوتين خلت منذ البداية من نقطة التفاوض مع ممثلي الفصائل الشيشانية المناهضة لموسكو ولم يغير بوتين موقفه هذا على رغم الفشل الواضح لسياسته في الشيشان.

وقد سقط نتيجة المواجهات المسلحة بين ثوار الشيشان والجنود الروس خلال السنوات الأربع الماضية عدد من القتلى الروس يزيد عن عدد الذين سقطوا عند بدء الحرب الروسية الشيشانية الثانية. في الغضون توقفت الحكومة الروسية عن إطلاع الصحافة على عدد قتلاها في الشيشان. كما أن الأرقام التي كانت موسكو تصرح بها في السابق لم تكن صحيحة وكانت مدروسة بطريقة ترمي إلى عدم إثارة الرأي العام الروسي. ولو لم تكن هناك لجنة تطلق على نفسها اسم لجنة أمهات الجنود الروس في الشيشان لكان النجاح تحقق للمسئولين في الحكومة الروسية. منذ سنوات تمثل لجنة أمهات الجنود شوكة في عين الكرملين. وفقا لبيانات هذه اللجنة يتراوح عدد الجنود الروس الذين سقطوا في حرب الشيشان الثانية بين 11 ألفا و14 ألف جندي. كما أن رغبة الشيشان بالعيش في أمن وسلام تتعرض باستمرار إلى عراقيل أبرزها أعمال القتل التي يذهب ضحيتها مدنيون في المقام الأول. إن ضعف الأمل بحل سياسي وانفراج نهائي لهذا النزاع إضافة إلى سياسة البطش التي تتبعها روسيا في الشيشان زاد عدد المواطنين الشيشان الذين يفجرون أنفسهم في شوارع روسيا بينما سياسة بوتين تتعرض بصورة مستمرة إلى انتقادات، ذلك أن عملية اغتيال مدروسة راح ضحيتها الرئيس الشيشاني السابق سليمخان يندرباييف في الدوحة بعد أن فجر عميلان روسيان سيارته، لم تحل المشكلة بل صعدتها وأحرجت الكرملين. ومثلما أسفرت سياسة بوش في العراق عن دخول أصوليين فإن سياسة بوتين في الشيشان أسفرت أيضا عن دخول أصوليين إلى القوقاز وتحول الشيشان إلى حرب رمزية مثل الصفة التي انطبقت على أفغانستان إبان الاحتلال الروسي الذي انتهى بهزيمة قاسية.

بدأ نزاع الشيشان بصورة حرب من أجل نيل الجمهورية الصغيرة استقلالها عن الاتحاد الروسي أسوة بسائر الجمهوريات الصغيرة التي نجح بعضها اليوم بالانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. بالتأكيد ليس في حسابات الشيشان صورة للمستقبل بهذا المنظور لكن غالبيتهم يريدون جمهورية إسلامية صغيرة في القوقاز. سرعان ما أعلن الكرملين أنه حسم الحرب الأولى لصالحه ثم مضى في تحويل غروزني إلى أرض محروقة وانتهت الحرب الأولى بهزيمة موسكو. لم يتفق الشيشان على نهج معين وانقسموا فيما بينهم، ما أعاق خطوة إعلان الانفصال التي استغلها بوتين. وتحت شعار مكافحة الإرهاب وعلى إثر حوادث عنف وقعت في مدن روسية حصل الرئيس الروسي على تأييد الشعب ومضى في حربه الخاصة في الشيشان. منذ أن بدأ بوتين حملته بالكاد أصبحت هناك أسرة شيشانية لم تفقد أحد أفرادها، إما أما أو أبا أو أخا أو أختا، وكأن الجنود الروس أعطوا لأنفسهم الحق بقتل كل روح. المحاكم العسكرية الروسية تبرئ الجنود الروس الذين يقتلون المدنيين الشيشان، الأمر الذي زاد نقمة الشيشان وزاد معها عدد اليائسين واليائسات الذين يفجرون أنفسهم أمام تجمعات جنود الاحتلال.

إن نجحت موسكو بشيء فإنها نجحت في أن توضح للعالم الطريقة التي ينبغي عدم القيام بها لمكافحة العنف والتي تقوم على حرمان الشعب الشيشاني من أبسط حقوقه والتنكيل به على أرضه. كما نجحت في أن توضح للعالم أنها بحاجة إلى مساعدة لحل النزاع الشيشاني وبأسرع وقت ممكن. نزاع الشيشان ليس مشكلة تخص روسيا وحدها ومن العار على الغرب أن يستمر في غض النظر عنها ويصمت على انتهاكات حقوق الإنسان؛ فالخطر الداهم هو اتساع رقعة الحريق في القوقاز إذا لم تصل فرق الإطفاء في الوقت المناسب

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً