العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ

الصداقة التاريخية والعلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا والبحرين (2)

comments [at] alwasatnews.com

لنذهب الآن إلى العام 1925 عندما ظهر اعلان في صحيفة التايمز في لندن نصه «مطلوب للعمل للخدمة في دولة شرقية ـ والمتقدم للوظيفة يجب ان يكون شابا محترما يتراوح عمره بين 22 و28، انهى المدرسة الرسمية أو التعليم الجامعي، سيحصل على راتب حسن مع آفاق مناسبة للرجل الذي يتم اختياره، والذي يجب أن يكون لائقا بدنيا، ويحتاج الى تزكية من مستويات عليا، ويحبذ ان يتقن اللغات».

آنذاك كان الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قد حرص أن يكون لديه مستشار بريطاني لادارة سكرتارية الدولة، اراده بريطانياً يعمل له مباشرة وليس للحكومة البريطانية. وان يكون الشخص يسير على نهج تفكير مستقل عن الوكالة السياسية. وكان المرشح الناجح للمنصب تشارلز بليغريف الذي كان قد خدم في الجيش لفترة وجيزة في الحرب العالمية الأولى في السودان، وبعد ذلك في مصر. ونقل بعد ذلك إلى وزارة المستعمرات وقضى عامين هناك بوصفه المسئول الإداري عن تنجانيقا (تنزانيا اليوم) قبل ان يستقيل لمتابعة مصالح أخرى. وكان منصبه كمستشار في البحرين محددا لمدة اربع سنوات لكنه بقي لمدة 31 عاما (من 1926 الى 1957).

بليغرف أصبح يعرف بـ «المستشار» وفي واقع الامر كان رئيسا للوزراء، وكذلك وزيرا للمالية ورئيسا للشرطة، وتحت يده تقع كل انواع الادارات العامة التي انشأت لاحقا من الصحة إلى التعليم إلى الأشغال العامة (ماعدا الشئون الخارجية والدفاع التي كانت بيد الوكيل السياسي). وفي الواقع كانت لديه علاقات متوترة بعض الشيء مع الوكيل السياسي البريطاني، وانه في كثير من الأحيان كان يقف امام السياسة البريطانية اذا وجدها تتعارض مع مصالح للبحرين.

كان بليغريف يعيش في البيت المجاور للوكالة السياسية (حيث يقع برج الزامل حاليا) عند مدخل شارع الحكومة.

لقد كان بليغريف مضربا للمثل، فبالاضافة الى طول قامته البالغة ستة أقدام، كان يسير بانتظام من بيت الاستشارية إلى حصن الشرطة (القلعة)، وكثيرا ما كان يمر عبر السوق يرتدي قبعته ويذهب يوميا الى المجالس لمناقشة قرارات الحكومة والسياسية المحلية. وكان يجيد اللغة العربية. وكان يعتبر نفسه مهدئا للامور عندما تتصاعد التوترات الطائفية. وكانت زوجته نشطة جدا، وكانت - من بين أمور أخرى - مسئولة عن إدخال تعليم الفتيات في البحرين.

كان بليغريف يرافق الحاكم (كان مستشاراً لكل من الشيخ حمد بن عيسى، والشيخ سلمان بن حمد) أثناء القيام بالزيارات إلى الدول المجاورة، وفي الرحلات الى الخارج، وقد سافر مع الشيخ حمد بن عيسى الى لندن في العام 1936، عندما تم تتويج الشيخ حمد بوسام «فارس» من قبل الملك إدوارد الثامن، وكانت حادثة فريدة، لان الملك ادوارد الثامن تولى العرش وتنازل عنه خلال أشهر، وتتذكر الاوساط السياسية ان الشيخ حمد بن عيسى زار لندن في تلك الفترة العصيبة لانتقال العرش البريطاني.

في وقت لاحق (بعد 17 عاما) كان بليغريف في زيارة مع الشيخ سلمان بن حمد لحضور حفل تتويج الملكة اليزابيث الثانية في العام 1953 والتقيا رئيس الوزراء ونستون تشرشل في مقر رئاسة الوزراء وكان معهما في تلك الزيارة الوجيه حسين يتيم.

شهد العام 1956 زيادة في التوترات السياسية في البحرين، وتبع ذلك حادثة رشق وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد عندما دخل البحرين وكانت هناك احداث للشغب (لدى وصوله في مارس/ آذار 1956) وهوجمت سيارته في المحرق.

وفي وقت لاحق من ذلك العام تورطت بريطانيا في واحدة من كوارث السياسة الخارجية نحو قناة السويس مما أدى إلى أعمال شغب هنا في البحرين، وبريطانيا كانت مسئولة عن نفي 3 زعماء للمعارضة البحرينية (عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات) في نهاية العام 1956 الى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الأطلسي، وتم سجنهم في نفس السجن الذي استخدمته بريطانيا لاحتجاز نابليون بونابرت قبل 140 عاما من تلك الفترة.

ليس من المستغرب بعد ذلك أن يتسبب ذلك بشكل أو آخر في انهاء عمل بليغريف في البحرين واحالته على التقاعد في مطلع العام 1957. وكان عندما اشتدت الظروف على بليغريف في 1956 ان قام الحاكم آنذاك الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة باطلاع بليغريف على رسالة خاصة لديه تسلمها من الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود تقول «لا تدع بليغريف يذهب من يدك، أو أنك لن يكون لك من تستعين به للدفاع عن نفسك أمام الانجليز».

كان بليغريف قد أصبح بالتأكيد رمزاً في المنطقة وليس في البحرين فحسب، وعندما تقاعد أخيراً في العام 1957 ترك خلفه منجزات عديدة وإرثاً واضحاً في معالم البحرين، لعل من أهمها انه استطاع تشييد جسر يربط المنامة بالمحرق خلال 11 سنة من العمل المتواصل.

دعونا نلقي الآن نظرة على جوانب أخرى من العلاقات البريطانية - البحرينية في هذه السنوات حتى الاستقلال في العام 1971.

لقد بدأت البحرين تمر بفترة ازدهار بعد اكتشاف النفط في جبل الدخان العام 1932، وكانت شركة بابكو قد تأسست العام 1930، واعطي امتياز التنقيب عن النفط الى النيوزيلندي فرانك هولمز في العام 1925. وكانت شركة النفط البريطانية - الفارسية (حاليا بريتيش بتروليوم «بي بي») ناجحة بشكل كبير على الجانب الآخر من الخليج، ولكنها رفضت بشكل متعجرف الدخول في اتفاقات للتنقيب عن النفط في البحرين أو المملكة العربية السعودية، لذلك نقل فرانك هولمز إمتياره إلى «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (حاليا اكسون موبيل) وتم تسجيل الشركة في كندا لأن كندا كانت جزءاً من الامبراطورية البريطانية، وتم تشييد مدينة «عوالي» على النمط البريطاني آنذاك.

ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وبعد اعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا في عهد هتلر، بعث الشيخ عيسى بن حمد إلى الملك جورج الرابع برقية قال فيها «لدى شيوخ آل خليفة علاقات مع بريطانيا منذ ما يقرب القرن، ووفقا لشروط الصداقة مع الحكومة البريطانية، فاني أعبر عن التعاطف معكم في هذه الحرب الجارية ضد قوى الشر والنازية ولو كان لدينا جيش لارسلناه للقتال معكم». وبعث مع البرقية تبرعا سخياً لجهود الحرب قدره 30 الف جنيه استرليني.

وكان الحادث الرئيسي في البحرين خلال الحرب العالمية الثانية الغارة الجوية الايطالية الجريئة في أكتوبر/ تشرين الأول 1940، وكانت المقاتلات الايطالية قطعت طريقاً طويلاً من جزر الدوديكانيز اليونانية ومن ثم إلى الظهران قبل أن ينتهي بها الامر في اريتريا الايطالية على الجانب الآخر من البحر الأحمر، رحلة قطعت 2،800 ميل ورمت 84 قنبلة صغيرة على مصفاة النفط في عوالي ولكن لم يصب أحد بأذى ولم تحدث سوى أضرار طفيفة.

وكان سلاح الجو الملكي البريطاني RAF قد أسس قاعدة جوية في المحرق العام 1942، وفي الحقيقة فانه ومنذ العام 1929 كانت له صلات جوية بالبحرين عندما بدأ سلاح الجو الملكي البريطاني بالهبوط البحري في «مهبط بحري»، وحاليا يقع هذا المهبط في نفس موقع Ansari Lighting في نهاية شارع المعارض.

وفي العام 1932 توقفت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الامبراطورية (وهي في طريقها الى الهند) قبالة القضيبية بينما كان يجري إنشاء أول مطار في المحرق. (يتبع...)

إقرأ أيضا لـ " "

العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • الحقيقة المرة | 4:33 ص

      سايمون

      ان بلجريف ما هو مندوب استعمارى من الحكومه البريطانيه لحمايه المصالح الانجليزيه فى البحرين والخليج وقد كان شخص ظالم فى قرارته واعترافك بنقل سجناء وطنين الى جزيره سانت هيلانه له اكبر دليل على كذب كلامك اذا هو مستشار خاص الى الامير وهو قد جلب الى البحرين كموظف خاص الى الحاكم كيف اليه سلطه بنقل السجناء السياسين الى هذا الحزيره المحتله للحكومه لبريطانيه فى الاصل ....

اقرأ ايضاً