العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ

الإصلاح في غياب المجتمع وحركته السياسية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

يجري كلام عربي متواصل عن الإصلاح، وهو كلام يتشارك فيه الرسميون العرب في مستوياتهم المختلفة الى درجة ان الإصلاح العربي كان محورا من محاور القمة العربية الأخيرة، التي اختلف القادة العرب فيها، كما اختلف وزراء خارجيتهم قبلهم على معنى الإصلاح ومحتواه، واختلفوا في الموقف من المبادرة الأميركية للإصلاح في «الشرق الأوسط الكبير»، والتي كانت بين عوامل عدم انعقاد القمة العربية العادية في مارس/ آذار الماضي.

وإلى جانب كلام الرسميات العربية عن الإصلاح، شهدت الساحة العربية اضافة الى الدعوات التي أطلقتها منظمات سياسية ومدنية كثيرة ومثقفون ونشطاء، دعوات إلى الإصلاح بعضها صدر عن مؤتمرات وندوات، عقدت في لبنان اليمن، قطر والاسكندرية في الأشهر الأخيرة، وبعضها اتخذ شكل اعلانات إصلاحية على نحو ما اشارت اليه خطابات الكثير من زعماء الدول العربية ومنها سورية، السعودية، ومصر وقطر وغيرها.

وسواء كان الأمر يتعلق بكلام القادة، او بما طرحته المؤتمرات والندوات التي تناولت موضوع الإصلاح العربي، فإن كلاما كثيرا يمكن ان يقال في الموضوع، لكن الأهم فيه، ثلاثة أمور اساسية، الأول فيها، يتعلق بحدود الإصلاح المطروح، هل هو إصلاح يضع البلدان العربية على قاعدة تطور مختلفة عن القاعدة القائمة حاليا، والتي قادت كما هو واضح الى كل الخرائب والمشكلات والانسدادات التي تواجهها البلدان العربية سواء في مشتركاتها أو فيما يتعلق بكل منها بصورة منفردة.

والأمر الثاني كلام يتصل بأدوات الإصلاح المنشود، التي يفترض انهاضها من داخل المجتمع واطره الاجتماعية والسياسية، والتقاط رموزها وكوادرها من صفوف نشطاء منظمات وهيئات المجتمع المدني وكوادر الجماعات السياسية، وهذا يعني بالبداهة، ان ادوات الإصلاح لا يمكن ان تكون الأدوات الرسمية ذاتها للسلطات الحاكمة بما فيها الاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية، والتي تتخذ شكل التنظيم الرسمي للنظام السياسي وسلطته، وتتطابق معهما في الكثير من آليات التفكير والممارسة وفي الوظيفة السياسية، سواء التي تم تطويعها وإخضاعها كما هو حال الاحزاب، أو بسبب القاعدة الفكرية والسياسية التي بنيت عليها في حال المنظمات الاجتماعية والنقابية.

أما النقطة الثالثة في الكلام الممكن في موضوع الإصلاح العربي، وهي الأهم، فتتمثل في توافر الارادة السياسية لعملية الإصلاح المطلوب، وهو أمرٌ لا يرتبط بالخطابات الإصلاحية واعلان نوايا الإصلاح وعقد الندوات والمؤتمرات بمقدار ما هو مرتبط بخطوات عملية واجرائية، تضع البلد العربي المعني بالإصلاح على قاعدة الانطلاق، وتهيئ البلاد والمواطنين للدخول في عملية الإصلاح، ولعل الاهم في سياقها إعلان واضح، يتضمن ان عملية الإصلاح هي خيار للنظام السياسي وللمجتمع، يتبعه تقييد لحرية وحركة - ولو بصورة جزئية - مراكز ورموز الفساد والافساد داخل السلطة والمجتمع، وإطلاق حرية وحركة - ولو جزئيا - للقوى السياسية والاجتماعية الداعية إلى الإصلاح.

والحق فإن ما يحيط بموضوع الإصلاح العربي من إجراءات وخطوات جرى اتخاذها، لا ينسجم مع فكرة الإصلاح، ويجد هذا التوجه العام سنده في اتفاق عربي رسمي على ان الإصلاح شأن داخلي، لا ينبغي فرضه من الخارج في اشارة واضحة الى رفض مشروع الإصلاح الأميركي وتعديلاته التي اجرتها قمة الثمانية أخيرا، وهو «كلام حق يراد به باطل»، يبرر عدم استجابة القادة العرب لدعوات الإصلاح الداخلي في مواجهة طلبات الخارج واملاءاته، والتي غالبا ما يعارضها دعاة الإصلاح في الداخل العربي.

ويضيف الموقف الرسمي العربي من الإصلاح، قوله ان الإصلاح، ينبغي ان يكون متدرجا ومرحليا ويراعي الظروف القائمة، وهو كلام مفهوم، ومنسجم مع مطالب الإصلاحيين العرب من خارج المؤسسة الرسمية، لكن المقصود بهذا الكلام من جانب السلطات الرسمية، هو البعد الى الحدود القصوى عن أي التزامات في الموضوع، وتركه مفتوحا على المستقبل، وكأن المطلوب هو الحديث عن الإصلاح من دون الدخول فيه.

لقد أدّت السياسات الرسمية العربية الى تنامي المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلق هذا الوضع حالا معقدة ومركبة من المشكلات، التي لا يمكن ان تجد لها حلولا في إطار آليات النظام السياسي العربي القائم في معظم - ان لم نقل كل - البلدان العربية، الأمر الذي وضع هذه البلدان امام حتمية الإصلاح، فاما هو إصلاح يأتي من الخارج، وقد باتت السلطات العربية على درجة كبرى من معرفة ما يجره ذلك الإصلاح من كوارث، وهي لا تستطيع منعه منفردة اذا رغبت، أو إصلاح يأتي من الداخل عبر توافقات تتم بين السلطة والمجتمع، لكن مثل هذا التوافق لا يتم اذا كان المجتمع بقواه الحية من الجماعات السياسية وهيئات المجتمع المدني غائبة، أو غير فاعلة، ما يجعل الخطوة الاولى في اتجاه الإصلاح، تتمثل في انفتاح مباشر وكامل على المجتمع وقواه السياسية والمدنية

العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً