العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ

الاقتراح بقانون بشأن تقاعد أعضاء المجلسين مخالفة للقواعد الحاكمة

عندما تشرّع السلطة التشريعية قانونا لمصلحتها (2 - 2)

يوسف الهاشمي comments [at] alwasatnews.com

غني عن البيان أن المشرع الدستوري قد تغيا من وراء هذا النص ألا تقوم السلطة التشريعية بتعديل مكافآت أعضائها - ناهيك عن منحهم حقوقا مالية أخرى - لمحض تحقيق مصالح خاصة لهم، فقرر هذا النص الدستوري سريان التعديل ابتداء من الفصل التشريعي التالي، غير أن المقترح موضوع البحث حدد سريان المقترح موضوع البحث اعتبارا من انعقاد الفصل التشريعي الأول للمجلسين بما يصم هذا المقترح بعيب الانحراف التشريعي فضلا عن مخالفته للدستور في المحل إذ رسم المشرع الدستوري سلطة محددة للسلطة التشريعية في نطاق تحديد مكافآت السلطة التشريعية وقيد أي تعديل فيها بان يكون في الفصل التشريعي التالي بينما نص المقترح على سريانه منذ الفصل التشريعي الأول ليشمل أعضاء السلطة التشريعية في هذا الفصل.

وهنا نؤكد للنواب ان لا طائل من وراء خوضهم غمار هذه المعركة التي سيخسرون من ورائها ناخبيهم طالما أنهم - وبنص الدستور - لن يستفيدوا من أي قانون من شأنه أن يقرر مكافآت غير تلك التي نصت عليها المادة (40) من المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب والتي نصت على أن (يتقاضى عضو مجلس الشورى وعضو مجلس النواب مكافأة شهرية مقدارها ألفا دينار وتستحق المكافأة اعتبارا من تاريخ اكتساب العضوية) بما يكون معه تجاوز سقف هذه المكافأة فيه مخالفة للقانون فضلا عن مخالفته للدستور إذا وقع في الفصل التشريعي الأول، وعلى ما سبق فان أية علاوات يتقاضاها النواب وهي التي رفعت المكافأة من -/2000 دينارا إلى -/3250 دينارا مخالفا للقانون والدستور بما ننصح معه النواب بعدم فتح ملف مكافآتهم لما يهددها من تعديل يعيد الأمور إلى نصابها بان لا تتجاوز مكافآتهم ما هو منصوص عليه في المادة (40) من قانون مجلسي الشورى والنواب.

بل أن مخالفة المقترح للغرض المحدد له بنص دستوري يبدو جليا واضحا من المخالفة المذكورة أعلاه إذ إن القاعدة القانونية المعروفة بقاعدة تخصيص الأهداف. وذلك في إطار عيب الانحراف بالسلطة الإدارية والتي مخالفتها تؤدي إلى بطلان القرار الإداري، هذه القاعدة بذاتها هي المقصودة هنا كعنصر في المعيار الموضوعي لعيب الانحراف التشريعي والذي يضاف لعنصر استهداف عموم المصلحة العامة في التشريع، ولكن تطبيقات هذه القاعدة ليست كثيرة في ميدان التشريع إذ قلما يحدد المشرع الدستوري غاية محددة بالذات للقانون في نص معين، لان ذلك الإلزام يحد من إطار السلطة التقديرية الواسعة في الأصل للسلطة التشريعية وان كانت سلطة غير مطلقة.

ولما كان المشرع الدستوري قد نص على أن يحدد القانون مكافآت أعضاء السلطة التشريعية بان حددها بالمكافأة دون سواها، كما أنه قرر أن تعديل هذه المكافأة لو تقرر أي تعديل لها فانه لا ينفذ إلا ابتداء من الفصل التشريعي التالي.

وإذ إن نية المشرع في إعطاء السلطة التشريعية لحق تعديل مكافآت أعضائها هدف إلى تعديلها عندما تطرأ الحاجة إلى ذلك بسبب ارتفاع مستوى الدخل أو تضخم النقد أو في حالات الطفرات الاقتصادية بحيث تصبح معه المكافأة بخسة لا تؤدي الغرض الذي شرعت من أجله ويمكن ملاحظة ذلك مما نصت عليه المادتان الأولى والثانية من القانون رقم (1) لسنة 1974 بتعيين مكافآت أعضاء المجلس الوطني. هذا القانون الصادر من المجلس الوطني السابق بتاريخ 19/1/1974 اذ حددت المادة الأولى من هذا القانون مكافأة شهرية لعضو المجلس الوطني قدرها ثلاثمئة دينار وحددت المادة الثانية مكافأة رئيس المجلس الوطني بمبلغ قدره أربعمئة دينار يدفع شهريا ونائبه وأمين السر مبلغ -/350 دينارا والاهم في تلك المادتين إنهما نصتا على أن يتقاضى عضو المجلس الوطني - أو رئيسه - تلك المكافأة طوال مدة عضويته.

وإذ إن المادة (40) من قانون مجلس الشورى والنواب قد حولت مكافأة أعضاء المجلسين بمبلغ -/2000 دينار وإذ إن المادة (47) من ذات القانون قد نصت على انه (يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون). ولما كان نص المادة (40) المذكورة أعلاه لا تتعارض على الإطلاق مع ما قررته المادتان الأولى والثانية من القانون رقم (1) لسنة 1974 بتعيين مكافآت أعضاء المجلس الوطني فيما قررته من حصول العضو على المكافأة طوال مدة عضويته بما مفاده أن ما ورد في هذا النص مازال ساريا او على الأقل يعكس اتجاهات المشرع في تخصيص المكافأة بمدة العضوية فقط بما يتبين منه مخالفة المقترح موضوع البحث للقانون نصا وروحا.

وإذ إن المشرع الدستوري عند فتحه لباب إمكان تعديل المكافأة كان يقصد أن تواكب المكافأة التطورات الاجتماعية والاقتصادية ولا أدل على ذلك من رفع مكافأة أعضاء المجلسين من مبلغ -/300 دينار إلى مبلغ -/2000 دينار ومكافأة نائبي رئيس المجلسين من مبلغ -/350 دينارا إلى مبلغ -/2500 دينار ومكافأة رئيسي مجلسي الشورى والنواب من مبلغ -/400 دينار إلى ما يعادل راتب الوزير، وإذ إن هذه التعديلات قد حصلت بقانون صدر في العام 2002 ولم تشهد البحرين حتى تاريخ الاقتراح أي في اقل من عامين أية متغيرات تستدعي تعديلا في تلك المكافأة بما يتبين منه أن المقترح قد خالف غاية المشرع الدستوري بما خصصه من هدف وراء ما نص عليه في المادة (96) منه من إمكان تعديل المكافآت على أن تنفذ في ابتداء الفصل التشريعي التالي. وهو الفصل التشريعي الذي يلي الفصل الذي يقر فيه قانون تعديل المكافآت وليس الفصل التالي للفصل الأول أي ليس ابتداء من الفصل الثاني. وذلك كله حتى يترفع أعضاء السلطة التشريعية من تعديل قانون المكافآت بغرض تحقيق المصلحة الشخصية إذ لا يمكنهم ذلك على الإطلاق إلا في حال أن دعت إلى ذلك التعديل ظروف موضوعية يرى معها الأعضاء أن المكافآت غدت متدنية بالنسبة إلى الظروف الموضوعية. فلا يخسر الأعضاء قواعدهم الانتخابية لإفادة غيرهم من النواب الذين سيخلفونهم.

وإذ إن المقترح موضوع البحث قد تجاوز الغرض المحدد له بنص دستوري فانه يكون تحت طائلة المخالفة الدستورية.

كما أنه من الحائن الولوج إلى مخالفة دستوريه أخرى تضمنها المقترح موضوع البحث، فان المقترح برمته مخالف في نتائجه لنص البند (ب) من المادة (9) من الدستور والتي نصت على أن (للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن).

وإذ إن ما صرح به كثير من الاختصاصيين يفيد أن إقرار المقترح موضوع البحث سيكلف المال العام 1,3 مليار دينار خلال (32) عاما وان هذا المبلغ يعادل كلفة بناء المدينة الشمالية التي ستضم ثلاثة آلاف وحدة سكنية، وان مجلس النواب الذي شن حملة حمى إوارها عن معضلة إفلاس صندوق التقاعد سيقوم بإفلاس الهيئة فعلا بالمقترح موضوع البحث وذلك أن الراتب التقاعدي لأعضاء السلطة التشريعية سيكون سنويا بواقع 2,880,000 دينار وان من المتوقع بحسبان متوسط عمر الأعضاء أن يحصل كل منهم على -/3000 دينار شهريا ومن دون تمويل بما مجموعه ولمدة ثمانية فصول تشريعية مبلغ 3,1 مليارات دينار، وهذا المبلغ يقل كثيرا عن المبلغ الذي على أساس تبديده فتحت الاستجوابات في مسألتي صندوق التقاعد وهيئة التأمينات الاجتماعية من قبل مجلس النواب تحت حجة أن تلك المخالفات محل الاستجوابات تتضمن تبديدا للمال العام.

وإذ إن من شأن إقرار قانون تقاعد السلطة التشريعية أن يبدد الأموال العامة بما يخرق حرمتها ويكون على كل مواطن واجب حماية هذه الأموال فإذا انفرد بعض المواطنين أيا كانت مواقعهم بالتعدي على المال العام توجب منعهم من قبل الآخرين سواء اخذ التعدي شكل قرار إداري مخالف أو قانون صادر عن السلطة التشريعية.

كان ما سبق عرضا لعيوب المقترح موضوع البحث الموضوعية، إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، بل أن هناك عيوبا شكلية اعتورت الاقتراح موضوع البحث ومنها عيب الشكل، ويقصد بعيب الشكل أن يصدر القانون على خلاف الإجراءات التي أوجبها الدستور في كل مراحل صنع القانون سواء مرحلة الاقتراح والإعداد أو مرحلة الإقرار أو مرحلة الإصدار. وذلك في الأنظمة التي تحدد الإجراءات الواجبة الإتباع في دساتيرها لإصدار القوانين. وذلك شأن الدستورين المصري واللبناني غير أن دستورنا في المادة (94) أحال إلى القانون لبيان نظام سير العمل في المجلسين ولجانها وأصول المناقشة والتصويت وغيرها.

وإذ إن المادة (21) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب قد حددت إجراءات صنع القانون، واختصاصات اللجان وقد حدد البند الأول من ذات المادة اختصاص لجنة الشئون التشريعية والقانونية في النظر في مشروعات القوانين ومطابقتها لاحكام الدستور، ومعاونة المجلس ولجانه الأخرى في صوغ النصوص التشريعية، كما يختص بشئون الأعضاء، وبحث حالات إسقاط العضوية، والإذن برفع الحصانة، وبكل الأمور التي لا تدخل في اختصاص لجنه أخرى، ويتبين مما ورد بذيل النص المذكور أعلاه أن هذه اللجنة هي صاحبة الولاية العامة والاختصاص العام فيما لم ينص على انه من اختصاصات اللجان الأخرى، فضلا عما تحدد من اختصاص لهذه اللجنة من نظر في مشروعات القوانين ومطابقتها لأحكام الدستور.

وإذ إن لجنة الخدمات قد عقدت اجتماعها بتاريخ 27/6/2004 لمناقشة مشروع القانون المقترح والمقدم من النواب: علي السماهيجي وغانم البوعينين وسعدي محمد، وإذ إن هذا المقترح لا يدخل على الإطلاق في اختصاصات لجنة الخدمات، لذلك فانه كان يتعين إيكال أمر النظر في المقترح إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية والتي يتوجب ان تتوافر فيها الخبرة القانونية بحيث تنأى بمشروعات القوانين التي توافق عليها عن مغبة الوقوع في المخالفات القانونية والدستورية.

وأمام رد الفعل العارم من الجميع على المقترح موضوع البحث والذي من شأن إقراره - لو حدث لا سمح الله - أن يثير موجة من الإحباط بمشروع جلالة الملك الإصلاحي بل قد يقود إلى الكفر بموضوع الديمقراطية وعدم الثقة بالبرلمان ونوابه. وانطلاقا من محاولة إيجاد الحلول القانونية التي تتوافق مع نصوص الدستور وروحه وغاياته بعيدا عن محاولة البعض لإيجاد حلول ترضي النواب مع أن المفترض أن يلبي أي قانون حاجات المجتمع والأمة وان يستهدف تحقيق مصالحهم والتي لأجل تحقيقها انتخب الشعب نوابه فهم في خدمته وليس العكس. لذلك فإننا نهيب بالنواب العودة عن هذا المقترح بعد أن تبين لهم الرفض العام له. وفي حال إصرارهم عليه فإننا نلتمس من جلالة الملك المفدى إيمانا منا بدوره في صيانة المشروع الإصلاحي والحفاظ على سيادة القانون ولتبوئه رأس السلطات جميعا طبقا للدستور أن يمارس صلاحياته المنصوص عليها في المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية والتي نصت على أن (للملك أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور) وذلك قبل أن يصدق جلالته على المشروع ويصدره فإذا ما قررت المحكمة الدستورية مخالفة مشروع القانون للدستور فان قرارها يكون ملزما لجميع السلطات - بما فيها السلطة التشريعية - وللكافة.

فلو حدث وان قضت المحكمة الدستورية بعدم وجود أية مخالفة دستورية في مشروع القانون إلا أن هذا ليس نهاية المطاف إذ قد يكون قانون ما منزها عن مخالفة الدستور أو عيبه خفي عصي ويفتح باب نقد القضاء الدستوري بتجاوز اختصاصه برقابة القوانين واللوائح إلى بحث موضوع ملاءمة التشريع فينأى هذا القضاء بنفسه عن هذا النقد ليقرر انعدام المخالفة الدستورية.

إلا أن لجلالة الملك وتطبيقا لنص المادة (43) من الدستور أن يستفتي الشعب في القوانين ويعتبر موضوع الاستفتاء موافقا عليه إذا أقرته غالبية من أدلوا بأصواتهم وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها. وبذلك تعود الأمور إلى نصابها ويقرر الشعب مصير مقترح قانون تقاعد أعضاء السلطة التشريعية إذا ما قررت هذه الأخيرة إقراره وذلك للوقوف في وجه طغيان وجور السلطة التشريعية بحسبان أن الأصل هو أن الشعب مصدر السلطات جميعا بنص البند (ء) من المادة (1) من الدستور وان الملك هو رأس السلطات جميعا.

محامٍ بحريني

العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً