قالت وكيل الأمين العام للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك: «إن ازدهار التنمية مرتبط بوجود القيادة الحكيمة للاستثمار في البشر والمؤسسات والبنية التحتية. وستزدهر إذا ما تم تخصيص معظم الموارد المحلية بشكل فعال، واستجابت الحكومات لمواطنيها».
جاء ذلك خلال افتتاح أعمال الاجتماع السنوي لممثلي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوم أمس (الأحد) في فندق الدبلومات، بحضور وزير الإسكان الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة، ومساعد الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مدير المكتب الإقليمي للدول العربية أمة العليم السوسوة، والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيد آغا.
وأكدت كلارك أن القرن الـ 21 يؤكد الحاجة لتوسيع الشراكة العالمية من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وغيرها من الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا.
وأشارت إلى أنه في الأعوام الأخيرة تعاملت الدول العربية مع سلسلة من الأزمات بعضها تمكنت من السيطرة عليها، والبعض الآخر لايزال يشكل خطرا من بينها أزمات الغذاء والوقود، وتزايد التحديات المناخية، والركود العالمي ناهيك عن أن كثير من البلدان واجهت نكسات اقتصادية، وتدفقات التحويلات تباطأت وحجم الصادرات تراجع.
وقالت: «في منظومة الأمم المتحدة للتنمية، كان من أولوياتنا الاستجابة لاحتياجات البلدان أثناء الأزمة الاقتصادية، ودعونا لتصميم نظم الحماية الاجتماعية، وتقديم المشورة بشأن أولويات الموازنة، وحتى في إعادة جدولة أعباء الديون».
وتابعت «التنويع الاقتصادي يلعب دورا رئيسيا في بناء القدرة على التكيف في المستقبل في المنطقة لمواجهة الصدمات الاقتصادية. وفي العام 2006، كان قطاع النفط والغاز يمثل نحو 75 في المئة من صادرات المنطقة، وهذا يجعل المنطقة العربية عرضة للتقلبات في أسعار الوقود، ويدعونا لتشجيع الدول على النظر في كيفية توسيع قاعدة اقتصاداتها».
كما أشارت إلى أن معدلات البطالة في المنطقة مازالت مرتفعة، وأن هناك حاجة لرفع معدل العمالة من أجل تحقيق النمو المستدام والحد من الفقر وتوفير العمل اللائق، مؤكدة أن المرأة والشباب يجب أن يكونا على رأس أولويات العمل في هذا الإطار.
واعتبرت كلارك أنه بعد عشرة أعوام من الأهداف الإنمائية للألفية التي تم الاتفاق عليها، فإن المؤتمر الذي ستقيمه الأمم المتحدة لمناقشة ما تم تحقيقه على هذا الصعيد، سيكون فرصة كبيرة لتوليد التزام متجدد لتحقيق هذه الأهداف، وتحديد الثغرات المتبقية في تحقيقها.
وأكدت أن أجهزة الأمم المتحدة ساعدت عددا من الدول العربية لإعداد التقارير الوطنية المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية، وأنه سيتم تسليط الضوء على النجاحات وأكثر ما يجب القيام به، ناهيك عن العمل على رفع مواءمة الموضوعات الوطنية مع ما جاء في الأهداف، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من البلدان مازالت تحاول التعافي من الركود الاقتصادي وغيرها من الصدمات.
وقالت: «نحن بحاجة إلى أن نركز جهودنا على تعزيز المؤسسات والنظم الوطنية التي هي بحاجة إلى تصميم وتنفيذ السياسات وتقديم الخدمات».
وأشارت كلارك، إلى أنه وعلى رغم أن الأعوام الأخيرة شهدت مزيدا من مشاركة المرأة في الحياة العامة، والمزيد من الإصلاحات التي تصب في تعزيز المساواة بين الجنسين في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية، والتقدم المحرز في تعليم البنات، إلا أن العديد من النساء العربيات مازلن لا يتمتعن بنفس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يتمتع بها الرجل.
وعلقت على ذلك بالقول: «من تجربتي الشخصية تبين لي أن زيادة صوت ومشاركة المرأة في الحياة العامة أمر حيوي لتأخذ قضايا المرأة على محمل الجد في برامجها الوطنية. ولا يساورني شك في أن زيادة المساواة بين الجنسين سيكون له تأثير إيجابي قوي على العديد من أهداف التنمية الوطنية».
خفض الفقر لن يتم إذا تم تدمير النظام البيئي
وأشارت كلارك أيضا إلى أن خفض الفقر على نحو مستدام لن يتم إذا تم تدمير النظام البيئي الذي تعتمد عليه الحياة البشرية، لافتة في الوقت نفسه إلى أن تغير المناخ يشكل تحديا كبيرا للتنمية، مؤكدة ضرورة دعم سبل التكيف مع تغير المناخ والتخفيف منها باعتبارها تصب باتجاه دعم التنمية.
وقالت: «هذه المنطقة هي فعلا من أكثر الدول ندرة في المياه، كما أن عدم انتظام مناخها في تزايد مستمر، وهو ما يعرضها إلى المزيد من النقص والجفاف وانخفاض الإنتاج الزراعي، وربما نقل السكان، ناهيك عن زيادة ملوحة المياه الجوفية في منطقة الخليج».
ومن جهته، أشار وزير الإسكان إلى أن البحرين تعتبر من الدول ذات المساهمة الإيجابية في الأمم المتحدة وتتطلع إلى تعزيز تلك المساهمة من خلال الممثل المقيم للأمم المتحدة والهيئات غير المقيمة، والتي تسترشد بمبادئ الألفية الإنمائية وكذلك أولويات الأمم المتحدة التي تم استيعابها في استراتيجية البحرين التنموية.
وقال: «إن خطة البحرين الحيوية والطموحة للإصلاح، التي دشنها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تُشكل البيئة المناسبة لجهودنا المشتركة من أجل المساهمة في تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية 2030 والتي هي انعكاس وتجسيد للأهداف الإنمائية للألفية».
وتابع «تسير البحرين حاليا بعزم وتصميم في طريق التحول من اقتصاد مبني على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج، قادر على المنافسة على المستوي العالمي، صاغته الحكومة فيما يحركه القطاع الخاص الرائد، وهو اقتصاد يوسع الطبقة الوسطى من البحرينيين الذين ينعمون بمستوى معيشي جيد من خلال رفع الانتاجية وتوفير فرص العمل عالية الأجور».
وأضاف: «إن مجتمعنا وحكومتنا يتبنيان مبادئ الاستدامة والتنافسية والعدالة لضمان تمكين كل بحريني من وسائل العيش الآمن الكريم إلى الحد الأقصى».
وأشار إلى أنه وعلى رغم الأزمة التي أثرت بشكل كبير على أقوى الاقتصادات إلا أن البحرين لم تتأثر كثيرا بفضل الإدارة الحكيمة لجميع القطاعات
الاقتصادية الحديثة، لافتا إلى أن اقتصاد البحرين ازدهر على مدى العقود الماضية، وحقق الناتج المحلي الإجمالي نموا بمعدل 6 في المئة سنويا في الأعوام الخمسة الماضية، ساعدته في ذلك أسعار النفط الصاعدة، وازدهار القطاعات المالية في المنطقة والنمو الاقتصادي من ناحية عامة.
ونوه إلى أنه بناء على الثقة الدولية المتنامية في الاقتصاد البحريني، زادت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على البحرين، إذ ارتفعت من 200 مليون دينار بحريني في العام 2003 إلى 1.8 مليار دينار بحريني في العام 2008.
كما لفت إلى أن التقدم والنمو الاقتصادي المتوازن ساهم بشكل كبير في تحسين المستوى المعيشي للبحرينيين على مدى الـ 20 عاما الماضية، وعلى سبيل المثال، ارتفع متوسط العمر المتوقع من 68 الى 75 عاما، وانخفض معدل وفيات الرضع في الفترة نفسها من 23 حالة إلى أقل من 10 حالات وفاة لكل ألف شخص.
وأكد وزير الإسكان أن حكومة البحرين وبالتعاون مع مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نجحت في تحقيق معظم الأهداف الإنمائية للألفية المنسجمة مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
وقال: «إن الإنجازات الكبيرة التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأعوام القليلة الماضية من حيث ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي أدت الى تطور القطاعات المالية والصناعية والسياحية، وشهدت المنطقة تدفقات كبيرة لرأس المال إلى الداخل بسبب ارتفاع أسعار النفط لعدة أعوام، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو وإن كان ذلك بنسب متفاوتة بسبب التقلبات الأخيرة في المناخ الاقتصادي العالمي».
وأردف «أن البحرين لا يمكنها النظر إلى التنمية داخل حدود دول مجلس التعاون الخليجي المزدهرة، بل أن قيادتنا تولي اهتمامها لانخفاض معدلات التنمية في بعض البلدان العربية الأخرى، إذ لا يمكننا التمتع بكامل عائدات التنمية في الوقت الذي لاتزال بعض الشعوب العربية الأخرى تعيش حالة من الفقر».
وأضاف «إننا نأخذ في الاعتبار بعض الدول العربية التي لم تتمكن من تحقيق أهداف الألفية الإنمائية بحلول العام 2015، إذ إن هذا الفشل لا يحسب على هذه الدول فحسب، بل على جميع المؤسسات المتعددة الأطراف على حد سواء. وينبغي بذل جهود إضافية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في كل مكان لتحقيق الفائدة لكل مواطني الدول العربية نساء ورجالا. ومن غير الممكن تصور التنمية بمعزل عن بيئتنا وخلفيتنا الجغرافية والسياسية. فنحن نفكر دائما على المستوى الإقليمي في دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي وأيضا عالميا».
ودعا وزير الإسكان أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات إلى القيام بمعادلات وحلول لإدماج جميع المستفيدين في عملية تنموية نشطة في الدول الأقل نموا في المنطقة العربية، آملا أن تعمل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على إيجاد الحوافز من خلال المؤسسات المالية وذلك للدول متوسطة الدخل لتلبية سعيها للتطور التدريجي.
وأشار إلى أن التزام الدول العربية بأهداف الألفية نابع من التمسك بالمشاركة لتمكين المجتمعات من المشاركة في الأدوات السياسية والاقتصادية للبلدان العربية، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة لمنظومة الأمم المتحدة للمساعدة في إيصال المجتمعات إلى المستوى الذي يُمكن من تحسين جودة الحياة بتمهيد الطريق للتنمية الاقتصادية المستدامة من خلال توفير المأوى، والرعاية الصحية والتعليم، والازدهار الاقتصادي، وزيادة الدخل وتكوين الثروات.
أما مساعد الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مدير المكتب الإقليمي للدول العربية أمة العليم السوسوة فأشادت بما حققته البحرين على صعيد تحقيق المساواة الجندرية في التنمية البشرية، ناهيك عن تمكين المرأة اقتصاديا، مشيدة في الوقت نفسه بتفهم البحرين لمشكلة التغير المناخي، ودورها في إيجاد استراتيجية للشباب البحريني ومحاولات حل مشكلة البطالة فيها.
وقالت: «في كل عام نجتمع لنناقش آليات وسبل تطوير التنمية البشرية في الدول العربية، وفي هذا العام نجتمع في وقت حرج تعاني فيه دول العالم من تداعيات الأزمة الاقتصادية، إضافة لمخاطر التغير المناخي، وهو ما يتطلب من الدول أن تضاعف التزاماتها من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية».
واستطردت «لتحقيق هذه الأهداف نحتاج إلى القيادة الرشيدة ليس لمناقشة ما تم تحقيقه أو ما سيتم تحقيقه، وإنما لمواجهة التحديات التي تحول من دون تحقيق هذه الأهداف، والتي تتطلب التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، الحكومة والمجتمع المدني وأجهزة الأمم المتحدة وبقية الشركاء».
وأشارت السوسوة إلى أن عدد سكان الدول العربية تضاعفوا ثلاث مرات بصورة سريعة، متوقعة أن يصل عدد السكان إلى 600 مليون نسمة بحلول العام 2050.
وقالت: «هذا يعني أن 600 مليون شخص بحاجة إلى ماء نظيف وغذاء وخدمات صحية، واقتصاد منتج، إضافة إلى الحاجة لخلق نحو 148 مليون وظيفة في العام 2050. والواقع يشير إلى أن نماذج الاقتصاد العربية الحالية لا يمكن أن تقود إلى نمو اقتصادي مستمر».
العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ