العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ

لكي لا يجرؤ أحد على «الردم» من جديد

قد نبكي الأطلال بحسرة ونطلق «الآه» التي تعصرنا على مياهنا العذبة، ونفيض غيضاً وغضباً على جزر وشواطئ كانت إلى يوم قريب يحيطها البحر وتتلألأ منها البساتين والخضرة والنخيل وأشجار اللوز، وأصبحت في غفلة من الزمن مبانٍ اسمنتية بفعل فاعل الردم الذي هو الآخر لم يولد من فراغ، ولم ينبثق من العتمة فجأة، بل كانت له مقدمات وفّرت الأرضية المناسبة لهذا التخريب المخيف والمتعمد، والذي لا نتمنى لأية بقعة في المعمورة تتكون من أرخبيل جزر مثلنا أن تمر بما مررنا به، وتتوجع مثلما نتوجع الآن بلطم الخدود ولم نستطع أن نفعل شيئاً، أو نحرك ساكناً، فلا تستطيع أية قوة مهما عظمت أن تزيل المنطقة الدبلوماسية واسترجاع سواحل رأس الرمان، ولا مطّ البحر إلى السواحل المردومة في الدراز أو خليج توبلي أو سترة أو جزيرة النبيه صالح أو قلالي أو الحد أو النعيم أو السنابس وغيرها الكثير على امتداد حدود مياهنا الإقليمية (...).

ولعل في الصدارة من هذه الممهدات التخريبية لسواحل البحرين غياب الوعي البيئي عند مثقفينا وحكومتنا، وغياب أحزاب مثل «غرين بيس» المهتمة بالبيئة، إضافة إلى ذلك، وفي مجمل القول؛ غياب الديمقراطية، ومصادرة الحقوق العامة، بما فيها الحق في إبداء الرأي بحرية وشفافية، ومصادرة مشاركة المواطن البحريني في صنع القرارات المصيرية بيئية كانت أو سياسية، وبدلاً من ذلك للأسف، جرى اعتماد نهج «الاستيلاء بالقوة والهيمنة والاستحواذ» لبيئتنا دون رقيب أو حسيب، أو رصد موثق للانتهاكات يذكّر المسئولين بأول شحنة للردم والتخريب بدأت في بلادنا وجرت معها شحنات أخرى من أناس متنفذين توهموا انهم يملكون الحقيقة المطلقة، ويعرفون مصالح الناس أكثر من الناس أنفسهم، وأن الباطل لا يأتيهم من بين أيديهم ولا من خلفهم!

لو أن الانفتاح السياسي، وإتاحة قدر من الحريات العامة في مجال التعبير والتنظيم، جاء في وقت مبكر قبل وأد أول تجربة برلمانية في العام 1975، لما وصلنا لهذه «المواصيل»، لأن الديمقراطية واحترام الرأي الآخر تبيحان للناس صنع مستقبلهم وبناء وطنهم على أسس جديدة دون مس أو تخريب للبيئة كما هو حاصل الآن لجزرنا التي «كانت» جميلة، و«كانت» هذه فعل ماضي لا نملك غير ذكره في كل مناسبة، ومن الصعوبة بمكان تحويله إلى فعل مضارع يلامس الواقع بعد أن تعداه القطار وانتقل إلى محطات أخرى، لكنها مع ذلك ستبقى بما تبقى من «أوال» هي الأجمل لأنها تحضن تاريخاً عريقاً على امتداد العصور.

الآن، وبفضل الانفتاح السياسي، الذي أجاز لأهالي المناطق الاحتجاج، وقول «لا» لكل ما يرونه ضاراً بالبيئة، أو ضاراً بمصالحهم، أو وطنهم بالعموم، لم يبق إلا المحافظة على ما تبقى، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتطوير العمليات الاحتجاجية ضد الرادمين للبحر وقاتلي الشجر والحجر برصد الانتهاكات وإبلاغ الرأي العام بها، كما حصل في الدراز وتوبلي وقلالي، حتى يأتي اليوم لمحاسبة المتسببين والمنتفعين من تخريب البيئة لمصالح آنية، تدر وبالاً على مستقبل أجيالنا القادمة.

وحتى يجيء ذلك اليوم سنظل نرفض السائد، ولن نقبل «بالأمر الوقع» واعتباره أمراً طبيعياً، فهذه أمور لا يمكن أن تكون طبيعية، عندما يتم تشويه صورة جزرنا بهذه الطريقة دون وازع من ضمير

العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً