العدد 630 - الخميس 27 مايو 2004م الموافق 07 ربيع الثاني 1425هـ

تأثير الإعلام الغربي على الدول العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تأثير الإعلام الغربي ليس على الدول العربية فقط بل على معظم دول العالم. فالإعلام في النهاية صناعة المعلومات، وهو حرفة تطورت مع الوقت بهدف إعادة تشكيل المواقف والآراء.

وقوة الإعلام الغربي تكمن أساسا في مساحة الحرية الممنوحة. وبقدر ما تتسع المساحة بتقلص تأثيره. وبقدر ما تتقلص مساحة الحرية يزداد تأثيره. فأساس تأثير الإعلام الحرية وحين تنعدم يتسع تأثيره.

في الاتحاد السوفياتي السابق كانت هناك الكثير من الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزة ولكن تأثيرها كان محدودا بسبب ضيق مساحة الحرية وإحساس القارئ بوجود رقابة عليه من خلال مراقبة الأخبار المقروءة أو المسموعة.

تقلص مساحة الحرية في الاتحاد السوفياتي السابق أسهم في تقليل اهتمام المواطن بوسائله الإعلامية وذهابه إلى وسائل الإعلام الغربية لمعرفة الأخبار والتطورات وماذا يحصل في العالم وبلاده.

ومع امتداد الوقت ازداد تعلق المواطن السوفياتي بالإعلام الغربي معتبرا إياه المصدر الوحيد للمعلومات الصحيحة بسبب قناعته أن مساحة الحرية واسعة هناك بينما هي متقلصة في بلاده.

وبسبب اتساع فجوة عدم الثقة بين الإعلام والمواطن يزداد الإعلام الغربي في اختراق عقول شعوب الاتحاد السوفياتي مستفيدا من تلك الميزة: الحرية.

الحرية إذا من أدوات الإعلام. وبقدر ما تتسع مساحتها يزداد حجم تأثير الإعلام على الناس. فقوة الإعلام ليس في عدد الصحف الصادرة يوميا وأسبوعيا وإنما في مساحة الحرية والسقف المسموح به لقول الحقيقة أو بعضها. والتأثير الإعلامي على عقول الناس ليس سببه الإعلام برأسه بل أدواته وهي الحرية وبعدها تأتي الصنعة (صناعة الخبر) وترتيبه وتقديمه بمهنية إلى القارئ. وبقدر ما يتمتع الإعلام بتلك المهنية تزداد قدرته على كسب الثقة وبالتالي تزداد نسبة تأثيراته على الناس.

هذه هي قواعد قوة الإعلام ونفوذه. وهي ليست موحدة في العالم ولكنها يجب أن تكون موجودة إذا أرادت الجهات أن تلعب دورها في التأثير السياسي. ولأن لكل قاعدة استثناء، أو معايير نسبية، اختلفت قوة الإعلام بين دولة وأخرى بحسب مساحة الحرية وعمق التجربة في تناول الأخبار ونقل الحوادث وقراءة أسبابها ومسبباتها.

هذه المقدمة النظرية كان لابد منها للإشارة إلى مدى تأثير «الإعلام الغربي على الدول العربية». فالقاعدة نفسها لا تتغير وهي تتصل في المسألتين: مساحة الحرية والسقف المسموح به لقول الحقيقة أو بعضها، وثم مستوى الاحتراف في نقل المعلومات وصوغ الأخبار بحيادية وموضوعية إلى القارئ.

وهنا يمكن ملاحظة اختلاف تأثير الإعلام الغربي بين دولة عربية وأخرى. فحين تتسع مساحة الحرية ويرتفع سقف الكلام يتقلص دور الإعلام الغربي وتتراجع تأثيراته على الناس. وحين تلجأ الدولة إلى كمِّ الأفواه والحد من الكلام وحجز المعلومات يلجأ المواطن إلى وسائل أخرى للمعرفة أو لمتابعة ما تتداوله وسائل الإعلام الخارجية.

التأثير لا شك موجود بقوة على الدول العربية، ولكنه أخذ يتراجع منذ تسعينات القرن الماضي بحدود نسبية. فقبل التسعينات كان الإعلام الغربي يتمتع بصدقية قوية في الرأي العام العربي. وكان الكثير من الناس يميلون إلى أخذ المعلومات والأخبار من المحطات الغربية وصحافتها نظرا إلى ضيق مساحة الحرية والرقابة المفروضة على المعلومات والأخبار.

وإذا عقدنا مقارنة نسبية (موضوعية) بين حال الإعلام العربي المرئي والمسموع في السنوات الخمس الأخيرة وبين حال الإعلام قبل 15 سنة نجد أن القطاع الإعلامي العربي حقق تقدما على المستويات التقنية والمهنية إضافة إلى ارتفاع سقف الكلام واتساع مساحة الحرية.

المسألة نسبية. ولكن المقارنة بين الحالين تكشف اختلاف بعض الظروف السائدة الآن وتلك التي كانت في ظروف سابقة.

الوضع الإعلامي الآن ليس جيدا ولكنه مقارنة مع الحال السابق أفضل ولا شك أنه يدفع نحو تحقيق المزيد. وهذه الخطوات الإعلامية جيدة للطرفين، فهي تقلل من تأثير الإعلام الغربي على الدول العربية وتحسن من علاقات المستمع العربي مع أجهزة إعلامه أو وسائل النقل الموضوعية والمحايدة التي تريد كسبه أو على الأقل منعه من التأثر بالإعلام الغربي.

لا شك في أن الإعلام الغربي لايزال في المقدمة ويسبق الإعلام العربي عشرات الأميال. إلا أن التحسن في أداء وسائل الإعلام العربي (محطات التلفزة والفضائيات والصحف وغيرها) قلل كثيرا من إقبال المشاهد أو المستمع العربي على أجهزة الإعلام الغربي وصحفه.

ومقارنة بسيطة بين تغطية أخبار حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) وبين تغطية أخبار الحرب الثالثة (2003 - 2004) نجد أن المشاهد أو المستمع العربي بات يميل إلى تفضيل الفضائيات العربية (على علاتها) على الفضائيات الأوروبية والأميركية. بل إن هناك قطاعا واسعا بات على قناعة نسبية بأن الفضائيات والصحف والإعلام العربي أكثر دقة وموضوعية وحيادية من الإعلام الغربي الذي كشف عن انحيازه لسياسات دوله بطريقة فجة وغير مقبولة. وأحيانا يتورط في الترويج لجرائم «إسرائيل» وشارون من دون اكتراث للحقائق الواضحة بالصوت والصورة أمام العالم أجمع.

هذه الأمور تكشف عن حقائق ثابتة، وهي أن الإعلام الغربي الذي يتمتع بالصدقية والخبرة والإمكانات ليس ديمقراطيا بالمعنى المطلق. فهناك سياسات، وهناك مصالح، وهناك خضوع (أو تكيف) مع قرارات الدولة العليا، وأخيرا هناك ارتباطات تضطر لها أجهزة الإعلام لكسب دعم إعلانات الشركات الخاصة.

الحرية إذا مقيدة في كل مكان حين تتصل بالمصالح أو تهدد أمن الدول وسياساتها العليا. إلا أن المعيار النسبي يختلف بين الدول الغربية والدول العربية. فالأولى عندها تقاليد عريقة في احترام حرية الرأي والاستماع إلى المعلومات المضادة والأخبار المخالفة. بينما الثانية فإنها ضعيفة في التقاليد المذكورة وتهتز عند كل منعطف. إلا أن الخلاصة تعلمنا الثوابت التي لا تتغير وهي أن الحرية قوة للإعلام وبقدر ما تضعف يضعف تأثيره. والثابت لا ينطبق فقط على الدول العربية بل يطال أيضا الدول الغربية. فحين كشف الغرب عن أطماعه وأكد مرارا أنه منحاز لـ «إسرائيل» في السراء والضراء أقلع المشاهد العربي أو المستمع عن قبول ما تنقله شركات «فوكس» و«سي.إن.إن» من واشنطن وبدأ الشك يتسرب إلى الكثير من المواطنين الذين فضلوا الاستماع أو مشاهدة الفضائيات العربية لأنها تنقل على الأقل الرأي والرأي الآخر.

وهذا الدرس الذي تعلمناه في السنوات الأخيرة يجب أن نسحبه على الدول العربية وتستفيد من خلاصته وهي: الحرية تعطي قوة لتأثير الإعلام العربي وتقلل من صدقية الإعلام الغربي وتقوي الأنظمة ولا تضعفها على الأمد البعيد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 630 - الخميس 27 مايو 2004م الموافق 07 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:35 ص

      انا ضدهم

      انا ضد الاعلام الغربي ولكن ليس كلهم بالعكس في اعلام غربي مفيد لنا

اقرأ ايضاً