العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ

شبح الانتحار... دوافع وحلول!

نسمع ونقرأ كثيراً هذه الأيام من خلال الصحف المحلية وبشكل متكرر عن ظاهرة مخيفة ومؤلمة متفشية في مجتمعنا العربي الإسلامي بكثرة وهي ظاهرة خطيرة جداً ألا وهي ظاهرة الانتحار التي بدأت في التفشي وبشكل كبير... إذ إن وجه الخطورة يكمن في سوء المصير الذي ينتظر المنتحر من عذاب الله وما يخلّفه ذلك من أثر نفسي خطير في نفوس ذويه وأسرته ومن أحبه.

من المهم معرفة أن السلوك الانتحاري هو سلسلة الأفعال التي يقوم بها الفرد محاولاً من خلالها تدمير حياته بنفسه دونما تحريض من آخر أو تضحية لقيمة اجتماعية ما. كما أن الانتحار هو عدوان موجه نحو الذات، لأن الشخص لا يستطيع لسبب ما أن يوجه عدوانيته باتجاه المجتمع أو باتجاه شخص آخر.

وغالباً ما يكون الانتحار الذاتي معبراً عن حال يأس شديد يشعر المنتحر فيها، أن أبواب الأمل قد أغلقت في وجهه تماماً، ولم تعد لديه فرصة للاستمرار في الحياة، مثلما يريد هو وليس كيفما يرسمه الآخرون له.

الأمر خطير جداً ويحتاج منا جميعاً إلى التعرف على الأسباب الداعية إلى ذلك، والعوامل التي قد تدفع الإنسان إليه، ومن ثمة محاولة التحصين والعلاج والحماية بإذن الله تعالى.

لكن السؤال حقيقة الذي يفرض نفسه بقوة: ما الأسباب الكامنة التي دفعت هذا الفرد المسلم - الذي يعرف ما هي عاقبة الانتحار - إلى سلك درب هذه الهوة السحيقة وأنه سيكون خالداً مخلداً في نار جهنم، والغريب في الأمر أن أكثر المنتحرين من الصغار والشباب المراهق، لاشك في أن وراء هذا السقوط المفاجئ سبباً إذ إن الإقدام على عملية الانتحار لم يأتِ من فراغ.

يمكن تلخيص الأسباب في النقاط الآتية:

- ضعف الوازع الديني عند الإنسان، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكبرى التي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة، إضافة إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة.

- عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية إذ ان الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الرضا بقضاء الله وقدره، وعدم الاعتراض على ذلك. ولاشك في أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضاً على واقع الحال ودليلاً على عدم الرضا به.

- غلبة الظن الخاطئ عند المنتحر انه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حداً لما يعيشه أو يعانيه من مشكلات أو ضغوط أو ظروف سيئة أو نحو ذلك.

- الجهل والجزع وعدم الصبر على البلاء الذي قد يبتلى به الإنسان، ومن ثم الاستسلام لليأس والقنوط وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس التي تزين لصاحبها الإقدام على ذلك الفعل الشنيع.

- الفقر وضيق ذات اليد نتيجة لانعدام الدخل، أو عدم وجود العائل، أو كثرة الأعباء المالية، أو البطالة، أو الانحراف السلوكي والأخلاقي ونحو ذلك.

- بعض الأسباب النفسية الناتجة عن إصابة الإنسان بالأمراض العصبية أو النفسية أو العضوية التي قد لا يتحمل نتائجها أو التكيف معها.

- الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر، الأمر الذي دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأن من شئونهم، إذ إن كثيراً من الوسائل الإعلامية الوافدة ولاسيما المسلسلات والأفلام والقصص تصور هذه الجريمة على انها الحل للتخلص من مصاعب الحياة ومشكلاتها.

- كثرة المشكلات الأسرية التي أصبح مجتمعنا يعاني منها لأسباب كثيرة، والتي ترتب على انتشارها نتائج مؤسفة مثل التفكك الأسري، وانتشار بعض الظواهر الاجتماعية السلبية ومنها الانتحار.

- التأثر الشديد ولاسيما عند صغار السن ومحدودي الثقافة بما تثبه القنوات الفضائية من برامج مختلفة تشتمل على الكثير من الأفكار والموضوعات التي تحث بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الانتحار، وتجعل منه حلاً عاجلاً وسريعاً لكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بعض الناس.

- الا أن السبب المهم والرئيسي بلاشك هو قلة الإيمان والوازع الديني عند الفرد والبعد عن الله وعدم التعلق به تعلقاً صحيحاً وغياب الوعي الديني بحرمة هذه الجريمة، والجهل بما ينتظر مرتكبها من الوعيد الشديد والعذاب الأليم في الدار الآخرة.

وأخيراً، من المهم جداً تقديم يد العون والمساعدة إلى الأشخاص المعرضين لخطر الانتحار وخصوصاً إذا كانوا من فئة الشباب عصب الحياة والمجتمع، وذلك عن طريق:

- التمسك بمبادئ وقيم وتعاليم وتوجهات التربية الإسلامية المستمدة من مصادر ديننا الحنيف، والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر لما تقدمه من حلول ناجحة لجميع المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع.

- زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع عن طريق مختلف المؤسسات والوسائل الإعلامية والتعليمية، لبيان حرمة وخطر جريمة الانتحار، وبشاعتها، وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة سواء للفرد أو المجتمع.

- الحرص على تنمية الجانب الإيماني في تربية أبناء المجتمع عن طريق الحث على مراقبة الله تعالى في مختلف الأعمال والأقوال، وفي كل شأن من شئون الحياة عند الإنسان، إذ إن من راقب الله تعالى وخافه واتقاه فلن يستحوذ عليه الشيطان، ولن يلقي بنفسه إلى التهلكة.

- محاولة تفهم الظروف والأسباب المختلفة التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار، ومن ثم العمل على مد يد العون لهم، ومساعدتهم في حلها من قبل الآباء، والمعلمين، والمسئولين ونحوهم. وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله.

- إخضاع الظواهر السلبية في المجتمع للدراسة والبحث حتى تعرف أسبابها ودواعيها، ومن ثم تبدأ خطوات الوقاية منها، وإيجاد العلاج المناسب لها.

- تشديد الرقابة على ما يُعرض في وسائل الإعلام المحلية (مرئية، أو مسموعة، أو مقروءة)، وعدم السماح بعرض أو نشر أو بث ما يشجع على مثل هذه الظواهر المؤسفة التي لا تتناسب مع تعاليم ديننا، ولا تتفق مع تربيتنا الإسلامية السامية.

- حماية الفرد من المحيط.

- الترفيه والترويح عن القلق وتأسيس علاقات تتسم بالهدوء والتفهم الكامل له من قبل المعالج.

- المراقبة الدائمة وبلطف وعدم تقريع وإيذاء سلوكه الانتحاري.

- العلاج بالعمل الدؤوب.

- العلاج النفسي والاجتماعي لإعادة ترميم شخصية المصاب من أجل مساعدته في القيام بدوره المنوط به كعنصر فعال في المجتمع.

- وأخيراً، مراقبة المريض في فترة النقاهة وتعديل ما يمكن تعديله في محيطه الاجتماعي.

مدركين بذلك ما المغزى من المحاولة الانتحارية وهي بمنزلة رسالة تشير إلى حاجته إلى يد العون.

لكن نصيحتنا لكل والد أن يزرع في نفس أبنائه ومن البداية حب الله والتوعية الدينية الحقة ولا نغفل مراقبة نفسية أبنائنا وما تتعرض له من تيارات يومية والعمل على التحاور وسماع مشكلات المراهق وان كانت تافهة المحتوى إلا انها قد تكون كبيرة المعنى وقد تؤدي إلى نشوء وسواس الانتحار.

نسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم وأن يكفينا الله هذا المرض وهذه الظاهرة المسمومة الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي حمانا الله وحما أبناءنا من هذه النهاية المؤلمة.

ولطفاً نتساءل ما دور الجمعيات ومؤسسات التأهيل النفسي والدولة في مواجهة مثل هذه الظاهرة، وكيف نتصرف بسرعة وفعالية من أجل أن نهزم شبح الانتحار هذا الآخذ في الانتشار في مجتمعنا وبين أبنائنا وشبابنا؟!

فاطمة سلمان داوود سلمان

العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً