العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ

«لن أكون سجّانا لهذا الشعب»

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

عنوان المقال عبارة وردت في ثنايا حديث جلالة الملك حفظه الله في لقائه الأخير برؤساء الجمعيات السياسية، وعهدتها على الراوي عبدالرحمن النعيمي، وقد أردت أن أزيّن بها مقالي ولأتفاءل بها كعنوان للمرحلة المقبلة في مجال العمل السياسي في البحرين. ولأذكر بها الأطراف المختلفة، علها ترعوي عن ما هي مقبلة عليه، من ضرر وإضرار بالمشروع الإصلاحي.

«إن المواطنة هي الركيزة الأساسية لصقل المواطن وبناء الوطن. إنها ميزات المواطن الصالح المعروف بأنه إنسان شريف كلاما وسلوكا»، و«يعتبر المواطن الفاعل جزءا من الدولة الديمقراطية»، فمنذ الانفراج السياسي وتفعيل مبادئ الحريات ومحاولات نشر مفاهيم الديمقراطية، سواء من خلال المجالس المنتخبة (المجلس النيابي والمجالس البلدية)، وتجسيد الدور الحقيقي للصحافة الحرة والمستقلة، وقيام مؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات (أحزاب) ومنظمات تعنى بحقوق الإنسان، وأندية وملتقيات سياسية واجتماعية وثقافية، وتفعيل دور المجالس الأهلية، والتي باتت تعج بحركة الأفكار، وضجيج الأفواه التي (تهرس) كل ما تتلقفه من (بهانس)... وبنظرة منطقية خاطفة للواقع السياسي والاجتماعي، فقد تحركت الكثير من المياه الراكدة، وتُكلم في الكثير من القضايا المسكوت عنها قهرا وجبرا بالكرباج، ومن تلك القضايا والملفات: الحريات، تفعيل مبدأ الشعب مصدر السلطات المنصوص عليه في الدستور، حقوق الإنسان، البطالة، الإسكان، الفساد المالي والإداري والأخلاقي وتحديدا «السياحة الجنسية»، التجنيس، والتمييز بمختلف أشكاله وصوره (العرقي والقبلي والطائفي والعنصري والفئوي والمناطقي)... إلخ ملف كان يعتبر من المحرمات. وظلت تلك القضايا ردحا من الزمن لا يقترب منها أحد إلا لسعته قرصة المخابرات، وأحاطت ببيته زنابير الأمن الممتشقة بالكرباج، فيأخذون الواحد من هؤلاء المتكلمين في السياسة (على حد قول العجائز من أهل المحرق واللواتي عانين كثيرا من مشاغبة الأولاد المتكلمين في السياسة) ويسومونه سوء العذاب، فيعتقلون نساءه، ويأخذون أولاده أو إخوانه كرهائن إلى أن يسلم المطلوب نفسه، ويجرجرون عائلته؛ بل ويشككون في ولائهم لهذه الأرض الطيبة، ويشون به عند الحكم، كما كان يفعل اندرسون سيئ الصيت، المتتلمذ على يد عصابات التمييز العنصري بجنوب إفريقيا، وكما كان يفعل ابن جلدته وربيب مملكته العظمى الرجل الطويل (بلجريف)، في البحرين إبان الاستعمار البريطاني.

وكانت البلاد، خلال الثلاثين عاما العجاف، سياسيا واجتماعيا، تمر بكثير من الحوادث والتجاذبات حتى وقع ما كان الكل منه يحذر وينذر، بعد ذلك، وحين مجيئه للحكم، عزم جلالة الملك على إصلاح الأوضاع، وإعادة كرامة هذا الشعب الطيب، والسير بالبلاد ناحية الديمقراطية في إدارة شئون البلاد، وقد يكون للوضع الدولي انعكاساته وضغوطه، ولكن في مقدمة كل الضغوط يأتي الوضع الداخلي بكل تعقيداته، ذلك أنه مهما يكن للضغوط الخارجية من ثقل إلا أن صمام الأمان لأي نظام، وضمان استمراره وأوكسجين بقائه، هو رضا المواطنين الذين يخضعون لهذا النظام، والتزامهم بالعقد أو البيعة له، لذلك لم استغرب حينما أثيرت، أمام جلالة الملك - العهدة في ذلك على رئيس إحدى الجمعيات - مسألة شرعية القيادة السياسية في البلاد ممثلة في أسرة آل خليفة الكرام وفي شخص جلالة الملك تحديدا، وإن كان ذلك ليس محل شك إطلاقا عند الجبهة الرباعية، إذ إن جميع هؤلاء أكدوا أكثر من مرة شرعية الحكم، وأنهم ليسوا في سياق أو مساق استجواب لشرعيته، وعلى ذلك يأتي التأكيد الأخير أمام رأس الهرم السياسي ورمز البلد، مجرد تحصيل حاصل ليس إلا.

وأما التهديد الخارجي فإنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الأوضاع الداخلية، لذلك فقد استوقفني، كما استوقف عددا من الاخوة غيري، تهديد مركز حقوق الإنسان وتلويحه بالعمل من الخارج، ومرة أخرى يخطئ المركز في تحديد خانة الوقوف في المكان الصحيح، فقد كانت المرة الأولى في ندوة التمييز، والتي هي بحق دعوة للتمييز، ومازال أثرها السيئ يفعل فعله في أبناء «الطائفة الأخرى» كما هو التعبير والوصف الذي استخدمه المركز للإشارة للطائفة السنية، وقد وصف المركز الساحة المحلية، وكأنها منازلة وساحة حرب، فطائفة تمسك بالسياط وتتسلى به على ظهر الطائفة الأخرى، ولست في وارد الحديث عن تداعيات ونتائج تلك الندوة، فقديما قيل: «إن الكلام في اللي فات قلة عقل»، والسكوت أرحم، علَّ الجروح التي فُتحت يداويها التقارب المأمول، والنشاط المحموم من عقلاء الطائفتين ووطنييها.

وأمام الجميع الآن فرصة للمراجعة، وإعادة رسم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين النظام السياسي القائم، بتشعيباته المختلفة، والجمعيات والقوى المشتغلة بالسياسة، وليست المنشغلة بالتطييف والتقسيم والتأليب

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 626 - الأحد 23 مايو 2004م الموافق 03 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً