العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ

مرجعيّة السيستاني ترفض أي دور سياسي خاص

المفكر الإسلامي جابر حبيب جابر لـ «الوسط»:

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

الإسلام السياسي ظاهرة بارزة منذ عدة عقود في عالمنا العربي والإسلامي اهتم بها الغربيون أكثر من اهتمامنا بها، وفي العراق بعد الزلزال الذي حصل منذ أكثر من عام برز الإسلام السياسي عموما والإسلام الشيعي خصوصا واحدا من المحددات الأساسية في المعادلة العراقية راهنا ومستقبلا، وفي ثنايا هذا المحدد أضحى المرجع الشيعي آية الله السيدعلي السيستاني لاعبا أساسيا في المعادلة العراقية.

فهل هذا يشير الى أن العراق متجه الى التحول لأن تلعب طبقة رجال الدين دورا مؤثرا وواسعا في الممارسة السياسية؟

سؤال يشغل بال الكثيرين ولاسيما ان انهيار النظام السياسي السابق كشف عن تيار متغلغل في الوسط الجماهيري ومؤثر في توجهات الرأي العام العراقي، بل ولاعب أساسي في الحال العراقية بكل تداعياتها، ألا وهو تيار الصدر الذي كشفت الأشهر السابقة أنه أقوى مما ظن المحللون، وأعنف مما أعتقد السياسيون، فهل هذه القوة التي يمتلكها هذا التيار قابلة للاحتواء أم سيبقى الصاعق الذي يمكن أن يفجر الأوضاع ولاسيما ان الأوضاع في العراق تجتاحها تموجات وتشنجات تشكل الفتنة الطائفية واحدة من أبرز المخاوف التي تهدد وجوده؟

هذه الأسئلة وغيرها وبما تحمله من هواجس حملناها الى رئيس قسم الفكر السياسي في جامعة بغداد ورئيس الجمعية العراقية للعلوم السياسية المفكر جابر حبيب جابر، فكان لنا معه هذا الحوار:

كيف تقيمون ظاهرة الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر؟

- شكلت منذ البدء ظاهرة الصدر تميزا بسماتها في الاسلام الشيعي إذ انها بلا ريب ترتكز على الرصيد الذي تركه والده الشهيد محمد صادق الصدر، الذي استطاع ان يخلق - إذا جاز لنا أن نسميه - الخط الشعبوي في المرجعية مقابل الخط النخبوي التقليدي لمرجعية النجف، بوصوله الى الطبقات الدنيا من المجتمع وربطهم بمرجعيته من خلال تصديه لحاجاتهم اليومية ومن خلال شبكة نواب وممثلين من الشباب الذين كان من الصعب ان يستطيعوا ان يتوصلوا الى المراكز نفسها في ظل المرجعية التقليدية وما مثله هؤلاء الممثلون من حراك كونهم قريبين من حاجات وأماني ونبض القطاعات الأوسع كونهم جزءا من نسيجها الاجتماعي، إذ انهم نشأوا في ظل البيئات الفقيرة.

لذلك شكل تيار الصدر الثاني أحد أهم الظواهر التي تكشفت بعد انهيار النظام، إذ لا يبدو أن أحدا كان في وارد توقع وجود تيار سياسي نشأ ونما في معزل عن الحركة السياسية للشيعة العراقيين خارج العراق، تيار مستقل عن حزب الدعوة الذي انتقل للعمل خارج العراق وعن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، نما هذا التيار في العراق في ظل قيم أرسى بعضها النظام السابق كما أنه ضعيف الارتباط بالحوزة التقليدية.

إذا، كيف تفسرون تحوله الى العمل السياسي وهل تعتقدون انه سيحقق نجاحا في ذلك؟

- ان مؤيدي الصدر يأتون من المناطق الأكثر فقرا من الشباب الذين يسكنون في مدن العشوائيات وأحزمة الفقر التي تحيط بالمدن، فهم عموما لا يمتلكون شيئا مرتبطين عقيديا مع هذا الخط الذي شكلت طريقة استشهاد والده وتصديه للحكم الدكتاتوري والتي تنسجم مع الخط الاستشهادي الذي يجد عمقه في التاريخ الميلودرامي لهذه الطائفة رمزية عالية، وهذا يفسر قيام أتباعه بمعارك حتى غير متكافئة وتتسم بمستوى عال من الخسائر، بل وصل ببعض أتباعه ان سحقتهم الدبابات عندما وقفوا في احتجاجات أمامها، ولا أظن اننا نجد كثيرا من الزعماء، دينيين او دنيويين، من يستعد اتباعه للدفاع عنه وطلب الشهادة بهذا الشكل غير المتكافئ.

الى ذلك وقع هذا التيار في أخطاء لا تنكر عندما لم يستطع ان يستثمر في البداية شعبيته وقدرته على الحراك بل قدرته على الحشد للأتباع بالقدر الذي لم تستطعه أية قوة سياسية لكنه استنزف هذه القدرات بشكل مبكر ولم يستطع ان يطورها الى رصيد سياسي يجير الى تعبير سياسي واضح. ولكن الخطاب الذي طرحه السيد مقتدى المتصدي للاحتلال استطاع أن يبلور موقفا سياسيا رافضا ونجح في استقطاب ولف الكثير حوله بل هو أكل من جرف وأضعف باقي التيارات الموازية، ولكن يبقى هدف أية عملية تصدي أو حراك مسلح لابد ان تفضي الى نتائج وأهداف سياسية، وهنا تبرز المهمة الاصعب لهذا التيار إذ انه لا يستطيع والى ما لا نهاية ان يبقى مقتصرا على خطاب التصدي ومواجهة الاحتلال إذ لابد من ان يبلور رؤى وبرامج سياسية ذات بعد اجتماعي تخاطب حاجات القطاعات الأكثر عوزا وفقرا وان يوجد لها الأطر.

دعنا ننتقل إلى قرار مجلس الأمن 1546 والدور الذي لعبته المرجعية الدينية في صدوره خاليا من أي ذكر لقانون إدارة الدولة، ألا تعتقد أن هذا أسس حال تشنج بين الشيعة والأكراد؟

- يجب ابتداء ان نفترض ان موقف سماحة السيدعلي السيستاني من إصدار القرار، والذي قاد الى عدم تضمين قانون إدارة الدولة أو الإشارة إليه في قرار مجلس الأمن، هو ليس موجها ضد الأكراد أو مطامحهم المشروعة إذ لا أظن ان للمرجعية توجها سلبيا تجاه حقوقهم، إذ ان المرجعية تاريخيا وقفت بجانب الأكراد ومظلوميتهم في أشد فترات المعارك ضدهم وما موقف السيدمحسن الحكيم وفتواه بتحريم قتال الأكراد الاّ علامة بارزة، فضلا عن ان موقف المرجعية هو ان تتصدى لحقوق المسلمين وبلا تمييز على أساس العرق أو الجغرافية السياسية، ولكن موقف السيدالسيستاني هو استمرار لموقفه المتحفظ من قانون إدارة الدولة وما تضمنه من قضايا محل خلاف فضلا عن خوفه من الفقرة (ح) من المادة 61 من القانون والتي تجيز لأي ثلاث محافظات ان تعترض على الدستور، وبذلك ينحل المجلس لكي يؤتى بمجلس آخر ومسودة دستور أخرى ومن الممكن ان تكرر العملية لأكثر من مرة وهذا ما سيقود الى حال عدم استقرار سياسي وربما يعود بالبلد الى حال فراغ سياسي وربما انهيار لمؤسسات جنينية غير راسخة.

ولكن في كل الأحوال يبرز التدخل المتزايد من جانب السيدالسيستاني في العملية السياسية؟

- يجب ان نميز بين مستويين أو اتجاهين في التدخل، الأول الذي يكون بشكل قيمي وارشادي، لضمان ألا تتقاطع التشريعات مع الثوابت الإسلامية واتجاه التدخل عبر ممارسة رجال الدين العمل السياسي أو الدخول في تفصيلات العملية السياسية. النوع الثاني تتجنبه بل وترفضه المرجعية.

وهذا خطها إذ بداية السيدالسيستاني من المؤمنين بالولاية الخاصة وليس الولاية العامة - كما هو الشأن في إيران - والذي يؤكد ذلك ان السيد على رغم سيولة الحال العراقية وتلاحقها وازدحامها بالحوادث والمتغيرات فإنه لم يتعرض أو يتعامل مع هذه المفردات، بل نجد ان حتى القتال الذي جرى في الأماكن المقدسة فإن المرجعية لم تتخذ منه موقفا جوهريا بل اكتفت بالحيادية والدعوة الى التهدئة والحفاظ على الأماكن المقدسة.

لكن المسألة الأهم التي تلاحظ من خلال مراقبة الخط البياني لمواقف المرجعية هي مراقبتها وتصديها للقضية الديمقراطية، وبالذات ادراكها ان الدستور هو أخطر وثيقة ستؤسس لمستقبل العراق وتشكله حتى ان السيدالسيستاني اعتبر أن معركة الدستور معركته، لذلك نجد حرصا متزايدا على ألا تأتي هذه الوثيقة إلا من خلال هيئة منبثقة عن انتخابات وعن إرادة الشعب العراقي، وهذا الذي أبطل خطة الائتلاف السابقة بإيجاد مجالس للمحافظات ينبثق عنها مجلس وطني، وقاد الى تراجع الولايات المتحدة عنها إذ خاطب الرئيس بوش عبر أحد الوسطاء اني لم أقرأ الديمقراطية في كتب الشيخ المفيد أو الطوسي بل تعلمتها منكم.

ألا تعتقد معي ان هذا ينبئ بدور متعاظم لرجال الدين في مستقبل العراق، في الوقت الذي يراد للعراق ان يكون عصريا؟

- من الناحية العملية أجد ان الحكومة الحالية الخاسر الأكبر فيها الإسلاميون وبالتالي هذا يضعف من هذه التوقعات من جهة، وفي اليد الأخرى يدفعهم باتجاه القواعد الانتخابية للحصول على التأييد بدلا من منة التعيين.

ربما من لحظات الحظ القليلة التي حظينا بها في العراق ان ما يجري هو في زمن وفي ظل مرجعية حكيمة وزاهدة ورافضة لأي دور سياسي خاص بها، بل هي تحرص على ان تحتفظ بالمسافة نفسها مع القوى السياسية وتكتفي من العملية السياسية بالدور القيمي، إذ ماذا لو تصورنا اننا في ظل مرجعية تؤمن بدور رجال الدين في قيادة العمل السياسي وفرض تصوراتهم وخصوصا إذا امتلكت، كما امتلكت مرجعية السيستاني تأثيرا كبيرا لا خلاف عليه في الخريطة المجتمعية والسياسية في العراق، ماذا سيكون شكل العراق المتخيل في ظل تنوعه وتجاذباته وحساسية إقليمه؟ لذلك أظن ان هذه المرجعية بات ينظر اليها كصمام أمان لاستقرار ومستقبل العراق، وأصبحت تمثل قاسما مشتركا وموضع تطمين لجميع العراقيين بطوائفهم وأديانهم المختلفة، لذلك استطيع ان أؤكد أنها لن تتدخل بفرض خيارات أو قسر المجتمع باتجاه رؤى أو خط معين.

ولكن في كل الأحوال يسود قلق بل هناك مخاوف قائمة من هيمنة شيعية؟

- هذه المخاوف لا تصمد إذا امتحنت، إذ ان الشيعة واهم من يتصور انهم كتلة اجتماعية واحدة ويتصرفون بشكل كتلي، هذه ربما تكون في المجتمعات البدائية، أما المجتمعات الحديثة فإن الافراد يتصرفون وفق دوافع أخرى، فالشيعة يتوزعون اجتماعيا على طبقات وسياسيا على فرشة واسعة من الاتجاهات السياسية تبدأ من الاسلاميين وتمر بالعلمانيين وتصل الى اليساريين بل وجدنا أثناء مناقشات قانون ادارة الدولة اصطفافات ليست طائفية فقد وقف الاسلاميون ضد مسألة المرأة من ناحية نسبة تمثيلها، كذلك وقفوا لدعم مسألة علاقة الاسلام بالتشريع في حين الليبراليون وقفوا بالضد. لذلك فإن تصور ان هناك هيمنة لطائفة من دون أخرى لا تأخذ بالحسبان تعقيدات المجتمعات ودوافعها المصلحية، لا أنكر ان البعض سيحاول ان يدخل من خلال الضرب على مخاوف معينة ولكنه لن يستطيع ان يقدم برامج فئوية، إذ ليست هناك خطة تنمية شيعية ولا برامج صحة سنية إذ التوزع سيكون وفقا للبرامج والسياسات التي يفترض ان تمتد أفقيا لكي تخترق الطوائف والعرقيات. أختزل الموقف المستقبلي بعبارة واحدة عراقا متعددا بأطيافه ودولة ضعيفة لا تتغول على المجتمع ضمانة ضد التفرد والهيمنة.

ماذا عن المخاوف من فتنة طائفية ولاسيما ان أعمال العنف تبدو مقدمات لذلك؟

- على رغم الشعارات الكريمة التي رفعت من كلتا الطائفتين وتصدي الحكماء منهم لأي بوادر فتنة وتسامي البعض منهم فوق حتى جروحه الشخصية، وهذه وجدت لها استجابة عند عامة الناس التي تعايشت بشكل طبيعي ولا تعاني من طائفية مجتمعية، فإن هناك قوى التطرف المدفوعة بمواقف اقصائية للآخر، وادعائها أو توهمها بأنها تملك الحقيقة المطلقة ومن حاد عنها، فإنها تستحل دمه وأمواله ومقدساته وهذا الفكر الأصولي المتطرف عند كلتا الطائفتين هو نبت غربي، أما وفد من الخارج أو نما في ظروف الانغلاق والتعصب والفتاوى والتثقيف التكفيري، لذلك نجد القتل والتفجير واغتيال رجال الدين، سنة وشيعة، تجري بقصد جر البلد الى فتنة طائفية وحرب أهلية والمقلق هو بعض الحوادث التي تنذر بالقتل على أساس الهوية، وهذه هي التي إذا لم تطوق وينتبه إليها ويتم الوقوف بحزم ضدها وألا تعامل بطريقة «انصر أخاك الجاهلية»، وإلا ستكون الحلقة الأخطر وتقود الى ردود أفعال متقابلة وتدخلنا في نفق لا أحد يبلغ منتهاه.أما على المستوى السياسي وهنا الوجه الأخطر للطائفية فإن النظام السابق الذي قام على شبكة من الولاءات ومارس الاقصاءات التي خلقت في العراق واقعا محتقنا وخلقت تركيبة سياسية، ظن البعض انها استحقاقات مطلقة، هنا الديمقراطية كفيلة بما تتضمنه من آليات انتخاب وتداول ان ترضي الجميع إذا سلمت النوايا. لذلك حتى الانتقادات التي وجهت الى تشكيلة مجلس الحكم بأنها كرست المحاصصة الطائفية نجد تفسيرا لها، ولا أقول نقبلها ولكن هذا هو الواقع الذي قادت إليه ممارسات النظام السابق وسياسته القمعية التي أفرغت البلد من أية إطارات سياسية أو حتى هياكل لمؤسسات مجتمع مدني فضلا عن سياسته في الاقصاء والتهميش لبعض التكوينات الاجتماعية لذلك عندما تأتي وتجد البلد خلا من التنظيمات السياسية والحزبية والمدنية وعاد الى الأطر التقليدية من طائفة وقبيلة فإنك لابد ان تتعامل مع ذلك الى حين

العدد 663 - الثلثاء 29 يونيو 2004م الموافق 11 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً