العدد 2769 - الإثنين 05 أبريل 2010م الموافق 20 ربيع الثاني 1431هـ

مثلث الفرص والتحديات... النفط والتنمية والإصلاح في أقطار مجلس التعاون (1)

علي خليفة الكواري comments [at] alwasatnews.com

مفكر قطري

مما يؤسف له حقا إن النفط في الدول العربية بشكل عام, مازال خارج نطاق السيطرة الوطنية, ولم يتم إخضاعه لاعتبارات التنمية ومتطلبات ألإصلاح, وإنما كانت ردة الفعل لما يحصل في أسواقه وتقلبات أسعاره وليس الفعل الواعي, هي الحقيقة المرة المتكررة. فالنفط هو المارد الذي يفعل ما يشاء وقت يشاء السوق ومن يتحكم فيه. تقوض آثاره السلبية مجتمعات وتمسخ قيم حميدة وتشوه الهوية الوطنية الجامعة. كما تؤدي سياسات إعادة توزيع عائدات النفط الراهنة, إلى تكريس نموذج «تنمية الضياع» بشكل متصاعد بعد أن أضاعت فرص ثمينة لبدء عملية تنمية مستدامة في دول المنطقة, وذلك دون عيب في النفط وإنما العيب فينا.

إن الشغل الشاغل للحكومات - مع الأسف - تركز دائما في كيفية تدوير عوائد النفط بصرف النظر عن جدوى الإنفاق العام في زمن الطفرات... من ناحية.

ومن ناحية أخرى... كيفية موازنة الإنفاق العام مع عائدات النفط دون إصلاحه, في وقت تراجع أسعار النفط أو تراجع إنتاجه. الأمر الذي أدى إلى تزايد نصيب النفقات السرية والجارية في الميزانيات العامة على حساب النفقات العلنية والاستثمارية, وكان الضحايا في كل تراجع وانحسار للطفرات النفطية هم أصحاب الدخل المحدود وخدمات التعليم والصحة والإسكان وصيانة البنية الأساسية ومشاريع تطويرها, إلى جانب استهلاك فوائض النفط فضلا عن تسربها, بمعدل أسرع وأعلى من تراكمها. (الكواري 2009)

وبفضل الغطاء المالي للنفط انصرفت الحكومات عن الأمر الهام والمصيري وهو تحقيق تنمية ذات وجه إنساني تستثمر عائدات النفط بدلا من استهلاكها, تنمية ترتكز على سياسة نفطية تخضع إنتاج النفط وتصديره لاحتياجات التنمية الاقتصادية – الاجتماعية الشاملة. ولذلك تأرجح نمط «التنمية النفطية», بين ضياع فرص التنمية ونمط «تنمية الضياع» في الدول الصغيرة, التي بدأت تفقد لغتها العربية وتشوه هويتها العربية - الإسلامية الجامعة ويتفاقم فيها الخلل السكاني وصولا إلى تشجيع توطين الأجانب بموجب ربط الإقامة الدائمة بمجرد شراء حق الانتفاع بعقار.


«التنمية النفطية» ومفهوم التنمية الحميدة

«التنمية النفطية» هي نموذج يصعب تسميته تنمية, وإنما هي تغيرات تلقائية متقلبة صاحبت عصر النفط في دول المنطقة. فما محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في هذه الدول؟

الإجابة المرة التي تؤكدها أدبيات التنمية منذ مددة طويلة، تشير إلى أن تلك التغيرات - الفجائية والعشوائية - لم تكن عملية تنمية بالمعنى المتعارف عليه لمفهوم التنمية الحميدة.


مفهوم التنمية

التعريف المختصر الذي توصلنا إليه - منذ مدة - يعتبر التنمية الشاملة عملية مجتمعية واعية ومستدامة, موجهة وفق إرادة ومصلحة وطنية من أجل إيجاد تحولات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية – اجتماعية – اقتصادية - ثقافية, تسمح بتحقيق تصاعد مضطرد لقدرات المجتمع المعني وتحسين مستمر لنوعية الحياة وتوسيع خيارات الأفراد والجماعات فيه.

وقد تم التأكيد على هذا التعريف, عندما أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مصطلح التنمية البشرية على عملية التنمية المرغوبة، وعرفها بأنها «عملية توسيع نطاق الخيارات المتاحة للناس».

ومنذ البداية أكد تقرير 1991 على أن «التنمية البشرية تتطلب نموا اقتصاديا, بدون نمو اقتصادي لن يكون من الممكن تحقيق تحسن متصل في الأحوال البشرية عموما».

كما تم ربط مفهوم التنمية البشرية أيضا بتحسن نوعية الحياة - المادية والنوعية - وتم اعتماد مؤشرات كمية لقياس تحسن نوعية الحياة المادية (الدخل والصحة والمعرفة)، وإلى جانب ذلك تم التأكيد على مؤشرات كيفية لقياس نوعية الحياة (حقوق الإنسان، والمشاركة السياسية الفعالة والتجانس السكاني والاندماج الوطني والأمن الفردي والاجتماعي والقومي).

وأكد تقرير 1992 على أن «الحرية السياسية هي عنصر جوهري من عناصر التنمية البشرية».

كما أكد تقرير 1993 على أن المشاركة معناها «اشتراك الناس عن كثب في العمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على حياتهم».

وفي العام 1994 أكد تقرير التنمية البشرية على الأفق الزمني والاستدامة، كما أكد على العدالة بين الأجيال من خلال تأكيده على ضرورة اضطراد تحسن مؤشرات النمو والتحول، واستدامتهما متصاعدين عبر الزمن. وفي ذلك تأكيد على أن التنمية عملية وليست حالة، واتجاه مستمر في النمو وليست مجرد وضع متقلب.

ويوصّف تقرير 1994 التنمية البشرية بأنها نموذج للتنمية «يحمي خيارات الأجيال التي لم تولد بعد. ولا يستنزف قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة لدعم التنمية في المستقبل». ويخلص التقرير إلى أن « التنمية المستدامة تعالج الإنصاف - داخل الجيل الواحد والإنصاف بين الأجيال». «وفي التحليل الأخير، التنمية البشرية المستدامة تنمية موالية للناس».

ويحذر مفهوم التنمية البشرية من رهن المستقبل واستمراء الاستهلاك عن طريق استنضاب الثروات الطبيعية أو تدمير البيئة أو تهديد التجانس والاندماج الاجتماعي(الخلل السكاني). وينذر تقرير 1994 قائلا: «كل الديون المؤجلة ترهن الاستدامة، سواء كانت ديونا اقتصادية أو ديونا اجتماعية أو ديونا أيكلوجية».


ماهية التغيرات المصاحبة للنفط

يتبين من تحديد مصطلح التنمية بكل مسمياتها الإيجابية أنها مفهوم مركب. فالتنمية عملية Process كما أنها آلية Mechanism, هذا إلى جانب كونها أداة ووسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن إطار غايات إنسانية وحضارية ذات أبعاد مجتمعية. أما مؤشراتها المتداخلة والمتكاملة فهي أربعة:

أولها: نمو اقتصادي بمعنى تزايد مضطرد دون انقطاع في إنتاجية الفرد وإنتاج المجتمع لعدة عقود من الزمن.

ثانيها: تحولات هيكلية تتطلب امتلاك الإرادة الوطنية وتطال كافة أوجه التخلف, السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, بهدف تنمية قدرات المواطنين وإطلاق طاقاتهم الخيّرة على المستويين الفردي والجماعي.

وثالثها: تحسن مضطرد ومستدام لنوعية الحياة المعنوية والمادية لأفراد المجتمع وجماعاته.

ربعها: تكريس نسق اجتماعي يحافظ على استمرار المجتمع ويعزز هويته الجامعة. نسق يهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة, تعبيرا عن تبني إستراتيجية للتنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "علي خليفة الكواري"

العدد 2769 - الإثنين 05 أبريل 2010م الموافق 20 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً