العدد 2775 - الأحد 11 أبريل 2010م الموافق 26 ربيع الثاني 1431هـ

من أجل العراق أقول التالي:

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلّ الشواهِد تقول إن حكومة عراقيّة ستُولَد في يوليو/ تمّوز. خلال هذه الفترة «الانتظاريّة»، يَحقّ للمتابع أن يُجري مسحا للأوضاع السياسية في العراق من حيث بدأت الانتخابات. بالتأكيد ليس للأوضاع المُشخّصة والظاهرة، وإنما لبواطن الأحداث ومجرياتها ومُفضياتها وبالتحديد الانتخابية منها. فما لا تراه العين، لا يغتمّ له القلب كما يقول باولو كويلو. القضية أكبر من أحداث يُسمَع طنينها.

أحسب أنّ أمورا ثلاثة نبّهَت المراقبين لأن يقفوا بشأنها. فهي مُضْمَرة لحدّ المَحاق، لكنها تستولد أوضاعا يُبنَى عليها من خواتيم المشاريع ونتائجها. ثم إنها تُنتج ظروفا تزيد من تعقيد المشهد السياسي لدرجة العُقدة، وبالتالي فإنها لا تستأهل قدحا فقط، وإنما الحق في نيلِ حل حقيقي علّه يُنهي التباساتها بين عجلات السياسة.

الأمر الأول: وهو ما يتعلّق بالقاسم الانتخابي. فحسب المادة الثالثة من قانون تعديل قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 في بند (ثانيا) والمُصادَق عليه من مجلس الرئاسة، والمنشور على موقع المفوّضيّة العليا للانتخابات فإن القاسم الانتخابي هو «مجموع الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها القائمة في الدائرة الانتخابية، مقسومة على القاسم الانتخابي لتحديد عدد المقاعد المُخصّصة لتلك القائمة».

وطبقا لنظام توزيع المقاعد لانتخابات مجلس النواب رقم (21) لسنة 2010، فإن توزيع المقاعد العامّة على المحافظات يتمّ عبر أربع خطوات يهمّنا منها اثنتين حاليا: الأولى: بحساب القاسم الانتخابي عبر تقسيم الأصوات الصحيحة المُدلَى بها لجميع الكيانات السياسية ضمن الدائرة الواحدة (مطروحا منها الأصوات الصحيحة التي تمّ الإدلاء بها للمكوّنات) على عدد المقاعد العامة لتلك الدائرة، على أن تُستبعد الكيانات التي تقلّ أصواتها الصحيحة عن ذلك القاسم.

وفي الخطوة الثانية: والتي يُطبّق فيها القاسم الانتخابي، حيث يُحدد عدد المقاعد لكل كيان سياسي فائز من خلال قسمة العدد الكلّي للأصوات الصحيحة الحاصل عليها في الدائرة الانتخابية على القاسم الانتخابي، على أن يحال التعقيد التالي إلى الخطوتين الثالثة والرابعة والمتعلقة بتوزيع المقاعد الشاغرة، وتوزيع المقاعد على المُرشّحين.

في قضية القاسم الانتخابي فإننا نرى أنه ينطوي على ثغرتَيْن أساسيّتيْن. الأولى: أن من يخسر عتبة الوصول إلى ذلك القاسم، يُعتبر ساقطا في الانتخابات، وتُرحّل أصواته إلى الفائزين بأكثريّة المُقترِعِين لتغطية المقاعد الشاغرة، واحتساب نسبة كل قائمة فائزة غير مستنفذة من تلك المقاعد.

يكون ذلك من خلال قسمة مجموع الأصوات التي حصلت عليها القائمة على مجموع أصوات الكيانات الفائزة غير المستنفذة في الدائرة مضروبا بعدد المقاعد الشاغرة، وتُمنح للعدد الصحيح دون الكسر العشري. (راجع نصّ القانون). من كلّ ذلك (ومن غيره من التفسيرات القانونية أيضا) يظهر أن الفائز يزداد انتفاخا، ويدخل في تنافس لاحق مع فائزين آخرين لعَصْر آخر قطرات الأصوات المُقترِعة للمُرشّحين الخاسرين.

الثغرة الثانية: أن القاسم الانتخابي لا يُرقّم الفائزين بشكل حقيقي. فقد تنال إحدى الكتل خمسين مقعدا متفوّقة على قائمة أخرى نالت أربعين مقعدا، لكن عدد الأصوات الفعليّة في القائمة الثانية أكثر من الأولى. جَرَى ذلك للتيار الصّدري والمجلس الأعلى بزعامة الحكيم. فقد نال الأول أربعين مقعدا، والثاني عشرين مقعدا، في حين أن المجلس الأعلى تفوّق على التيار الصدري بسبعين ألف صوت ضمن الأصوات الصحيحة الفعليّة!.

كذلك الحال بالنسبة لقائمة وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، حيث نالت القائمة المذكورة أربعة مقاعد فقط في عموم العراق، في حين أن قيمة مقعدها الانتخابي هو 78 ألفا وسبعمئة وخمسة أصوات! ففي نينوى التي بها 31 مقعدا نالت القائمة هناك مقعدا واحدا، وفي الأنبار مقعدا واحدا من أصل 14، وفي صلاح الدين مقعدين من أصل 12 مقعدا.

في حين أن القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي والتي حصلت على 91 مقعدا كانت قيمة مقعدها الانتخابي 31 ألفا وثلاثمئة وثمانية وثلاثون صوتا للمقعد الواحد. أما قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي والتي نالت 89 مقعدا فقد كانت قيمة مقعدها الانتخابي 31 ألفا وأربعمئة وثلاثة وثلاثين صوتا! (راجع دراسة نزار أحمد في هذا المجال).

الأمر الثاني: أن الانتخابات التشريعية الأخيرة، جَرَت من دون وجود قانون للأحزاب. فمن مقتضيات العمل السياسي هو أن يُؤطّر الحزب الناشط في الحقل العام بما يُضفي عليه صفة التنظيم الجاري المُتمتّع بالشخصية المعنوية، عبر وجود لوازم اتفاق بين أفراد لا تنقصهم أي تأهيلات حقوقيّة ومدنية وسياسية، ويُمثّلون الطبقات المُجتمعيّة كافّة.

الذي جرى هو أن الأحزاب العراقية دخلت الانتخابات بغير وجود لهذا القانون. لذا فقد وجدنا أحزابا حملت أزيد من ستة آلاف مُرشّح دون ضوابط الإجازة الشخصية. كما أن بعضها تداخل مع بعضٍ آخر لحدّ التماهي. والكل يعرف أن ذلك التقارب لم يكن تقاربا استراتيجيا وإنما تكتيكي لتمرير شعارات وبرامج مُؤقّتة لكي تستطيع عبور الحواجز النفسية لدى الناخبين، وبالتحديد في البُعدين الطائفي والخَدَمي.

وربما وللأسباب السياسية، فقد خَضَع الأشخاص إلى اختبارات لغربلتهم (فقط) من لوثة «البعثيّة». وهي في النهاية لا تُكمِل الدائرة لكي يكون الشخص مُجازا. فموضوع الانتساب لحزب البعث هو موضوع سياسي بحت ولا علاقة له بموضوع النزاهة الشخصية وسلامة الذّمّة المالية.

الأمر الآخر، هو أن المال الذي سيّرت الأحزاب العراقية آلتها الانتخابية ومصروفاتها الميدانية، لم يكُن عليه رقيب. بعض الأحزاب، وزّعت أراضي سكنيّة على مشيخة العشائر، وأخرى وزّعت رزمة من الأوراق النقديّة بعضها بالدولار، وأخرى حجّت بمواطنين من أقصى الجنوب وأقصى الغرب والشمال نحو المراقد المُقدّسة في مدينتي كربلاء والنجف بالمجّان.

بل إن بعض الأحزاب قامت بافتتاح مشاريع تنموية، ووضع خطط لبنية تحتية في ضِيَعٍ وأرياف عراقية مختلفة. وبعضها دَفَعَ مُرتّبات لعاطلين عن العمل لمدّة ستة أشهر. وبعضهم تبنّى أيتاما، ومُشرّدين في مخيّمات الإيواء الطائفية.

كذلك ظهرت أحزاب عراقية بموازنات دول، إذا ما عُرِفَ ما تملكه من قدرات إعلامية مرئية ومطبوعة هائلة، وإطلاقها وفودا سياسية إلى خارج العراق وبأعداد ضخمة بغرض التسويق الشخصي والحزبي، وهو ما يتطلّب في العادة أموالا غير عادية. لم يكُن هناك حساب لا للهبات ولا للتبرعات النقدية أو العينية، ولا سُقوف لها، بحيث يُتَوثّق من أنها أموال وطنيّة كما يجري عادة في الدول.

غياب هذا القانون مَنَعَ من معرفة أن تلك المبالغ هل دخلت على هيئة شيكات بنكيّة أو بريدية، وهل أُودِعت باسم الحزب، وهل دقّق في أمرها خبراء محاسبون مُعتمدون. كما مَنَع غيابه (القانون) من قيام الدولة بواجب الدعم وفقا لحسابات المقاعد التي نالتها الأحزاب وعدد الأصوات التي حصلت عليها في المحافظات وبتعداد مقاعدها الحقيقية المُقرّة في القانون الانتخابي.

على المستوى الحقيقي، فقد أظهر ذلك أن الأصوات التي نالتها القوائم هي ليس بالضرورة أصوات صحيحة بالمعنى الوطني والسياسي، بل هي حصيلة مُحفّزات مالية على شكل رِشا وبأنواع مختلفة. فالتصويت لم يكن بقناعات شخصية (أو حتى جماعية) ببرامج الحزب ومرئياته لقضايا البلد السياسية والاقتصادية والثقافية.

هذا الغياب أيضا سَمَح بوجود اختراقات إقليمية للأحزاب العراقية التي من المُفتَرَض أنها ستحكم بلدا ضخما ووازنا كالعراق. ما يعني أنها لن تكون سوى أحزاب تمثيلية لتلك الدول وليس للمجموع البشري العراقي المُنتخِب، سواء داخل الطبقة الوسطى أم في غيرها من الطبقات المُجتمعية. (وللحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2775 - الأحد 11 أبريل 2010م الموافق 26 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:37 ص

      ملاحظة2

      الامر الاخر ان التجربة العراقية هي افضل من تجارب العديد والعديد من دول المنطقة الفاشلة والسارقة والنهابة وعليه فاننا نفخر بتجربة العراق في كل الاحوال

    • زائر 2 | 12:35 ص

      ملاحظة1

      اشكر الكاتب على هذا الموضوع ولكن لدي ملاحظة مفادها ان الثغرات في التجارب السياسية موجودة ولكن لا تؤدي الى موت التجربة وهو حال العراق اليوم

    • زائر 1 | 11:54 م

      مباركة

      رغم كل تلك الثغرات فقد جرت الانتخابات بشكل سلس ونزيه باركوا للعراقيين ديمقراطيتهم

اقرأ ايضاً