العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ

في ذكرى زليخ وسليم وسالمين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم أشعر بإهانة منذ فترة طويلة عند قراءة الصحف المحلية مثلما شعرت بالإهانة عندما قرأت عدد يوم الاثنين الماضي. فعلى الصفحة الأولى قرأت إعلاناً صادراً عن المؤسسة العامة للشباب والرياضة، تبجحت فيه بأنها تنظّم «حملة وطنية كبرى لتكريم المنتخب الوطني لكرة القدم» لبلوغه الدور قبل النهائي في بطولة بكين. وبسبب الاهتمامات السياسية الغالبة، لم أكن متابعاً جيداً للمناسبات الرياضية إلا ما اتخذ سبيله إلى واجهة الإعلام الدولي، لذلك اكتفيت بمشاهدة بعض اللقطات التي تبثها الفضائيات من هذه المباراة أو تلك.

حتى وصول المنتخب الوطني إلى الدور قبل النهائي لم يكن بالحدث الذي يثير اهتمامي، لأن السياسة قتلتنا من الداخل منذ ربع قرن، وربما لضعف المتابعة تفاجأت للأفراح الكبيرة التي شهدتها بعض المناطق في البلاد. ومن حق الشباب أن يفرح بهذا الانجاز الرياضي المميّز، ومن حقّ المجتهدين حتى في مجال الكرة والرياضة أن ينالوا التشجيع والتقدير رسمياً. فالرياضة اليوم لم تعد مجرد تنظيم مباريات وتوزيع كؤوس وميداليات، وانما هي علاقات عامة بين الدول. وكلنا نتذكر كيف قاطعت الولايات المتحدة دورة ألعاب موسكو في العام 1980 فأفشلتها، بسبب غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في خضم أجواء الحرب الباردة. ونتذكر كيف رد السوفيات الصاع بمثله في دورة ألعاب لوس انجيليس بعد ذلك بثمانية أعوام. كما ان للألعاب الرياضية دوراً في التمهيد لعودة العلاقات بين الدول التي يخجل ساستها من القيام بهذه الخطوات، بل انها كانت البوابة التي دخل منها الاميركان إلى قلب الصين الماوّية، عندما دشنت سياسة الـ «بينغ بونغ» (كرة الطاولة).

على ان الاعلان الذي نشرته الصحيفة صباح الاثنين على صدر صفحتها الأولى أشعرني بالإهانة حقاً. فأنا كبحريني لا أتوقّع أن تقوم مؤسسة عامة معنية بشئون الشباب والرياضة بمثل هذه الخطوة البائسة، فكأنها تتسوّل لجمع بعض الأموال لتدفعها إلى أعضاء منتخبنا الوطني.

هذا المنتخب الذي قدّم عروضاً جيدة ورفع اسم بلاده في هذا المحفل الآسيوي، يستحق معاملة أفضل من طريقة جمع التبرعات والصدقات من المحسنين. هذه العقلية المتخلفة لابد من تغييرها إذا أردنا للرياضة البحرينية ان تخدم بلدها وترفع سمعته، لأنها تعكس طبيعة التعامل السائد مع هذا القطاع الحيوي الذي يضمّ تحت جناحيه آلاف الشباب من أبناء الوطن.

طبعاً، لست من المنادين بإعطاء كل لاعبٍ في المنتخب سيارة فخمة وبيتاً مؤثثاً، تقليداً للدول المجاورة الغنية، وخصوصاً ان هذه الاموال هي من أموال الشعب الذي يعاني الآلاف من أبنائه أزمة السكن، ومن الواجب التعامل مع المال العام بمسئولية ورشد، ومع وجود موارد أخرى للإنفاق أهم من الرياضة، ولكن على الأقل يجب أن يلقى هؤلاء اللاعبون المجتهدون ما يستحقونه من تقدير مادي ومعنوي، يضمن كرامتهم ورفعة رؤوسهم، بدل هذه الوسيلة البائسة التي لم تستحِ المؤسسة العامة من إعلانها والتجرؤ على فتح حساب خاص لهذه المهمة الوضيعة.

الطرارة بالماعون !

إن من المهين حقاً أن ترفع المؤسسة هذا «الماعون» لتستجدي التبرعات، وكأن لاعبينا مجموعة من المصابين بالايدز أو الجذام، تستدعي حالتهم فتح حسابٍ مصرفي لتوفير كلفة علاجهم!

الآن أكاد أضع يدي على سر بلاء الرياضة البحرينية، التي كانت تضجّ بالاسماء الضخمة، من حسن زليخ وأحمد سالمين وفؤاد بوشقر وبولمعة وسليم وشويعر والحارس الفذ حمود سلطان. من هنا أكاد أخمّن لماذا تراجع اللاعب «الوطني»، وغاب اسمه أو غُيّب من الساحة، لصالح جلب لاعبين يمثلون البحرين من دولٍ أخرى.

متى تتغير هذه العقلية التي تظن انه حتى الرياضة يمكن شراؤها مثلما يتم شراء مصانع الكولا، وان سمعة البلاد يمكن أن يخلقها من نجلبهم بـ «الفري فيزا»، فنوفّر لهم مسكناً وتدريباً وراحة نفسية وراتباً شهرياً، ثم نقول لقد ولى عصر اللاعبين العمالقة إلى الأبد. ولو توفرت ربع هذه «الامتيازات» الباذخة للاعبينا من ابناء الوطن لحققت منتخباتنا الكثير من الانجازات، ولكن كيف مادامت العقلية التي تحكم عالم الرياضة مازالت تتعامل بعقلية الـ «فري فيزا»، وتستكثر على الرياضي- المواطن المكافأة التي يستحقها على الانجازات الكبيرة، فتعمد إلى سياسة الطرارة بـ «الماعون»!

كنا نظن أن السياسيين في البلاد العربية وحدهم هم من يُعامَلون كقطعان، ولكن تبين ان اخوانهم الرياضيين لا يختلفون عنهم كثيراً من حيث المعاملة «الحيوانية» التي تحكم الراعي بالقطيع!

أمنيتي أن تعتذر المؤسسة العامة إلى المنتخب وإلى عموم الرياضيين عن هذه الإهانة، وأمنيتي الثانية أن تقوم الدولة بواجبها تجاههم. وإذا قصّرت الدولة ولم تعتذر المؤسسة، فأمنيتي أن يمتنع الرياضيون عن قبول هذه «الهدية» المغمسة بالذل، فللرياضيين كرامةٌ أيضاً يا مؤسستنا العجوز

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً