العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ

شارون يجتاح رفح ويتحدى العالم بحرب «التطفيش»

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

عندما قال ارييل شارون، ذات مرة إن ما يحصل في الاراضي المحتلة على يد قواته هو «استكمال لحرب 1948»، لم يؤخذ كلامه ربما على محمل الجد. على الاقل من جانب الذين راهنوا على خرائط بوش ووعوده، عن اقامة دولة فلسطينية! حسبوا بل توهموا ان واشنطن لن تسمح لشارون بركوب رأسه والسير في هذه الطريق، راهنوا على ان حسابات الادارة الاميركية الآن في المنطقة واعطاءها الاولوية للملف العراقي، لابد ان يحملها على كبح جماح الانفلات الاسرائيلي. بل لابد ان يحملها على تقديم شيء للفلسطينيين، ليس فقط «كترضية» لمنطقة بلعت احتلال العراق وكتبريد لغليانها، بل ايضا لان واشنطن لا تحتمل اشتعال بؤرتين شرق اوسطيتين في آن، بحيث الواحدة منهما تغذي الاخرى وتصب على نارها المزيد من الزيت.

لكن مرة اخرى ينكشف خواء هذه الحسابات والمراهنات.

فها هي حكومة شارون منفلتة من عقالها، بلا رقيب او حسيب، تترجم على الارض «حرب الاستكمال»، بمباركة ورعاية ادارة بوش، التي لم تر ما يمنعها من ذلك على رغم ورطتها المتزايدة الكلفة في العراق. الفارق هذه المرة انه خلال النكبة الأولى طرد الشعب الفلسطيني من ارضه بالترحيل المباشر. اليوم لان هذه الوسيلة متعذرة يستعاض عنها بتطفيش اهل الاراضي المحتلة، وفق خطة طويلة المدى تقوم على خنق المناطق وتقطيعها، بحيث لا يبقى امامهم في نهاية المطاف الا الهجرة وترك الارض. اول خطوة في هذا المجال كانت في اقامة جدار الفصل، والآن يجري تنفيذ الحلقة الثانية في رفح. فما يحصل منذ ايام، عند حدود القطاع مع سيناء، هو ابعد واخطر بكثير مما تزعم «اسرائيل» انه اتى كرد فعل على عمليات المقاومة، او انه جاء بغرض تدمير الانفاق التي تستخدم لتهريب السلاح من الجانب المصري، حجم الاجتياح ومساحة المنطقة المنكوبة وتدمير كل ما ارتفع عن سطح الأرض فيها ناهيك عن قتل المدنيين بالجملة، كل ذلك يشي بأن المقصود هو خلق منطقة حدودية عازلة تتمركز فيها القوات الاسرائيلية، بحيث يبقى قطاع غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي منه - والذي تقول مصادر اسرائيلية وعلى صفحات الصحف انه بات في حكم المؤكد - مطوقا من جميع الجوانب وفي حال من الاختناق، يقابل ذلك في الضفة مشهد فلسطيني تكون جغرافيته قد تحولت إلى ما يشبه الجبنة السويسرية المنخورة بفعل جدار الفصل والبؤر الاستيطانية وهو وضع تراهن «اسرائيل» على أنه لن يكون بوسع الفلسطينيين احتماله، وتحت ضغطه بالتالي تفضى الارض من اصحابها.

ويبدو ان شارون قرر - بعد فشل رهانه على حرب أهلية فلسطينية وعلى شل المقاومة باغتيال قياداتها - مواصلة تنفيذ هذا المخطط من دون توقف بعد الآن. وزير دفاعه قال قبل ايام ان العمليات مستمرة بسقف زمني مفتوح. فالظرف تراه «اسرائيل» ملائما بصورة غير اعتيادية، لخلق امر واقع على الارض من هذا النوع: العالم صامت، اوروبا مهمشة ولا تملك اي تصور حاسم، العرب مازالوا في حالة الغيبوبة والحليف الاميركي لـ «اسرائيل» مشغول بانتخابات الرئاسة وبالمأزق العراقي. ليس ذلك فحسب، بل ان ادارة بوش وفرت لشارون المظلة العراقية اللازمة: احتضنت مشروع انسحابه الملغوم من غزة، وافقت معه على نسف حق العودة وحدود 1967 واطاحت بالتالي بـ «خريطة الطريق» التي لاتزال تتشدق بها علما بأنها ووريت الثرى من زمان، والرئيس بوش - نفسه الذي وصف شارون بأنه رجل سلام وبأن على العالم تقديم الشكر له على مبادرته الغزاوية، وهل من صفاقة اكثر من ذلك؟ - وقف قبل ايام أمام مؤتمر اللوبي الاسرائيلي في واشنطن، ليكرر معزوفته المألوفة بان لاسرائيل «الحق في الدفاع عن النفس» وكأن الفلسطينيين هم المحتلون والاسرائيليين هم الواقعون تحت الاحتلال. وكان من الممكن وضع كلامه في السياق الانتخابي وبالتالي تفهمه - وليس قبوله - لكن الرئيس بوش تبنى وردد هذا الطرح من البداية، فيما نكر على الشعب الفلسطيني حقه في مقاومة الاحتلال ووصمها بأنها عمل ارهابي. ولم يتردد في الحديث عن هذا الحق الاسرائيلي المزعوم، في اللحظة التي كانت فيها قوات الاحتلال ترتكب الفظائع المرعبة في رفح. هذه الفظائع التي رفضت ادارته ادانتها في مجلس الأمن، إذ امتنع المندوب الاميركي عن التصويت، حفظا لشيء من ماء الوجه.

لكن كان مما لا شك فيه ان واشنطن لم تكن لتتردد في استعمال الفيتو ضد القرار - على رغم بشاعة الجريمة الاسرائيلية -لو تم طرحه والتصويت عليه تحت نص البند السابع من ميثاق الامم المتحدة. ذلك انه في هذه الحال يكون القرار ليس فقط ملزما لاسرائيل بل ايضا متضمنا لآلية تكفل تنفيذه وفرضه ضدها. لكن بما ان الامر لم يكن كذلك، فقد سمحت واشنطن بتمريره ليبقى حبرا على ورق وينضم الى كدسة القرارات السابقة بحق «اسرائيل» المرمية منذ سنين في ادراج المنظمة الدولية. ففي ظل الغطاء الاميركي للكيان الصهيوني، لا يدفع هذا الاخير اي ثمن فعلي لانتهاكاته، في احسن الحالات لا تتعدى الردود لغة التوبيخ الخجول وبيانات الادانة اللفظية، الملتوية في اكثر الاحيان، تماما كما تنال واشنطن على تجاوزاتها وخروقاتها. وفضيحة ابوغريب خير شاهد.

الآن، امام هذه المخاطر المحدقة بالوضع الفلسطيني، ناهيك عن العراقي، يفرض السؤال نفسه هل يقوى العرب على تحمل نكبة اخرى، لاسيما انها ستكون محكومة بالتناسل الى نكبات متتالية؟

الجواب كان من المفترض ان تأتي به قمة تونس العتيدة.

لكن كما يقول المثل الشائع: الرسالة تقرأ من عنوانها والعنوان لا يحمل على التفاؤل ولا يبشر بأي خير. فهذه القمة طار انعقادها في آخر لحظة، قبل حوالي شهرين من دون ان نعرف السبب. ثم تحدد موعد 22 و23 الجاري بقي حتى اللحظة غير مؤكد. لم يحصل توافق على جدول اعمالها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الاخير في القاهرة. تم ترحيل الخلافات الى القمة. وما ان اقترب الموعد حتى بدأت الاسماء المتغيبة تهرهر، حتى اللحظة صاروا بحدود الثلث: 8 من الزعماء اعتذروا، وعشية الاجتماع نقلت الاخبار من تونس - التي مازالت صامتة بخصوص تأكيد الانعقاد - انه تقرر عقد الاجتماع بمن حضر اذا كان من المتعذر تحقيق الاجماع في الحضور، بعد كل هذا التأجيل واللف والدوران والمحاولات والتوسلات، فكيف يمكن ان يتحقق الاجماع في قرارات، من المفترض ان تكون مصيرية، لمواجهة ظروف تحديات تضع المنطقة برمتها امام مخاطر التقطيع والانفراط؟

المشهد مخيف والعاصفة عاتية

العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً