ألقت الأزمة الاقتصادية الأخيرة بثقلها وحتى بظلالها على كل القطاعات التجارية والمالية والخدمية، وبما أن كثيرا من الحكومات كانت قد تضررت بفعلها، فكيف هو المستهلك البسيط، ذو الدخل المحدود الذي لا يجد أحد لائمة حينما يجعل من مدخوله الشهري أقساما بين الالتزامات الأساسية والكماليات وجزء مختص للترفيه والهوايات.
وفيما تتفاوت تقديرات أي فرد لما هو أساسي ومهم وذو أولوية، فإن العمل الفني المعلق على جدران البيت يعد أحد هذه الأمور التي تكال بموازين مختلفة. فعاشق الفن والمهتم بالاقتناء والاحتفاظ لنفسه بمجموعته الفنية الخاصة لا يمكن إلا أن يكون الاقتناء أولوية بالنسبة إليه، أما غير المهتم، فلا يجد فرقا في أن يقتني إحدى اللوحات التي تعرضها محلات الآثاث بأسعار زهيدة لنسخ من أعمال حقيقية.
صاحبة ومديرة البارح غاليري والبارح كافيه هيفاء الجشي التي أقامت معرضا مؤخرا حمل اسم 50×50 وجدت أن من الهام الارتقاء بذوق المستهلك من خلال تقريب العمل الفني الحقيقي إليه والذي يمثل قيمة جمالية خاصة، وإحساسا هاما لا يمكن إلا أن تنقله ريشة الفنان التي تعبث بالألوان على لوح الرسم.
هيفاء وجدت أن إقامة معرض 50×50 يحمل هدفين أساسيين، إذ إن إقامته في البارح كافيه، وهو مقهى فني، أمر جدير بتقريب العمل من المشاهد البسيط، الذي قد لا يكون مهتما بالدخول إلى صالات العرض المتخصصة والغاليريات والمتاحف، ولكنه بالتأكيد قادر على ارتياد الكوفي شوب بكل أريحية، إذ إنه «سيجد هناك من حوله كل روائع الفن معروضة جنبا إلى جنب وهو مع مرور الوقت سيغير ذائقته الفنية في اختيار وتذوق الأعمال».
وعمل البارح غاليري على مشروع معرض 50×50 مدة تقارب الثلاثة أشهر كما ذكرت الجشي، إذ إن الهدف كان في تقديم مجموعة أعمال تتناسق مع بعضها في الحجم الذي لا يتجاوز 50×50 سنتيميتر، لمجموعة من الفنانين من مختلف المدارس الفنية، وهو ما وجدته هيفاء السبب الثاني في توفير أعمال بالحجم المعقول والتكلفة التي تسمح للجميع باقتناء مثل هذه الأعمال دون أن يجد حرجا أو تعارضا مع تكاليفها الباهضة، إلى جانب التنوع الذي يتيح خيارات مختلفة، ولأسماء لها وزنها في الساحة الفنية.
أسعار الأعمال الفنية المعروضة كانت تكلف ما معدله 500 دينار للعمل، بين لوحات تكلف أكثر أو أقل بقليل.
ويشارك في المعرض الفنانون أحمد البحراني، علي حسن، إبراهيم بو سعد، جعفر العريبي، محمود العبيدي، محمود مغربي وسلمان المالك، إذ سيستمر المعرض في عرض لوحاتهم حتى العاشر من شهر مارس/ أذار الجاري.
ومن بين أبرز الفنانين المشاركين بأعمالهم التي حملت طابعا خاصا وجديدا على نمط الأعمال المقدمة في البحرين الفنان المصري المقيم في الكويت محمد مغربي، الذي ذكر بأن المجموعة التي يقدمها في المعرض جزء من مجموعة كبيرة وفيها وجوه كثيرة، لم يقم بعرض أي منها قبل الآن، وذلك بعد أن قرر تأجيل معرضه الذي كان مفترضا أن يقيمه في الكويت.
تحمل مجموعة مغربي اسم «أهرام/ أخبار/ جمهورية» وفيها اتساق بين الكلام والبورتريهات، وهي قريبة في فكرتها كما ذكر الفنان من الماكيت الصحافي للنجوم والسياسيين.
وأوضح محمد آلية العمل على لوحاته بحفر اللوح النحاسي على الهيئة المطلوب طباعتها، وتلوينها بالحبر الخاص بالطباعة، ومن ثم ضغطها على الورق الخاص المصنوع باليد والخالي من الأحماض والكحول، الذي يأخذ مع الضغط الشديد اللون والشكل.
مغربي تحدث بالقول «المزج بين الكتابة والصورة فكرة مأخوذة من الماكيت الصحافي، واللوحة ليست بورتريه فقط، وإنما تحمل في طياتها تاريخا، والفكرة في المجموعة تقديم صور أشخاص لم يستمر أي منهم في ممارسة المهنة التي كان فيها حتى الآن، وهم قد لا يكونون قد ماتوا بالفعل، وإنما اعتزلوا أعمالهم، وهي فكرة توثيقية، تجد بينها شخصيات محبوبة وأخرى لا».
ووجد مغربي أن المجموعة تمثل بالتحديد شخصيات أثرت فيه، ومن بين الأعمال المعروضة في المعرض كانت لوحة محمد عبدالوهاب، شادية، صوفيا لورين، جمال عبدالناصر وماجدة.
«البورتريه فكرة قديمة، ولا يصح أن أتركه على حاله، فعالجته بطريقة مختلفة، وخصوصا عبر استخدام تقنية الحفر، إذ تتكون مجموعتي من حوالي 22 عمل حتى الآن، ومن بين الوجوه الموجودة فيها الفنان رشدي اباظة، هند رستم، جيفارا، يوسف شاهين، مارلين مونرو، ولوحة بورتريه شخصية لي».
أما الفنان أحمد البحراني المشارك في المعرض مع المجموعة فوجد أن الفكرة التي أتت بالاتفاق مع إدارة البارح هي محاولة للوصول إلى الجمهور، كنتيجة لعزو الناس عن حضور الغاليريهات، إذ يقول «حاولنا أن نقدم شيئا قريبا من الناس، إذ هي تجربة فيها شيء بسيط من ناحية المواد، ونحن مجموعة أصدقاء اتفقنا على المعرض الذي حمل اسم 50×50، وحاولنا أن نتوافق مع الاختيارات، وهو ما أفرز معرضا جميلا ومستواه ممتاز، وخصوصا بمشاركة الفنان البحريني إبراهيم بو سعد، الذي أعتبره شخصيا ضيف شرف».
البحراني ذكر أنه يرسم منذ فترة طويلة، ولكنه رغم ذلك لم يقدم نفسه يوما كرسام، إذ يقول «تجربة الرسم فيها نوع من الاستراحة من النحت، إذ إنني أعمل على مادة صلبة، تتطلب جهد عضلي كبير، وتجاربي في الرسم بسيطة، أعتبرها استراحة ومرفأ يبعدني عن صخب النحت»، ويضيف «منذ سنتين، قررت عرض تجربتي في الرسم، وكانت في البداية أعمال بالأبيض والأسود، وضمن معارض جماعية، لكنني أعتزم إقامة معرضي الخاص في 18 أبريل/ نيسان المقبل في الدوحة، وهو معرض شخصي لي».
ويرى أحمد أن الفن مجال مفتوح، والفنان يبحث دوما عن منطقة يعبر بها عن ذاته، سواء كانت بالنحت أو الرسم. «تجربتي هذه صاخبة بالألوان، فأنا أرسم ما أنحته بطريقة مختلفة، ومن يراها يعرف أن هذا هو أسلوب أحمد البحراني، إذ أرسم الحديد وظلال أعمالي والوجه الآخر للمنحوتات».
العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ