شكلت البحرين منذ القدم مركز إشعاع ثقافي في منطقة الخليج العربي، إذ حمل أهلها شعلة العلم والمعرفة منذ القدم، والتاريخ يشهد بذلك، فقد انتشرت المدارس الدينية في مدنها وقراها على مر العصور مهتمة بتدريس مختلف العلوم الدينية.
وقد كان الكثيرون يؤمونها ليحيوا أيامهم بالعلم والثقافة والنقاش الموضوعي، ومنها مدارس «آل الصادقي» ومدرسة الشيخ داوود بجدحفص، إلا أن هذه المدارس لم تكن تواكب العصر، فأنشأت حكومة البحرين في العام 1919 مدرسة الهداية الخليفية، التي تعد أول مدرسة نظامية على مستوى الخليج العربي.
وبعدها جاءت مدرسة المباركة العلوية (مدرسة الخميس حاليا)، وعن ذلك يقول أحد الذين درسوا في المدرسة الحاج عبد الله السعيد (من مواليد العام 1940): «تذكر أشهر المراجع الموجودة ان مجموعة من تجار البحرين فكروا في العام 1925 في عمل جمعية خيرية يشترك فيها المقتدرون من أبناء البحرين لبناء مدرستين إحداهما في الخميس والأخرى في المنامة، فتقدموا بفكرتهم إلى دائرة المعارف التي ساهمت بدورها في إنشاء هاتين المدرستين، وقد سميت المدرسة التي بنيت في المنامة باسم المدرسة الجعفرية (مدرسة أبو بكر الصديق حاليا)، أما المدرسة التي بنيت في الخميس فسميت بمدرسة المباركة العلوية (مدرسة الخميس حاليا).
وحين أعلنت حكومة البحرين إنشاء المدرسة، وعزمها على تعليم الناس مجانا، أنكر الأهالي وجود أبناء لديهم، لاعتقادهم بأن الحكومة ستأخذهم للتجنيد الإجباري وليس للعلم، فأوكلت الحكومة إلى أحد معلمي القرآن الكريم الملا عبدالله البلغة من سكنة جدحفص ليكون داعية لجلب الأولاد للتعليم في المدرسة، وقد جاء إلى المدرسة وأخذ ينشد الأناشيد التقليدية والأشعار الشعبية ويحكي للأولاد القصص كي يأمنوا شر التجنيد ويتيقنوا أن المدرسة شيدت للعلم، وقد نجح فعلا في جلب الطلاب إلى المدرسة.
وبعدها بدأ عدد الطلاب في المدرسة يرتفع حتى ضاق بهم صفّا المدرسة الوحيدان، فاتبعوا طريقة جديدة في القبول وهي أن الطالب الذي يستطيع لمس أذنه اليمنى بيده اليسرى من الخلف يقبل تلميذا في المدرسة والذي لا يستطيع لمسها لا يقبل، واستمر هذا الوضع حتى أضيفت صفوف أخرى.
ويقول السعيد: «تكونت مدرسة المباركة العلوية في بداية افتتاحها من صفين دراسيين وغرفة للمدرسين الذين كانوا اثنين فقط، وتوسعت بعد ذلك، إذ أضيف إليها صفان في جهتها الغربية وآخران في جهتها الشرقية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجهة الشمالية. وفي ظل هذه التوسعات أغلق المبنى القديم للمدرسة، ومع مرور الزمن بدأ هذا المبنى يفقد الحياة لعدم الاهتمام به، والذي ربما يكون متعمدا من قبل بعض المسئولين في وزارة التربية والتعليم، فعلى رغم المطالبات المتواصلة من الأهالي بترميم المبنى القديم، لم نجد أي شيء على أرض الواقع».
كانت مدرسة الخميس في الخمسينات من دون حائط وكانت تجاورها سوق الخميس التي تباع فيها المنتجات الزراعية والفخار والأقمشة والماشية، وكان منظرا مألوفا أن يدخل حجرة الدراسة حمار بسرعة فارّا من صاحبه فيكون ذلك مثارا لضحك المدرس والتلاميذ.
وتذكر المراجع التي كتبت عن مدرسة الخميس أن الحكومة كانت توفر أقراص الخبز مجانا للطلاب، بسبب شح الأغذية أثناء الحرب العالمية الثانية ما بين عامي 1940 إلى 1945، فعندما يصل الخبز إلى المدرسة يتجه الطلاب لتسلمه وأكله ثم يعودون إلى صفوفهم.
وكانت المدرسة خالية من المرافق ودورات المياه، وقد استعملت عين «أبو زيدان» القريبة من المدرسة من قبل الطلاب لهذا الغرض. كما أن ماء الشرب كان يجلب من هذه العين ويوضع في أوانٍ كبيرة من الفخار، وبعد فترة من الزمن حفرت فيها بئر ثم أنشئت بها حديقة.
وبعد سنوات من افتتاح المدرسة أدخلت إدارة المعارف تدريس مادة اللغة الإنجليزية، فاتخذ الأهالي قرارا بإخراج أبنائهم من المدرسة لأنهم سيتعلمون لغة النصارى - بحسب تعبير الأهالي آنذاك - ولم يبق في المدرسة إلا 30 في المئة من مجموع الطلاب تقريبا، ولهذا ألغت الحكومة تدريس اللغة الإنجليزية في ذلك الوقت.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن المدرسة حملت عدة تسميات، فعند افتتاحها أطلق عليها اسم المباركة العلوية، وبعد فترة من الزمن وعندما أصبحت تحت إشراف حكومة البحرين بشكل كامل استبدل اسمها إلى مدرسة الخليفية للبنين في الخميس، وعندما أنشئت دائرة المعارف تغير الاسم إلى مدرسة الخميس للبنين.
وقد ضمت المدرسة طلابا من البلاد القديم، جدحفص والسنابس وبعض القرى المجاورة وعددا قليلا من أبناء المنامة.
ويتحدث الحاج عبد الله البصري (75 عاما) عن المدرسة، قائلا: «التحقت بمدرسة الخميس (المباركة العلوية سابقا) لفترة قليلة، إذ خرجت للعمل مع والدي في المنامة عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكان ذلك قبل حوالي 55 عاما».
مضيفا «في تلك الفترة لم يكن في المدرسة سوى صفين دراسيين، وقد كان القسم الشرقي الذي يوجد به مبنى الإدارة ملك لأحد أهالي القرية اشترته الحكومة منه وضمته إلى المدرسة».
ولم ينس البصري القصيدة التي ألقاها عبدالكريم بن جمعة في افتتاح المدرسة، إذ راح يرددها عن ظهر قلب:
مرحبا أهلا بطلاب المنامة
وعلى الرحب لكم منا السلامة
زرتمونا وبكم زار الهنا
وأعدتم ذكر ماضينا هنا
يوم كان المجد فينا ولنا
شرفا لا يبلغ العيوق هامه
سائلوا جدحفص عنا والقديم
كم لنا فيما مضى قام زعيم
ساد بالعلم وبالفضل العميم
وله قد عقد الدين الإمامة
واسألوا عنا المصلى كم حوى
بدر عز في معانيه ثوى
واسألوا المشهد كم فيه انطوى
طود عز أنكب الدهر أقامه
نحن في مدرسة بين التلول
تندب الموتى وللأحياء تقول
هذبوا بالدرس والعلم العقول
وارفعوا من دائم العلم دعامه
نحن والآباء في قرن مضى
وجدير بعده إذ ينقضى
فعلى الذلة لا نبغي الرضا
وعلى الهضمة لا نبغي الإقامة
ومن جانبه يقول عضو المجلس البلدي بمحافظة العاصمة سيد جميل كاظم: «تعتبر مدرسة الخميس الابتدائية ثاني مدرسة نظامية في البحرين، ويؤكد ذلك بعض الذين درسوا في هذه المدرسة عند افتتاحها والذين مازالوا على قيد الحياة».
مضيفا «المبنى القديم للمدرسة والذي يمثل القسم الجنوبي منها لا يزال موجودا، وهو آيل للسقوط، وبحسب علمي فإن المديرين الذين تعاقبوا على المدرسة لهم مطالبات مستمرة إلى وزارة التربية والتعليم بترميمها، غير أن الوزارة لم تبادر حتى الآن بأية خطوة. ولم تقتصر المطالبات على مديري المدرسة، بل كان للجانب الشعبي تحركه أيضا، فالكثير من وجهاء وأهالي القرية طالبوا الوزارة بترميم المدرسة».
ويشير كاظم إلى أنه «يوجد في المبنى القديم رواق، وقد طالب الأهالي منذ فترة بترميمه وتحويله إلى مكتبة عامة، ليستفيد منها طلبة المدرسة وأهالي القرية».
وأيد السعيد تحويل رواق المدرسة إلى مكتبة عامة، متمنيا أن «يرمم المبنى القديم وتعاد الحياة إليه، وهو شيء يجب أن يعتز به جميع أفراد الشعب البحريني».
مشيرا إلى أن «الشعوب تفتخر بتاريخها وآثارها، فما الفائدة إذا كان لنا تاريخ لا نبرزه، فالتاريخ والآثار للوطن بأكمله، ولا يقتصر على فئة أو منطقة معينة، فالمفترض أن نعتز بتاريخنا الإسلامي».
إلى ذلك يقول رئيس المجلس البلدي بالمحافظة الشمالية سيد مجيد سيد علي: «رفع المجلس البلدي خطابا إلى وزارة التربية والتعليم في العام 2003، بشأن المدرسة، طالب فيه بالمحافظة عليها، وترميم المبنى القديم وتحويله إلى مركز ثقافي أو مكتبة عامة، كما رفعنا خطابا آخر للوزارة بشأن إرجاع اسم المدرسة الأصلي (المباركة العلوية)، غير أن المجلس لم يتلق أي رد من الوزارة».
وعلى الصعيد ذاته أكد وزير التربية والتعليم ماجد علي النعيمي خلال زيارته للمدرسة في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2002 ضرورة الحفاظ على مبناها الأثري القديم كمركز للريادة البحرينية العريقة في مجال التربية والتعليم. كما أكد النعيمي أن الوزارة مهتمة بالمحافظة على الطابع الأثري للمدرسة ورعايتها لتكون جزءا من ذاكرة التعليم للأجيال الشابة.
ونوه بأن الوزارة ستخاطب الجهات المختصة بوزارة الإعلام ومنظمة اليونسكو للمساعدة في ترميم المدرسة والمحافظة عليها.
وبحسب رئيس العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم نبيل عبدالرحمن العسومي فإن «وزارة التربية والتعليم قدمت طلبا لترميم مدرستي الخميس الابتدائية للبنين ومدرسة الهداية الخليفية، وغيرهما من المدارس المماثلة ذات التاريخ العريق».
وأشار العسومي إلى أن «هذا الموضوع يتطلب إجراءات طويلة بحسب أولويات منظمة اليونسكو في تسجيل الآثار والمباني القديمة لصيانتها»
العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ