العدد 730 - السبت 04 سبتمبر 2004م الموافق 19 رجب 1425هـ

بوتين وشرودر وسياسة المكيالين

على خلفية حوادث الشيشان

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

الانتقادات من داخل ألمانيا وخارجها للتلاعب بنتائج انتخابات الرئاسة في الشيشان التي تمت الأحد الماضي، لا يبدو أنها تزعج الصديقين غيرهارد شرودر وفلاديمير بوتين. ولا تبدو سياسة المكيالين واضحة مثلما هي واضحة في موقف المستشار الألماني وحكومته في برلين تجاه نزاع الشيشان. والمثير للجدل أن المستشار شرودر سبق أن وجّه انتقادات قوية للعلاقة الحميمة التي نشأت بين هيلموت كول حين كان يشغل منصب المستشار والرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين حين بلغ الحد بهما إلى مناقشة القضايا السياسية داخل حمام السونا. كما طالب شرودر حين شغل منصب رئيس حكومة ولاية سكسونيا السفلى يلتسين بتحقيق دولة القانون، لكن شرودر نسي ماضيه. علاقته الخصبة مع بوتين تجاوزت بكثير حدود العلاقة التي نشأت بين كول ويلتسين وكذلك العلاقة التي نشأت بين كول وغورباتشوف.

قبل أسبوع أعلن شرودر وزوجته تبني طفلة روسية في الثالثة من عمرها. وفقا لمنتقدي موقف شرودر تجاه نزاع الشيشان فإنه كان من الأجدر به أن يتبنى طفلة شيشانية أو حتى ألمانية... فلماذا طفلة روسية بالذات؟ الواضح أن شرودر مأخوذ بهذه العلاقة الحميمة مع صديقه بوتين الذي يتحدث اللغة الألمانية لأنه عمل في وظيفة عميل في الاستخبارات الروسية في ألمانيا الشرقية. وهذه علاقة فريدة من نوعها لم يسبق أن نشأت بهذا البعد بين مستشار ألماني ورئيس روسي. وتجاوزت كل ما سعى إليه كول لبناء صداقة وطيدة مع غورباتشوف حين ساعده في علاج زوجته رايسا حين أصيبت بمرض سرطاني وأمضت بعض الوقت في إحدى مستشفيات ألمانيا ثم حين توفيت كان كول في الصف الأول للمعزين في موسكو، لكن منذ عهد بريجنيف حتى نهاية عهد غورباتشوف لم يحصل مستشار ألماني على شرف زيارة المقر الصيفي للرئيس الروسي، والآن تم ذلك في عهد شرودر. كما أقنع بوتين المستشار ألا يقضي ليلته في الفندق والمبيت في مقر الرئيس الروسي كي يقضي الزعيمان أطول وقت ممكن مع بعضهما بعضاً. وحين احتفل شرودر حديثاً بعيد ميلاده الـ 60 جاء بوتين مهنئا وفي الغضون يتبادل أعضاء الأسرة التهنئة في مختلف المناسبات وتعززت العلاقات بين أسرتي شرودر وبوتين من خلال تبني المستشار وزوجته طفلة روسية.

هذه العلاقة تجاوزت حد الصداقة إلى حد التضامن السياسي بين شرودر وبوتين: يحتاج الرئيس الروسي إلى تأييد المستشار الألماني ليدعم موقف روسيا القائل إن روسيا تحارب الإرهاب الدولي في الشيشان، مثلما يحتاج شرودر إلى الرئيس الروسي ليجزي بالعقود الكبيرة للشركات الألمانية. منذ أيام تتعالى أصوات ناقدة في ألمانيا ليس من جانب المعارضة فحسب، بل من داخل معسكر الائتلاف الاشتراكي الأخضر. والسبب أن شرودر صرح خلال مشاركته في القمة الثلاثية في البحر الأسود دعا إليها بوتين وكان المشارك الثالث فيها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بأنه لم يلحظ وجود تلاعب في نتائج انتخابات الرئاسة في الشيشان، على رغم أن العالم كان يعرف اسم الفائز بها مسبقا، وهو ألخانوف الموالي لموسكو والمدعوم من رمضان قديروف ابن الرئيس السابق أحمد قديروف، الذي اغتيل على أيدي ثوار الشيشان. تسبب هذا الموقف بنشوء خلاف داخل المعسكر الاشتراكي الأخضر وعبر برلمانيون من حزبي الائتلاف الحاكم عن استيائهم الشديد معتبرين أن حدود الصداقة بين شرودر وبوتين يفترض ألا تغض النظر عن الشوائب. وليس أدل على ذلك أن نائب المستشار ووزير الخارجية يوشكا فيشر الذي ينتمي إلى حزب الخضر، انتقد سياسة موسكو في الشيشان خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الروسية. أعضاء بارزون في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) انتقدوا تصريحات المستشار وقالوا إن موقفه لا يتفق مع موقفه. وقالت مفوضة الحكومة الألمانية لقضايا حقوق الإنسان كلاوديا روت التي تنتمي إلى حزب الخضر إن الانتخابات في الشيشان لم تجر بصورة ديمقراطية. بالنسبة إليها وإلى المنتقدين فإن اسم الفائز كان معروفا للجميع قبل أن يجرى فتح صناديق الاقتراع. وأيدتها زميلتها في الحزب ورئيسة المجموعة البرلمانية لحزب الخضر، كريستا زاجر هذا الرأي وأضافت قولها إن موقف الخضر يختلف كليا عن موقف المستشار شرودر. وكانت زعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض أنجيلا ميركل اتهمت شرودر بالجبن لأنه لم يملك الشجاعة الكافية ليصارح بوتين بأن الانتخابات لم تكن عادلة، لكن من الطبيعي أن يصدر انتقاد من هذا النوع عن طرف المعارضة أما أن تعلو أصوات من داخل المعسكر المؤيد لشرودر فهذا يكشف عن نوعية جديدة. قال خبير قضايا السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي النائب غيرنوت إيرلر الذي ينتمي إليه شرودر إن الانتخابات في الشيشان لم تكن حرة ولم تكن عادلة، لكن إيرلر حاول الدفاع عن موقف المستشار وقال إنه في ضوء أعمال العنف التي وقعت في روسيا أخيراً تخلى المستشار عن توجيه انتقادات لسياسة بوتين في الشيشان. وقال وزير خارجية ألمانيا الشرقية السابقة ماركوس كيكيل الذي ينشط أيضا في مجال السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم إنه لا يقبل إطلاقا بموقف المستشار. في معرض الدفاع عن شرودر قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية بيلا أندا إن موقف المستشار لا يختلف عن موقف الرئاسة الهولندية للاتحاد الأوروبي وأوضح أنه لم يكن بوسع الاتحاد الأوروبي إيفاد مراقبين إلى الشيشان بسبب توتر الأوضاع في الشيشان حيث كان من المتوقع أن تتعرض مراكز الاقتراع إلى هجمات من قبل الثوار الشيشان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية ينس بلوتنر إن نزاع الشيشان قضية بالغة التعقيد ولها أوجه متعددة واحد منها الإرهاب الذي يستحق الإدانة مثلما ينبغي احترام حقوق الإنسان وتحسين أوضاع المواطنين. أضاف المتحدث أنه ينبغي حل النزاع سياسيا وتجنب المساس بسيادة الأراضي الروسية.

نقلت مصادر عن المستشار قوله خلال جلسة عقدها مجلس الوزراء يوم الأربعاء بعد عودته من روسيا إنه ينبغي فهم موقف موسكو التي تواجه معركة مع الإسلاميين المتطرفين كما أعرب شرودر عن أمله أن يتم التوصل مع الرئيس الشيشاني الجديد ألخانوف، إلى حل سياسي للنزاع، معتبرا أنه لا يمكن حل نزاع الشيشان بواسطة القوة العسكرية فقط. زيارة سابقة قام بها رئيس المخابرات الألمانية (بي إن دي) أوغوست هانينغ لغروزني المحروقة كشفت أن ألمانيا تتعاون منذ وقت مع المخابرات الروسية وتمدها بمعلومات عن الجماعات الإسلامية والجهات الممولة لها. والآن يستغل بوتين صداقته مع المستشار الألماني ليحصل على موافقته على أن حربه الخاصة في الشيشان هي حرب ضد الإرهاب الدولي مستفيدا من أعمال العنف الأخيرة في موسكو وكذلك من عملية الاحتجاز في مدرسة بشمال القوقاز ليعزز حجته. ويرى المراقبون أن بوتين يحتاج في الحقيقة إلى مساعدة من الخارج لأنه عاجز عن وضع نهاية لنزاع الشيشان، لكن صمت الغرب على حرب الشيشان لا يساعد بوتين في العثور على الحل المنشود لأنه لا يرزح تحت ضغط من أي طرف على رغم أن الفصائل الشيشانية تبذل قصارى جهدها كي تجعل الكرملين يفقد طعم النوم، لكن مثل أعمال العنف التي تعبر عن يأس الشيشان لا يسفر عنها تعاطف مع قضيتهم بقدر ما يستفيد بوتين بالترويج لحربه الجديدة ضد من يسميهم الإرهابيين الإسلاميين على رغم أن هناك حرباً وقضية شعب. حرب الشيشان أشعل نارها يلتسين ثم اكتشف خطأه وعقد اتفاق سلام مع الشيشان ثم جاء بوتين وأشعل نار الحرب الثانية وتسببت قواته بويلات جديدة في الشيشان. صحيح أن حرب بوتين اجتذبت إسلاميين إلى الشيشان، لكن الذين يفجرون أنفسهم في أجواء وشوارع موسكو هم أطفال الحرب التي أشعل نارها يلتسين وبوتين

العدد 730 - السبت 04 سبتمبر 2004م الموافق 19 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً