العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ

«كلنا بنوه الفقراء»... عذرا: «الأغنياء»!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

عندما دعت إدارة الشئون الثقافية والبعثات بوزارة التربية والتعليم خريجي الفرع العلمي المتفوقين بمعدل 90 في المئة فما فوق، والراغبين في الدراسة على حسابهم الخاص بكلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الخليج العربي لنيل درجة البكالوريوس، سرّنا الخبر واستبشرنا خيرا بأن وزارة التربية ستتيح فرصا لذوي الدخل المحدود للحصول على التخصص العلمي في مجال الطب والجراحة بما يتناسب ومتوسط الدخل عند الأفراد، لكننا عندما قرأنا «شرط» إدارة البعثات على المتقدمين دهشنا بفزع، ثم أصبنا بصدمة لم نصح منها على ما يبدو، إلا بعلاج الصعقات الكهربائية.

ذيلت دعوة الوزارة للمتقدمين بطلب/ بشرط مفاده: «مطلوب كشف حساب من المصرف لرصيد لا يقل عن 40 ألف دينار بحريني، أو شهادة راتب لا يقل عن ألف دينار شهريا... وأخيرا، توقيع استمارة تعهد بخصوص دفع الرسوم الدراسية في حال قبول الطالب/ الطالبة على مقاعد الدراسة»، مع عدم الإشارة إلى حجم هذه الرسوم سنويا أو بحسب «الكورس» الواحد.

لا، لم تكن الوزارة تمزح، ولم تكن تهذي بكلامٍ عن «الفروق الطبقية» والصراع الاجتماعي - الثقافي - العلمي عندنا في البحرين، بل كانت تقصد وبشكلٍ متعمدٍ استفزاز الفقراء على ما يبدو، بإعطاء «الأولوية للمال على البنين» وكأنهم استثناء في تخريج الكادر لخدمة هذا الوطن الذي كانت أغانينا تردد دائما: «السيد الوطن وكلنا بنوه الفقراء» حتى انقلبت المعادلة فأصبحت: «السيد الوطن وكلنا بنوه الأغنياء!»، وتتعامل الوزارة معهم تماما كما في الدورة الاقتصادية: «نقود سلعة نقود»، وعليه إذا أراد أحد من الفئة الفقيرة أن يدرس أبناءه أو «ابنه/ ابنته» (مع مراعاة تحديد النسل وليس تنظيمه) أي بمعدل ولد أو ولدين لكل متزوج عليه أن يوفر من «يوم الدخلة» مبلغ عشرات الآلاف من الدنانير، (له/ لهما) بعد عشرين عاما، ويكون راتبه قبل الزواج 2000 دينار ولا يأكل ولا يلبس ولا يسكن في بيت إيجار، وعلى الزوجة أن تلتزم برضاعة ولديها «حولين كاملين» من الحليب الطاهر، والأهم أن يبدأ التخطيط قبل الخطوبة التي تتم عادة بين حبيبين «واحد بهالعين أحطه وواحد بها العين» لرسم مستقبل أبنائهما قبل انعقاد «النطفة»، وإلا فإن مصيرهم «مكتوب على جبينهم»، وان أصغر مبتدئ في علم التنجيم سيعلم بوضوح نبوءته!

باللّه عليكم، وبالمنطق، إذا كانت وزارة الإسكان بعظمتها وملياراتها تعطي المواطن ذا الدخل المرتفع جدا 40 ألف دينار كقرض شراء في أقصى درجاته، ويسدّد هذا المواطن ضعف المبلغ على أقساط تستمر لـ 25 عاما، وتحسب عليه في نهاية المطاف «مكرمة»، ووزارة التربية والتعليم تطلب هذا المبلغ لتدريس أحد الأبناء وهي التي تتفاخر في كل شاردة وواردة، بمجانية التعليم عندنا وتشترط «رصيد 40 ألف دينار» لقبول الطالب الجامعي (...) فهل يا ترى، مواطنونا كلهم، وزراء ووكلاء وزراء أو مديرون عامون في شركات كبيرة، أم أن في الأمر علة؟

إذا كانت وزارة العمل عندنا «ترقص فرحا» لتشغيل ألف عاطل عن العمل براتب تسعين دينارا، أو بأقصى مبلغ 150 دينارا، وتقوم الصحف «بتوجيهات سديدة» بوضع «مانشيت» على صفحاتها الأولى تتحدث عن «هذا السبق الصحافي»، فهل من قراءة تنبوئية لمستقبل أبناء هؤلاء العاملين الجدد الذين نالوا شرف التوظيف عن طريق وزارة العمل؟! إن الإجابة على ذلك ليست بصعبة لو كانت لأحدهم رغبة في مواصلة تعليمه على حسابه الخاص... (أقول أم تقولون؟).

أخيرا، أعتقد أن من يملك رصيدا مصرفيا بمبلغ 40 ألف دينار أمامه خيارات مفتوحة، وطبعا لن تكون كلية الخليج العربي للطب والجراحة من بين هذه الخيارات، إلا إذا حصل على منحة مجانية باعتباره صاحب نفوذ، أو إنه سيبعث ابنه إلى الخارج لتلقّي علومه الطبية لأنه يعرف من أين تؤكل الكتف...

فواحسرتاه على الدول الفقيرة التي مازالت تدرس أبناءها مجانا وتدفع رواتب رمزية تشجعهم على تلقي العلوم لتخريج كوادر علمية تخدم أوطانهم، لا كما عندنا توضع شروط قاتلة للفقراء ومتوسطي الدخل لتغمرهم تحت الأرض أكثر مما هم مغمورون، وتساهم في خلق مجتمع أمي بدلا من حثهم على المساهمة في تطويره وتنميته بعلم أبنائه وبعقولهم وسواعدهم.

كاتب بحريني

العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً