العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ

جامعة قبائل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا انعقدت القمة العربية في تونس. والسؤال: ماذا بعد؟ لا شيء يدل على وجود تطور دراماتيكي في النتائج. فالبيان الختامي أكد الثوابت ولم يهمل ضرورة تطوير العمل العربي المشترك مشيرا إلى سلبيات وإيجابيات. ولم يتردد البيان في إعلان استعداد الدول العربية لـ «تطوير وتحديث» هياكلها السياسية والاقتصادية، واستنكار كل محاولات التدخل في شئونها أو فرض الوصاية عليها. عموما البيان أفضل من تلك التي صدرت عن قمم سابقة، والسبب أنه قليل التفاؤل وأقل تواضعا في طموحاته ولا يعد بالكثير ولكنه يذكِّر بالقليل. والقليل ليس بسيطا. فالدول العربية على ضعفها لاتزال تمانع، والممانعة في عصر تقوده دولة هائجة تعتبر علامة جيدة في ظروف قاهرة.

الدول العربية ضعيفة وعلى رغم ذلك لاتزال متمسكة بالحدود التي تضمن كرامتها في عالم يضطهد الضعيف ولا يحترمه، وفي أوضاع دولية انسحبت منها كل الدول الكبرى التي تملك مقومات المنافسة. فالدول العربية منذ 15 سنة تقريبا متروكة لوحدها. وتعتبر جامعة الدول العربية مضافا إليها منظمة الوحدة الإسلامية وبعض الدول الإفريقية واللاتينية والآسيوية... هي المعاقل الأخيرة في مواجهة تحديات تفرضها دولة كبرى على الساحة العالمية.

منذ 15 سنة تقريبا تواجه جامعة الدول العربية تحديات أكبر بكثير من قدراتها الذاتية على التحمل ومع ذلك نجح العالم العربي مضافا إليه العالم الإسلامي وبعض دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية في الاحتفاظ بالخطوط الفاصلة ما بين دخول عالم الولايات المتحدة وعدم التفريط بالثوابت التي لا تستطيع التخلي عنها. فالثوابت المذكورة تشكل قوة غير مرئية لصمود الدول العربية وامتناعها عن الانهيار والتفكك ومنعها الولايات المتحدة من كسرها. الدول العربية نجحت مرارا في إعادة تأكيد ثوابتها على رغم ضعفها الاقتصادي، واستضعاف نفسها، وفشل محاولات الإصلاح من الداخل، ومد جسور التصالح بين النخب الحاكمة والأهل.

هذا الأمر يشير إلى دلالات كثيرة. فالفارق بين الموقع السياسي (الممانع) والضعف الاقتصادي قياسا بدورة الانتاج العالمي يؤكد أن تمسك جامعة الدول العربية بثوابتها مسألة مهمة لأنها على الأقل تبرر للقادة أسباب انعقاد قممهم الدورية. فلولا تلك الثوابت السياسية لفقدت جامعة الدول الكثير من مبررات وجودها واستمرارها أو على الأقل لتراجعت الحاجة إلى عقد قمة دورية كل سنة. فالجامعة العربية بعد أكثر من 60 عاما على تأسيسها تفرغت من الداخل وخسرت الكثير من وظائفها وتراجعت عن الكثير من أهدافها... ولم يتبق لها سوى لعب الدور السياسي الذي يطل برأسه دوريا لتأكيد جوهر اجتماعها وهو إعادة التذكير بثوابتها.

دعوة الأمين العام للجامعة عمرو موسى إلى التمسك بهذه الهيئة العربية وعدم التفريط بها أو تفكيكها مسألة مهمة لأن موسى يدرك أن الجامعة على رغم هزالها، لاتزال قوة معنوية تستحق الدفاع عنها واستخدامها على الأقل كمنبر للخطابات السياسية. فالجامعة العربية كما يبدو أصبحت أسيرة ماضيها، ولم يعد بامكانها تجاوز الظروف التي أملت على الدول المستقلة حديثا عن الانتدابين الفرنسي والبريطاني إعلان تأسيسها كرد فعل على التقسيمات الاستعمارية. فهذه هي حدودها ولا تستطيع أن تكون أكثر من منبر سياسي لالقاء الخطب عن الأمنيات والرغبات. فالجامعة أسيرة التأسيس وهي مجرد هيكلية إدارية للتنفيس عن الاحتقان السياسي وليست الوعاء الذي يحتضن المشكلات ويحدد أسبابها ويضع آليات لمعالجتها وثم البناء عليها لإعادة تطويرها.

وفي هذا المعنى، تبدو الجامعة العربية باقية على حالها، والمحافظة على الحال كما هو ومن دون تعديل بات المطلب المشترك حتى لا ينهار الشكل ويتفكك. فالتطوير الفوضوي وغير المبرمج يؤديان إلى نتائج عكسية ويطيحان بالموجود. وربما هذا ما قصده موسى إذ اعترض على دعوات التفكيك واكتفى بالحرص على الموجود لأنه يعلم أن التطوير بات في هذا الوضع العربي من الطموحات التي تنقصها الواقعية. والواقعية برأيه هي أخذ الجامعة العربية على قدر امكاناتها وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل الدول التي تتألف منها من أعباء إضافية.

انها مأساة ولكن الاعتراف بالمشكلة خير من المكابرة وتجاهل الامكانات والقدرات. فالجامعة إذا نظر إلى تأسيسها يلحظ أنها تشكلت كوعاء سياسي يراكم الدول كأرقام متساوية جنبا إلى جنب. فهي أقرب إلى مضرب قبيلة تتحالف بطونها وأفخاذها وتتخالف ولكنها لا تنقسم حتى لا ينهار البناء العام الذي اريد له أن يكون هكذا منذ البداية. انها جامعة قبائل وليست جامعة دول.

هذه هي الجامعة وليس المطلوب منها إذا استمرت على ما هي عليه أكثر من ذلك: إعادة تأكيد الثوابت.

... وهذا أضعف الإيمان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً