العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ

أنقرة تدير تقارباً إقليمياً مع إيران وسورية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تبدو زيارة رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان لطهران بمثابة خطوة في الدور الاقليمي الذي تتابعه حكومة العدالة والتنمية التركية منذ وصولها الى سدة السلطة في تركيا العام الماضي، لاقامة توافقات وتعزيز العلاقات الاقليمية، والتي جاءت في إطارها تحركات تركية واسعة في المحيط الاقليمي، تركز الاهم منها في البعد العربي الاسلامي لتركيا، إذ توالت زيارات المسئولين الاتراك الى الكثير من الدول العربية والاسلامية. كما جرى استقبال مسئولين كبار من هذه الدول في تركيا، ولم تقتصر المحادثات في الحالتين على الاوضاع والعلاقات الثنائية بين تركيا وتلك الدول، بل تعدتها الى بحث القضايا الاقليمية والدولية، وخصوصاً موضوعات «الحرب على الارهاب» والوضع في العراق.

وكان بين اهم محطات النشاط التركي الاقليمي التحرك باتجاه سورية وايران، وهو تحرك ليس بجديد، اذ ان البلدين اضافة الى تركيا، كانا شكلا تجمعاً ثلاثياً صلباً منذ العام 1998 في مواجهة تطورات الوضع في العراق، ودرجت البلدان الثلاثة على عقد لقاءات لوزراء الخارجية، لتأكيد موقفها الموحد تجاه استقلال العراق وتأكيد وحدته. وتطور هذا الجهد الثلاثي الى دائرة اوسع، تحت عنوان الدول المجاورة للعراق التي انعقد اجتماع وزراء خارجيتها السادس في القاهرة الاسبوع الماضي، ليخلص الى موقف مشترك بشأن الوضع في العراق وآفاق تطوره.

غير أنه اضافة الى هذا النشاط الاقليمي المشترك لكل من تركيا وسورية وايران، فقد تطورت علاقات ثنائية بين هذه البلدان. وكما في العلاقات الاستراتيجية التي تربط سورية وايران منذ ربع قرن مضى، فإن علاقات سورية وتركيا شهدت تقدماً ملموساً في السنوات الاخيرة ولاسيما بعد الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الاسد لتركيا مطلع العام الجاري، ووفرت غطاءً سياسياً لعلاقات سياسية واقتصادية متعددة المستويات، عكست نفسها في نتائج الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس الوزراء السوري ناجي عطري لتركيا حديثاً.

ومقابل التطور النوعي في العلاقات المتبادلة السورية - الايرانية والتركية - السورية، عمدت تركيا تطوير علاقات نوعية ومتبادلة مع ايران جارتها في الشرق، وهو توجه ارتبط بصعود الاسلاميين الاتراك منذ وصول نجم الدين اربكان الى السلطة، والذي جعل من زيارة ايران اولى محطات جولته الخارجية متحدياً في ذلك ظروفاً سياسياً داخلية وخارجية، أدت الى سقوطه في العام 1997، فيما قوبلت خطوة اربكان برغبة وتأييد، لا يقلان عن الرغبة والتأييد الايرانيين اللذين تقابل بهما زيارة اردوغان الحالية لايران من جانب حكومة طهران.

وبطبيعة الحال، فإن الاسئلة التي يثيرها التقارب الاقليمي الذي تديره تركيا مع سورية وايران كثيرة، لكن الاهم منها تكمن اجاباته في التحديات التي تواجه البلدان الثلاثة، وتدفعها إلى الدخول في مثل هذا التقارب، وتتوزع هذه التحديات من بين التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتتعلق بالواقع كما تتعلق بالمستقبل.

ولعل الاخطار التي تتعرض لها المنطقة وبلدانها ومنها تركيا وايران وسورية، تظهر في التحديات السياسية التي تواجه هذه البلدان، ويبدو الوضع في العراق مصدر قلق مشترك على الاقل في ثلاثة أمور، أولها موضوع الوجود الكردي في شمال العراق، واحتمالات قيام (كيان) كردي مستقل عن العراق الذي يعتقد الاتراك ثم الايرانيون والسوريون بدرجة اقل، انه سيطور نشاط الاكراد في البلدان الثلاثة باتجاه استقلالي، يؤدي الى تعزيز الحركة الانفصالية للاكراد، وتشكيل دولة كردية، تبدل خريطة المنطقة.

والأمر الثاني الذي يقلق الدول الثلاث هو موضوع الوجود الاسرائيلي في العراق وفي شماله خصوصاً، سواء بدا هذا الوجود مستقلاً في نشاطه عاملاً على المصالح السياسية والاقتصادية والامنية الاسرائيلية مباشرة في العراق ومحيطه، أو كان نشاطه متصلاً بالاشتغال على الموضوع الكردي في العراق، ولاسيما في تدريب الجماعات الكردية.

أما الأمر الثالث، فهو يقلق سورية وايران، ويمثله الوجود الاميركي العسكري في العراق. واضافة الى الاختلافات السياسية المعروفة بين سياسة البلدين مع السياسة الاميركية في كثير من القضايا ومنها الموضوع العراقي، فان الولايات المتحدة تصنف البلدين في عداد الدول الداعمة لـ «الارهاب»، وتتهمهما بتسريب المتطوعين الى العراق للقيام باعمال المقاومة هناك، وصدرت على مدار العام الماضي كثير من الاشارات لعمليات عسكرية ضد البلدين، تقوم بها القوات الاميركية الموجودة في العراق.

وكما هو واضح، فإن القلق من الوضع العراقي واحتمالاته السلبية على البلدان الثلاثة، يمد قلق هذه الدول الى المحيط الاقليمي وخصوصاً في ظل الترديات السائدة من الناحيتين السياسية والامنية في الوضع العربي العام اضافة الى طغيان وعنجهية القوة الاسرائيلية، التي تجد دعماً اميركيا غير محدود من جهة، وسكوتاً غربياً بما فيه السكوت الاوروبي من جهة اخرى.

وإذا كان القلق والمخاوف والمصالح، تدفع نحو تقارب اقليمي، يتمحور حالياً في تجمع ثلاثي تركي ايراني سوري، فإن تقدم هذا التجمع وتطوره، بل وتوسيعه ليس امراً سهلاً، اذا لا يرتبط الامر بالارادة السياسية للأطراف الداخلة فيه فقط، بل ايضاَ بطبيعة القوى الاقليمية والدولية التي يناهض التقارب، أو يمانع أهدافها في المنطقة

العدد 698 - الثلثاء 03 أغسطس 2004م الموافق 16 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً