العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ

لحظات ذهول

كان يحاكيني، ينظر إليّ ملتمسا العون في استفزاز ابنته، صديقتي وقريبتي، ممازحة لابنة ليست كباقي بناته، إنها الصغرى المدللة الشقية مع والديها بعكس أخواتها وإخوانها... عقل مدبر ورأي سديد وقلب رحيم قد لا يلمس مدى رحابته من ينظر إلى الظاهر من عينيه حينما يزورهما شرر الغضب... فخلفهما تقبع الآلام المكتومة والتطلعات الساعية بالكتمان والحسرات على ولد أحبه لكنه خذله، وابنة وسطى ظلت في عينيه حمقى لتصرفاتها غير المسيطر عليها لكنها حبيبة على رغم كل شيء.

تألم، تعب، اشتدت قسوة عضلاته، لكنه كابر وعاند، لم يرضخ لرحمة أحد ولا حتى لأحب أبنائه إليه، ليس إلا لكونه لا يرغب في مضايقة أحد.

رحل بهدوء وسكون، فهل ظن أن برحيله هذا سيرحم قلوب من أحب؟ أم تراه يجهل ما يخلفه ذهول الرحيل المفاجئ لحبيب مافتئ يجمع أبنائه من حوله ويداعب أحفاده الذين اتخذوه الحصن المنيع من عقاب آبائهم إليهم...

كلا، يا صاحبي العزيز، فحنكتك خانتك هذه المرة، وما رحيلك المفاجئ بهذا الهدوء إلا زيادة في الحسرات والآلام... لأنك ببساطة رحلت ولم ترحل!! غادر جسدك الأرض، عقدنا المأتم، بكينا وصرخنا كما لم نبك من قبل... ولكن عند دارك تتوقف كل الأوجاع ويبقى صوتك تجلجل به حيطان الدار، تبقى أفكارك ووجهات نظرك في كل شخص منا... وجهات نظرك التي لم نستوعبها في وجودك، وشاء لنا الخالق أن نتقن معانيها بعد رحيلك... فابنك الصادق الحنون كما قلت بقي كذلك والبكر أو العاصي المتمرد أو الحمقاء بقوا يذكرونا بوصفك لهم... وفوق كل الذي بقي منك، تلك الروح التي زرعتها في كيان كل واحد منا، القريب والبعيد، لنعرف بها من نكون ومن يكون الذين حولنا... وتبقى تسري في دمائنا لحظات ذهول... ذهول الراحل الباقي!!

عهد محمد

العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً