العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ

السيستاني «يُعانِق» مصر والحَكِيم «يُقبِّل» البحرين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مثلما يخرُج اللّبن من فَرْثٍ ودَم، والجنين من بين أحشاء وأمعاء، يخرج من العراق ما هو مستقبل ممهورٌ بأمل. فالرّكام والدّم العبيط والجثث المتفحّمة التي تتباهى بتقديمها المجاميع الإرهابية والقَتَلَة، لا تجعل أيّ أحد إلاّ وأن تُزكم ذاكرته بكلّ ما هو سيئ وكريه. لكنّ ذلك ليس بالضرورة واقعاً ولا هو نتيجة حتميّة. وهو ذات المأمول الذي يرومه كلّ عربي ومسلم للعراق الحبيب.

قبل أيام بدا أن هناك حراكاً سياسياً أخذ موقعه من الساحة العراقية. الحراك هو إعادة تموضع العراق بين خطّي التواصل. العروبة والإسلام. فقد التقى السفير المصري في بغداد شريف شاهين بالمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني بمكتبه في النجف الأشرف، حيث نقل للسيستاني تقدير القيادة المصرية لدوره في ضمان أمن واستقرار العراق.

العُمدة في الحدث هو البيان الذي أصدره مكتب السيستاني. فقد ذكر البيان أن «المرجعية الدينية أكدت هوية العراق العربية والاسلامية وضرورة تحسين العلاقات بين العراق ومحيطة العربي والاسلامي لاسيما الشقيقة مصر وأهمية توثيق العلاقات التاريخية والعلمية بين حوزة النجف والأزهر». وهو تطوّر في الأداء، وقوّة في المبادرة، واستجابة مسئولة.

يأتي هذا في ذات التوقيت الذي أدلى فيه الشيخ علي النجفي نجل أحد المراجع الدينية الأربعة في النجف الأشرف الشيخ بشير النجفي بتصريح قال فيه «إن انفتاح العراق على محيطه العربي يصب في مصلحة الجميع، ويجب أن تكون للعراق علاقات طيبة مع دول الجوار ومحيطه العربي والعالم الاسلامي، وضرورة مد جسور التعاون وإنشاء محطة مشتركة بين الأزهر والحوزة العلمية في النجف».

يأتي هذا كلّه بعد زيارة قام بها السيد عمّار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في الرابع عشر من الشهر الجاري إلى المملكة العربية السعودية، ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وكذلك زيارته للبحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولقائه بجلالة الملك وكبار المسئولين في المملكة، وأيضاً بعد زيارة قام بها وفد رفيع من التيار الصّدري لمصر ولقائه رئيس المجمع العلمي ومشيخة الأزهر.

هنا يجدر القول بأن الدول الوازِنة عادة ما يلعب الخارج في أمور داخلها وبقوّة. يزيد ذلك الحال عندما تتواجد داخل القِطر الأكثريات السياسية التي تستقوي بالإقليم الممتد كما جرى بالنسبة للمكوّن السّنّي في العراق، وحنينه الطبيعي للخط المتوالي للدول العربية وشعوبها من الخليج وحتى المغرب العربي.

وعندما تستأسد الأكثريات العدديّة التي تستقوي بتفوقها الكمّي داخل القطر كما جرى للمكوّن الشيعي داخل العراق، وارتباطه (حتى ولو على مستوى الأحزاب السياسية) بالخط الجغرافي والديمغرافي للجمهورية الإسلامية شرقاً، وصولاً للتجمّع الآخر في باكستان، وفي مناطق الشّتات المختلفة التي جمعها وصل رفيع.

وعندما تحترب أقليّات مُحدّدة مع دول جارة، كما جرى ذلك بالنسبة للأكراد الذين ترسّخ حضورهم بعد 09 أبريل/ نيسان 2003 حين نالوا حصّة وفيرة من النفوذ داخل الدولة العراقية بعد الاحتلال (منصب رئيس الجمهورية، وهيئة أركان الجيش) وكذلك النفوذ الاقتصادي بتشبّثهم بكركوك الغنيّة بالنفط، وحساسيتهم المفرطة من تركيا الجار المهم للعراق.

بطبيعة الحال، فإن العراق وبعد سقوط النظام البعثي قبل سبعة أعوام وما تلاه من مطبّات أمنية قاتلة، وبسبب الخلاف العربي الأميركي على كيفية إدارة العملية السياسية فيه، انكفأ التواجد العربي داخله بشكل مُرِيع، وهو ما سهّل قوّة التواجد التركي والإيراني، تساندهم في ذلك عوامل الجيرة الطبيعية والعلاقة التاريخية طيلة الثلاثة عقود الماضية مع الأحزاب التي حَكَمَت العراق فيما بعد.

لذا فقد عاش العراق سياسة مُعوقة طيلة تلك السنوات بسبب غياب التواجد العربي. المشكلة أنه لم يكن غياباً سياسياً واقتصادياً فحسب، وإنما كان غيابه «غياب قومي هويّتي» هو في النهاية يعتبر مدماك طبيعي لمكوّنات مذهبية وعرقية تراه بمثابة امتدادها الطبيعي ضمن ذلك الخط.

إن رجوع ذلك الحضور، سيعني أن القوام السياسي والديمغرافي داخل العراق سيتحسّن. وهو في النهاية سند نفسي إن تمّ احتسابه بأقل المنافع المباشرة وغير المباشرة في المعادلة. وقد يمنح الجميع مزيداً من التشجيع لكي يُمارسوا أدوراً أكثر ديناميكية وحيويّة.

ليس بالضرورة أن تكون عودته ندّيّة، أو اعترافاً بواقع سيئ، وإنما لإقامة التوازن اللازم. وعي في النهاية داخلة ضمن ميزان القوى الداخلي والإقليمي. وهي طبيعة سياسية لا أتصوّر أن بلداً ما في العالم غير متورّط فيها، أو ساعياً لتحقيقها، حتى على مستوى الدول والقوميات الصغيرة وشبه المندثرة. (الكورسيكيون والباسكيون مثالاً).

بالتأكيد لا أحد يريد أن يرى صراعاً على الأرض العراقية ما بين عروبة وإسلام، ولا أحد يريد أن يتحوّل العراق إلى لبنان سنة 1840 عندما تعارك النفوذان الفرنسي والبريطاني عليه وما تلى ذلك من هزيمة الأول على يد الثاني بعد استنجاد الأمير بشير الشهابي، ورغبة لندن في معاقبة البطريركية المارونية التي وقفت في وجه التبشير البروتستانتي.

فالعراق لن يعيش إلاّ بضروراته العرقية والدينية المزدوجة. يجب أن يعيش بلداً عربياً، مسلماً، مسيحياً، كردياً، أزيدياً، صابئياً. وفيما خصّ القومية العربية، عليه أن يستشربها جيداً لأنه يحتاجها بحدّ الموت أو الحياة. فالعراقيون ليسوا أصحاب قومية مُضمَرة ليس لها مرجع قومي. وربما بيّنت الانتخابات الأخيرة هذا الهَوَس الطبيعي لدى العراقيين.

في المحصّلة فإن التماهي الديني الدنيوي ولّد ديناً مستولياً على نظام الهويّة، أو مُركّباً فيه بشكل عضوي وفاعل. ليس ذلك فيما يتعلّق بالإسلام فقط، وإنما بالمسيحية أيضاً. وبالتالي فإن التلازم الموجود هو طبيعي، لكنه لا يرضى بغَلَبة مُكوّن على آخر حتى ولو كان ذلك المكوّن مُتّشحاً بعباءة القداسة، والسبب في ذلك واضح، وهو أن أيّا من المكونين أصبح بين الشهيق والزفير في كلّ لحظة.

قد تُغزَى الأرض، لكن من غير المُمكن غزو النفوس. وربما يُصار غزو الأرض ويُحال إلى جدال وسجال ما دامت خاضعة لظروف السياسة ومتاعبها، لكن غزو النفوس منوط باعتبارات نفسية مهمّة، وضاربة في الجذور، لا يُمكن أن تتجاوز أبسط الأمور، وأقلّها شأناً في اعتبارات البعض.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:37 ص

      السيستاني «يُعانِق» مصر والحَكِيم «يُقبِّل» البحرين للعراق

      عنوان المقال حساس لم لايحمل بعد بعد نظر العراق وكل شخصية قيادية تعرف جيد مايمثله البعد العربي للعراق فهولاء يكونون داعما للعراق خير من ان يكونوا اعداء له فهم يملكون قدرات العراق اليوم بحاجة لقاصر النظر ايرى ماجرى للبنان ومايجري لغزة

    • زائر 6 | 6:46 ص

      اخ الزائر 5

      إذاً المساله عكس ذلك... مصر تعانق السيد السيستانى هذا الأمر اذا لها دلائل اخر__

    • زائر 5 | 4:38 ص

      مرجع دين

      مرجع دين التقى بسفير دولة عربية ونقل له تحيات قيادته والمرجع أثني على قيادة ذلك البلد فهل هناك من مشكلة؟ فعلها السيستاني مع البحرين ومع سفراء دول عربية وغربية اخرى وفعلها السيد فضل الله ايضا وغيرهم من المراجع فما المشكلة يا جماعة

    • زائر 4 | 3:08 ص

      مقال جميل

      السلام
      المقال اليوم عجيب يبن خميس السستاني يعانق مصر عمري محمد عبدالله على المقال قلبي انته لكن خذ درس من السستاني يعانق مصر مرجع امام قائد وووو ياليت تكتب مقال عن المتكبرين المغرورين اللي شام هوى يمشي نافخ صدره وخشمه فوق ونظارة اكبر من وجهه يريد يقول للناس انا اكبر مثقف اكتب مقال عن تواضع السستاني وشكرا على المقال
      فقير مقهور وشكرا

    • زائر 3 | 1:45 ص

      ر دا على زائر رقم1

      ان الحكومة تذهب وتاتي غيرها واما الشعوب في باقية ولا يعني ان وجود حكومة حليف لمصر يعني عدم قيام علاقات معها اذا لا زم كل واحد يقعد في بيته.
      وتعليقك مردود عليك.

    • زائر 2 | 12:04 ص

      العروبة

      العرةبى متنفس العراق الحقيقي فهي للمسلم والمسيحي

    • زائر 1 | 11:55 م

      عنوان مخيف جداً

      السستانى يعانق مصر (حكومة مصر) اصدقاء امريكا و اسرائيل .كيف؟ لا يحتاج تعليق اكثر من ذلك و لكن بجد شىء مرعب!

اقرأ ايضاً