العدد 734 - الأربعاء 08 سبتمبر 2004م الموافق 23 رجب 1425هـ

سوسن الشاعر والمعارضة والطفل والسلاح

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

قبل ثلاثة أيام تقريباً راحت الكاتبة سوسن الشاعر تطرح أفكارها، لكنها عندما مرت بفترة التسعينات قالت: «التخريب في التسعينات». لفت انتباهي هذا التوصيف، ولست هنا في مقام نكء الجروح، لأننا الآن في مرحلة اصلاحية وفي حال توافق وطني نحو التغيير لصالح البحرين، لكني لا أخفي عليكم قناعتي بالنضال الشعبي نحو الديمقراطية في غالبية مراحل تاريخنا البحريني النضالي ومنها فترة التسعينات. أنا أعلم ان فترة التسعينات شابتها بعض الأخطاء، ولكن اعتقد أنها مرحلة لولاها لما أصبح اسم البحرين يرتقي يومياً نحو الديمقراطية في المحافل الدولية. وها نحن نشهد مكاسب الاصلاح على أكثر من صعيد.

سوسن... أقدر لك ثقافتك وقناعاتك واهتماماتك ولكني أجد نفسي أختلف معك كليا في بعض ما تطرحينه، وعندما تريدين أن توصفي قضية أو مرحلة أو تعطي صورة لمجتمع أو فئة أو أمة فإنه يجب ان تضعي في اعتبارك ان الزمن قد يتغير، ولكِ ان ترجعي الى طريقة تناولك للبيت الاسلامي عموماً والبيوتات المتفرعة عنه خصوصا. لا أريد ان اطيل في الحديث هنا، فقط اريد ان اذكرك بمقالات عدة لك طيلة فترة التسعينات، وما كان لها من وقع على الكثيرين.

قلنا انه بعد فترة المشروع الاصلاحي ربما تعيدين بعض الوصف ولو في 10 في المئة من هذه المجموعة أو الفئة، لكننا رأينا طريقة العرض في القنوات وفي الكتابات تعيد لنا الاسلوب التسعيني ذاته، وذلك شيء لا يمكن ان نقبله بأية صورة من الصور، لأننا مواطنون لنا حقوق وعلينا واجبات واذا افترضنا جدلا ان اخطأ منا عشرة أو مئة أو ألف أو 10 آلاف لا سمح الله فهذا يجب ألا يتخذ ذريعة للصحافة البحرينية بأن تدوس علينا. ربما تقولين إن هذا كلام انشائي لكني هنا أذكرك بحادثة واحدة كنت قد كتبت عنها في سنة 1997وآلمتنا جميعا. كنا نريد ان نرد، ولكن كيف لنا ذلك ولا صحافة تسمع في مرحلة كان الواحد فيها يؤخذ على الظنة والتهمة.

ان القصة التي ذكرتها كانت تختصر بقصة الطفل والسلاح والطوفة الهبيطة. اضع بين يديك المقال ورد وزارة الداخلية وتعليقك على رد الوزارة متمنيا ألا تتكرر مثل هذه القضايا، لأن اشباهها كثر ولا شك انك تعلمين مدى خطورة الخطأ في مثل هذه القضايا. نقول خطأ ولكن لن يقبل اليوم ان تكرر الاخطاء.

بتاريخ 28 أبريل/ نيسان 1997م كتبت الشاعر مقالا مطولا أطرحه على ما هو عليه كي نأخذ العبرة منه. تقول الكاتبة في عمودها (كلمة أخيرة): «لنسلم بحسن نوايا جميع زعماء الأحزاب المعارضة في الوطن العربي وانهم لا يسعون إلى كرسي أو سلطة، بل هم يعملون و(يضحون) من أجل الصالح العام، وتحديداً صالح الشعوب المقهورة، ولكن هل يعي هؤلاء الزعماء حجم الخسائر التي تدفعها هذه الشعوب مقابل «الوعد» بتحسين اوضاعها؟ هل يضمنون العدالة التي ينادون من أجلها؟ هل يضمنون عدم استغلال كل ما يعدون بإنجازه وعدم تحويره مرة أخرى لصالح الخاصة والخاصة جدا»، ثم قالت: «هل يعون بخطورة الشحن النفسي الذي يغذونه في حال لو تأخر تحقيق هذه الأماني للشعوب وارتد هذا الشحن للنفس من دون وجود بريق أمل؟» تقول كاتبتنا: «كل هذه الأسئلة راودتني وأنا استمع إلى حادثة غريبة تم فيها استغلال هذا الشحن النفسي في المكان الخطأ وهنا لا نلوم هذا التصرف الفردي وحده، بل نلوم كل من دفع بهذا الاتجاه من دون حسبان لكل الاحتمالات التي هي من البديهي ان تكون واردة عند من يتصدى لمثل هذه الزعامات»، الآن تبدأ كاتبتنا بالدخول في الموضوع بعد كتابة المقدمة «لقد تم خطف فتى في الخامسة عشرة من عمره الساعة الواحدة ظهرا من الأسبوع الماضي وهو عائد من مدرسته سيراً على الاقدام بتهديد السلاح... نعم بتهديد السلاح الذي كان عبارة عن مسدس، ومن ثم تم الاعتداء عليه جنسيا من قبل الخاطف! بعد ذلك رماه في الشارع العام واستطاع الفتى التقاط رقم السيارة وفي الحال تم تبليغ الشرطة والقاء القبض على هذا المجرم وتعرف عليه الفتى في الحال». تقول الكاتبة: «كل القضية مؤلمة بل هي قاتلة لمن يسمعها من فم الأم وهي تبكي وتصرخ لي في الهاتف وهي تتساءل: أي ذنب اقترفه ابنها الذي يشهد على حسن سيرته وسلوكه الجميع؟ وما ذنبه ليدفع ثمن شحن نفسي غاضب من قبل شخص يدعي التدين وقام بهذه الفعلة الشنيعة باستغلال هذه الاداة الخطرة؟». ثم اضافت الكاتبة: «لاحظوا لأي منحدر انحدرنا، وفي أية هاوية سقطنا والاشنع من هذا انه ليس بمستبعد ابدا في ظل هذا التغييب وهذا الجنون ان يتحول هذا الشخص إلى بطل قومي». ثم قالت: «لا يبرأ احد من الذين دفعوا بالشارع لهذه الغوغاء، لا يبرئ أحدهم نفسه من هذا السقوط، فالكل يعلم ان شظايا الغضب هي شظايا عمياء وشظايا عشوائية ممكن ان تصيب أيا كان من دون عقل أو منطق سوى الجنون بعينه»، وأضافت الكاتبة: «وكان لابد لمن ادخل هذا السلاح أو ساعد على ادخاله أو دعا إلى إدخاله ان يضع في حسبانه كل هذه الاحتمالات... ولابد لمن شحن الانفس بالغضب والبغض والكره ان يتوقع اندفاعا كهذا من قبل أشخاص يعتقدون انهم مبعوثو العناية الالهية لتنفيذ احكام (الشريعة) التي تبيح دم وعرض الاعداء. ولي رجاء حار رأفة بالام وبالفتى ابنها ألا تصدر تلك المنشورات بتكذيب الخبر فأنا اعرف السيدة جيداً ولولا طبيعة الحادث لكانت أعلنت عن نفسها علنا امام الجميع، بل الأجدى هو إعادة النظر في اوضاعنا... ولكن متى؟ بعد الخراب؟». (صحيفة الأيام تاريخ الاصدار 28 ابريل 1997 العدد: 2977).

سمعنا بألم ما طرحته سوسن وما توحي اليه العبارات الصريحة في الموضوع والى أين تشير اصابع الاتهام.

السؤال: ماذا حدث بعد ذلك؟ جاء الرد من وزارة الداخلية بعد 7 أيام، أي في (5 مايو 1997 رقم العدد: 2984) تحت عنوان: «وزارة الداخلية توضح ملابسات حادث الخطف والاعتداء».

«السيد الفاضل نبيل الحمر المحترم رئيس تحرير صحيفة الايام... اشارة الى المقال المنشور بتاريخ 28 ابريل 1997 بالصفحة الأخيرة بجريدة الايام تحت زاوية (كلمة أخيرة) للكاتبة سوسن الشاعر عن حادث الخطف والاعتداء على عرض أحد الصبية فاننا نحيطكم علما بأن اجهزة الأمن قد تمكنت من ضبط الجاني خلال أقل من 48 ساعة وعبرت والدة المجني عليه عن بالغ شكرها وتقديرها لأجهزة الأمن العام... كما نود افادتكم بان التحقيقات كشفت عن أن الجاني يعاني من الشذوذ الجنسي وانه من ارباب السوابق في جرائم الاعتداء على العرض، وكشفت التحقيقات ايضا عن ان المتهم لم يستخدم أي سلاح في ارتكاب جريمته... وتفضلوا بقبول فائق التحية والاحترام. العلاقات العامة - وزارة الداخلية».

جاء رد الكاتبة: «نشكر وزارة الداخلية ونشيد بدور أجهزة الأمن التي تسهر على راحة المواطنين وللسرعة القياسية... الخ».

سوسن... شكرتِ الداخلية ولكنك نسيتي من أشرت اليهم في المقال، نسيت تأكيدك مسألة «السلاح» و«الصبي» الذي تأثر من «الشحن»... هل تعلمين كيف كان وقع المقال على من اشار اليهم الاتهام... أين هي التأكيدات؟

سوسن. هناك أكثر من مقال على هذه الشاكلة وأظنك تذكرين مقالك بعد يوم من حادث شارع المعارض، قلت: لقد قرأت في الانترنت ان احد الذين القوا الزجاجات الحارقة القاها وهو يقول: «يا مهدي». تذكرين القصص التي طرحتها في قناة الحرة وامثالها كثر. تذكرين «التخريب في التسعينات» وذكرت الوصف في مقالك قبل أيام لكنك لم تذكري أثر الكتابات التي كانت تكتب في الصحافة وعملت على ايجاد الوقيعة بين السلطة والمجتمع بدلاً من العمل على احتوائها.

لا نريد لأحد ان ينتقي الماضي على طريقته، ففي الماضي ايضا قانون أمن الدولة والفساد المالي والإداري والمحسوبية واشكال واشكال... هل تعرفين سوسن جواب سؤال لمقالك الأخير «لماذا يكرهوننا؟». لا أحد يكره مواطنه. نتمنى لك التوفيق ولكننا نقول: ان القصة تبدأ بكان يا ما كان.. كان هناك طفل لم يعتد عليه معارض ولم يشهر في وجهه سلاح. «آآخ يا وطن... من لهذه الأرض الطيبة؟!»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 734 - الأربعاء 08 سبتمبر 2004م الموافق 23 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً