العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ

ارفعوا الحواجز وستزول البطالة

لؤي عباس comments [at] alwasatnews.com

ما هو المطلوب من الحكومة لمعالجة البطالة؟ يتصور البعض ان الحكومة يجب أن تبتكر الأعمال، لا بأس. قد تقوم الدوائر الحكومية بذلك إذا زاد الطلب على خدماتها، ولكن هذه المؤسسات الحكومية يخلق فيها العمل بسبب زيادة الطلب على خدماتها وليست هي التي تخلقه. الأعمال ليست بيد أحدٍ ليبتكرها، بل الأعمال تظهر إلى الوجود عندما يكون لها داع، أي عندما يكون الربح من التوظيف أكبر من الكلفة التي ستصرف على الموظف (سواء كان هذا الربح مادياً أو غير مادي، فهناك طرق لتقديره مادياً)، وهكذا المؤسسات الخاصة. لذلك نقول ان نجاحها هو الذي يخلق الأعمال، ولكن الواقع ان هذه النجاحات كشفت وجود أعمال جديدة واستوعبتها ولم تخلقها هي.

على سبيل المثال، لنفرض قرية صغيرة في بيئة بحرينية قديمة، ومن ضمن أعمال هذه القرية صناعة النسيج بالطريقة اليدوية البدائية، حدثت بطالة في هذه القرية، وكان أحد الذين لا يعملون من الذين يهوون العمل في النسيج، وكان عمل النسيج محتكراً عند عائلة معينة في القرية بشكل تقليدي وهم يتوارثونه ولا يرضون بأن ينافسهم في القرية منافس، ولنفرض إضافة إلى ذلك وجود مختار أو رئيس عادل لهذه القرية، قام هذا المختار بإجبار عائلة النساجين بتوظيف هذا الشاب المتولع بالنسيج فوظفوه لديهم، وكانت النتيجة ان الشاب إما انه استطاع أن ينتج منتوجاً أفضل (زيادة في الجودة)، أو انه طور أنواع نسيج مختلفة تصلح لاستخدامات مختلفة عن المعتاد (تنويع الإنتاج واكتشاف أسواق جديدة) أو انه طور طرقاً أسرع (توفير وقت)، أو انه طور طرقاً أسهل (توفير جهد)، أو انه طور طرقاً أكفأ من ناحية توفير واستغلال المواد الخام. وهذا التطور أدى بدوره إما إلى زيادة الإنتاج بجهد أقل ومواد خام أقل وبالتالي ربح أكبر، وهذه الأرباح التي تدخل القرية تساهم في إيجاد مشروعات أخرى تحتاج إليها القرية وبالتالي توظيف عدد أكبر، أو بزيادة جودة الإنتاج وتنويعه، وبالتالي زيادة الطلب على النسيج وتوظيف عدد أكبر (لاحظ ان الجودة والتنويع لم تصنع زيادة الطلب انما الطلب على هذه الجودة موجود من قبل، ونجاح المؤسسة كان في اكتشاف هذا الطلب وتلبيته).

هنا تم اجتياز جزئي لحاجز أمام التوظيف صنعته تقاليد بالية، تتمثل في زمننا الحاضر بمجموعة من الحواجز تسمى بالواسطة والمحسوبية والطائفية وأسباب سياسية، ولكن ماذا عن الحواجز التي في العمل نفسه؟ لنستمر مع المثال البسيط:

هذا الشاب الغريب عن العائلة تعرض لهضم لمجهوداته وظلم لكفاءته فانكفأ عن تطوير العمل، وهو ما أثر سلباً على وضعية توظيف الأيدي العاملة في القرية، وكان لابد من تدخل المختار ليلزم أرباب العمل بإعطاء العامل حقه.

هنا خلال العمل أيضاً لدينا في الزمن الحاضر ما يسمى بالخوف على الكرسي وإرضاء المتملقين والمحسوبيات واستغلال المنصب في زيادة المدخول عبر قبول الرشا. هذا عن الحواجز التي في العمل، فماذا عن الحواجز التي تصيب الإنتاج؟ لنستمر في المثال البسيط:

إذا كان لهذه العائلة عملاء تحترمهم تقليدياً، وهم الذين يستحوذون على القدر الأكبر من الإنتاج بسعر أقل من السوق، فإن هذا الأمر سيؤثر سلباً على الأرباح وبالتالي على التوظيف عموماً في القرية.

في زمننا الحاضر هناك الكثير من الوجهاء الذين يحصلون على الإنتاج من الدوائر الحكومية والكثير من الشركات الخاصة بأسعار خاصة إن لم يكن مجاناً. لا أريد أن أُعَقّد المثال بافتراض ان المختار هو الذي يكرس الحواجز بتكريسه امتياز العائلات التقليدي حتى يكرس الامتياز التقليدي لعائلته. ولكني هنا أريد أن أصل إلى هذه النتائج:

1- عمل الحكومة يمكن تشبيهه بعمل المختار، فإذا كان عادلاً سيحطم هذه الحواجز البالية، ويضع النظم والقوانين التي تفعل ذلك ويسهر على تطبيقها.

2- القضاء على البطالة مطلوب من الحكومة بحسب كل الشرائع، وعندما تؤكد الشريعة الإسلامية على ذلك فإنها تؤكدها من جهة تحميل الحكومة مسئولية إقامة العدل، والإسلام يضمن القضاء على البطالة عن طريق إقامة العدل في المجتمع، وهذا يعني ان البطالة ليست المرض كما يظن الكثير ممن شرقوا وغربوا في وضع الحلول الإسبرينية، ولكنها عارضٌ من أعراض مرض عدم العدالة.

3- من هذا المنطلق لابد من تحميل مجلس النواب بشكل رئيسي مسئولية العمل على الإصلاح في الجهاز الحكومي.

4- أهم نتيجة أود لو استطيع أن أوصلها هي ان الذي يستخدم هذه الحواجز ولا ينفتح على الآخرين يظن انه يحافظ على مصالحه، بينما العكس هو الصحيح، إنه بذلك يدمر مصالحه الأكبر ومصالح وطنه، ولو كان بعيد النظر لأدرك ذلك

العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً