العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ

إهانة... أم ملاحقة الأقلام؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أول جلسات محاكمة الزميلة مريم الشروقي، تم تأجيل الجلسة صباح أمس إلى الثامن من أبريل/نيسان المقبل.

النيابة العامة حوّلت القضية في الخامس عشر من الشهر الماضي، إلى المحكمة الجنائية الكبرى لـ «معاقبتها بتهمة إهانة ديوان الخدمة المدنية، بأن وجّهت إليه عبارات من شأنها الإساءة إليه والحطّ من شأنه، بأن نعتته بعدم المساواة في اختيار من يتقدّمون لشغل الوظائف الشاغرة»، كما جاء في أمر الإحالة.

لن نتكلّم عن الجانب الشخصي من القضية، فانتقاد أداء ديوان الخدمة المدنية ليس جديدا وإنما تكرّر في عشرات المقالات، وتتناوله الصحف في تغطياتها باستمرار، فضلا عمّا نقرأه يوميا من شكاوى وتظلماتٍ في صفحات القراء. لكنّ الواضح أن هناك ضيقا شديدا بالنقد في هذه القضية، والمفترض بمن يشغل منصبا عاما يؤثّر على معاش قطاعٍ عريضٍ من المواطنين، أن يتلقّى الانتقادات الموجّهة لإدارته بسعة صدر، وأن يرد عليها بتقديم ما يثبت سلامة موقفه وسياسته، بدل ملاحقة الأصوات التي تبوح بالنقد.

ديوان الخدمة المدنية كان ولايزال أحد المؤسسات الحكومية التي تخضع للنقد والمؤاخذات، من قبل ومن بعد، لدوره المحوري في عملية التوظيف والترقيات والعلاوات... فلا يطمع من يتولّى مسئوليته أن يعيش محصّنا فوق السحاب. وديوان الخدمة المدنية مؤسسةٌ تتعامل مع الناس كبقية الوزارات والهيئات، ومن حقّ من يشعر بالضرر أن يتظلّم بالطرق التي يكفلها القانون، ومن بينها الكتابة. ومن حق هذه الجهات أن تردّ وتفند بالأرقام، وتوضّح الحقائق للرأي العام.

ثم إن الأصل في النقد هو الإباحة، في ظلّ أي نظامٍ ديمقراطي يسمح بحرية الرأي والتعبير، ومع ثقتنا بعدالة القضاء فإن اللجوء إلى محاكمة الكتّاب على آرائهم إنما ينم عن ضعف الموقف والحجة. واستمرار هذا النهج يؤكّد مرة أخرى مخاوف العاملين في الصحافة من ضرورة وجود ضماناتٍ لحرية الرأي، وقانونٍ جديدٍ يتماشى مع متطلبات الإصلاح، بعيدا عن لغة السجن والعقوبات. ولسنا ندّعي أن الحق دائما مع الصحافيين، لكن رفع أكثر من 55 قضية ضد الصحافيين والكتّاب منذ العام 2002 حتى الآن، يعطي انطباعا على انحدار المؤشر العام للحريات. فمعدل 9 قضايا تُرفع سنويا ضد الصحافيين والكتاب، أغلبها بسبب آراء وليس تغطيات أو تحقيقات، يؤكد ضيقنا الشديد بالنقد.

إذا نظرنا للموضوع في إطارٍ أكبر، سننتهي إلى القضية التي حذّر منها كثيرون، وهي أن «تمكين» تيارات دينوسياسية في الوزارات سيؤدي الى شكوك وحساسيات لأن المشكلة لدى البعض أنهم قديتصرّفون في المؤسسات العامة كـ «حمى خاص» للجماعات ومنطقة نفوذ لا يجب التفريط فيها. وفي كلّ مرةٍ تنتقد الصحافة هذا الأمر وتطالب بإصلاحه، يثور عشّ الزنابير، وتكون الردود جاهزة: هذه الوزارة مستهدفة، والوزير الفلاني مستهدف، لأنه من هذه الجماعة أو تلك! وهكذا تحدث الفزعة من أجل «وزارتنا» و«وزارتكم»، و«حصتنا» في كعكة الوظائف و«حصتكم»، في ترسيخٍ لنظام الامتيازات و«المحاصصة» غير المعلنة... وتضيع الصيحة في الصحراء.

أخيرا... أليس من حق أحد أن يسأل عن احتمال تضارب اسلوب إدارة المسئولين المنتمين لجمعيات دينية - سياسية، مع توجهات جمعياتهم الفكرية؟ أليس الأفضل الإجابة على مثل هذا التوجس من خلال الممارسة الواضحة والقابلة للنقد؟ فمن حق أي شخص أن يسأل إن كان من السهل الفصل بين الانتماءات الدينية والوظيفية؟ وإذا استنجدنا بالذاكرة... ثم ان النقد ليس جريمة أو جنحة تحاكم أمام محكمة جنائية كبرى، اللهم إلا اذا كان ذلك رغبةٌ في إيقاف قلم ناقدٍ وتسديد فاتورة مؤجلة لعدة مواقف ومقالات؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً