العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ

معركة رئاسية لبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في العام 1970 اجتمع قادة الدول العربية في القاهرة في قمة دعا إليها الرئيس جمال عبدالناصر لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية عقب حوادث الأردن الدموية بين المقاومة والنظام.

انشغل القادة بالخطابات الحماسية والمزايدة في وضع خطط تحرير فلسطين «من البحر إلى النهر» والوحدة العربية والدفاع المشترك والسوق العربية المشتركة وتوحيد الجمارك والنقد وربط سكك الحديد وتوزيع الثروة والتنمية والإصلاح الاقتصادي وغيرها من نقاط مهمة تمس مصالح المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج.

وفي غمرة النقاش رفع الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو يده مقاطعا (نقطة نظام)، وطالب بمداخلة سريعة وقصيرة. أعطى رئيس الجلسة (عبدالناصر) الكلام للرئيس اللبناني فقال: بعد دقيقة من الآن لن أكون رئيسا للبنان. فقبل دخولي قاعة الجلسات أجريت اتصالات وعلمت أن الرئيس اللبناني الجديد سليمان فرنجيه سيصل بعد ساعة إلى القاهرة ليكمل عني ما تبقى من جلسات. فأنا الآن لست الرئيس الشرعي وفق الدستور.

انذهل القادة من هذا الكلام، وبدأ «الغمز واللمز». لابد من وجود مؤامرة أجنبية لتعطيل القمة عندما علموا بنجاحها وجديتها. لابد من أن قوى أجنبية كلفت هذا «الداسوس» بعرقلة القرارات ومنع الأمة من الاجتماع والتوحد على برامج التحرير والوحدة والعدالة وتوزيع الثروة والإصلاح.

بعد لحظات اندهش القادة من انسحاب الرئيس السابق من الجلسة ومغادرته القاهرة ودخول الرئيس الجديد قاعة محاضرات القمة واستكمال المباحثات وكأن شيئا لم يكن. وتيقن المجتمعون فعلا أن ليست هناك «مؤامرة» لبنانية لتعطيل قرارات التحرير والوحدة والإصلاح وإنما هناك ما يسمى بمؤسسات ثابتة تقوم على قواعد دستورية موصولة بالقوانين وإرادة الناس والانتخابات والتسلم والتسليم وفق ما تقتضيه الشرعية التي نصت عليها المواد الدستورية. واكتشف المجتمعون آنذاك أن لبنان ربما يكون دولة غير عربية بمعنى أن «الغيرة» و«العشيرة» و«القبيلة» و«الكرامة» موجودة في الحياة اليومية ولكنها لا تقرر الحياة الدستورية ولا تقلل من ضرورة احترام قواعد اللعبة.

افتتحت القمة العربية برئيس لبناني واختتمت برئيس آخر، وانتهت بكارثة وهي رحيل عبدالناصر وحتى الآن لاتزال قرارات التحرير والتوحيد والإصلاح تنتظر التطبيق. هذه «الخصوصية» لم تستمر طويلا إذ انفجرت الحروب الأهلية - الإقليمية على أرض لبنان وتبعثرت دولته إلى دويلات طوائف ومناطق ومذاهب، واستنتج القادة قاعدة ذهبية من هذه الكارثة السياسية وهي «هذه هي نهاية كل ديمقراطية. وهذا هو مصير كل من يحترم الدستور. ونحمد الله أنه لا يوجد في العالم العربي إلا لبنان واحد».

استذكار هذا الحادث اللبناني في القمة الأخيرة التي قادها الرئيس عبدالناصر لها وظيفة خاصة في لحظات يستعد فيها لبنان الآن لخوض معركة رئاسية جديدة. فالمهلة الدستورية للرئيس الحالي إميل لحود تنتهي في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والقوى السياسية والبرلمانية منقسمة إلى تكتلات كل كتلة تشد مواد الدستور إلى جانبها لحسابات شخصية ومؤقتة. وهذا يعتبر أسوأ خبر لبناني للدول العربية التي تعيش أجواء ضغوط دولية للخروج من دائرة «التوريث الرئاسي» إلى دائرة إعادة إنتاج قواعد جديدة تحترم القوانين والدساتير وإرادة الناس. فالدستور يجب أن يُحترم حتى لو كانت هناك مواد لا تلبي حاجات الناس وخصوصيات البلد. فلبنان «المتقدم» مثلا يعاني من أزمة ثقة بين مناطقه ومذاهبه وطوائفه، الأمر الذي كرّس تخلفه السياسي وقسّم مناصب الدولة إلى حصص ومغانم على طوائفه الكبرى. ومع وجود مثل هذه الثغرات لابد من احترام قواعد اللعبة الدستورية وعدم تجاوز المواد إلا بالعودة إلى الناس وإجراء الاستفتاء الشعبي للموافقة أو لرفض أي تعديل في مادة من مواده.

المشكلة الآن أن هناك اتجاهات سياسية - نيابية تطالب بتعديل الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور، وفي حال حصل الأمر فإن التعديل يتيح إعادة الانتخاب أو التمديد للرئيس الحالي. وهذه تعتبر في المقاييس الدستورية ضربة مباشرة وغير حرة لما يسمى الديمقراطية اللبنانية. فالمسألة ليست في الأشخاص فقد يكون الرئيس الحالي أفضل بكثير من الرئيس المقترح، وإنما في احترام قواعد اللعبة وعدم فتح باب التعديل في كل فترة تنتهي خلالها ولاية رئيس. فالدستور أعلى وهو ما يجب المحافظة عليه وعدم تركه مجرد ورقة يمكن التلاعب بها.

القرار الآن في يد الرئيس لحود وهو يملك حرية الاختيار بين أن يكون على مثال الرئيس الحلو أو على مثال الرئيس السابق إلياس الهراوي الذي وافق على التمديد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً